تسعى الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى إقناع جيش الاحتلال الإسرائيلي بإنشاء مناطق آمنة جنوب قطاع غزة، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، يشن جيش الاحتلال عدوانًا شاملًا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد وإصابة عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء، ودفع مئات الآلاف إلى النزوح من شمال ووسط القطاع إلى جنوبه، مما خلف "أزمة إنسانية متفاقمة" في المنطقة بين السكان المتكدسين، مع حرمان أهالي القطاع من الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية.
وتتعرض إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى ضغوط متزايدة داخلية وخارجية، من أجل الضغط على جيش الاحتلال، لوقف العدوان على غزة. لكن الرئيس الأمريكي طالب الاحتلال بالعمل على تجنب استهداف المدنيين في الحرب على غزة، في تأكيد لدعمه استمرار الحرب على غزة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن المسؤولين الأمريكيين، أن المبعوث الأمريكي يتفاوض مع مسؤولي الاحتلال، بشأن إنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين في غزة. لكن من المستبعد أن يتحقق هذا الهدف، في ظل إصرار مجلس حرب الاحتلال على مواصلة العدوان الشامل على أراضي القطاع كافة، وتوعد بنقل المعركة إلى الجنوب المكدس بالمدنيين، خلال الأيام المقبلة.
وتعرف المناطق الآمنة بأنها "مناطق تتوافق عليها الأطراف المتصارعة في نزاع ما، وتمتنع القوات المقاتلة عن دخولها أو شن هجمات عليها، والهدف الأساسي من هذه المناطق هو حماية المدنيين الفارين من الصراعات.
ويملك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صلاحية إعلان مناطق آمنة، وفعل ذلك من قبل في البوسنة والهرسك عام 1993، وفي رواندا عام 1994.
ويرى البعض أن خلق منطقة آمنة للمدنيين داخل منطقة صراع أمر لا يمكن التحكم فيه. فنظريا، توفر هذه المناطق ملاذًا للمدنيين المهجرين، حيث يمكنهم الحصول على الطعام والمأوى والرعاية الصحية والأمن بشكل أفضل من المناطق العالقة في الصراع.
كما أن المناطق الآمنة تمنع حركة الهجرة الجماعية إلى دول الجوار، الأمر الذي قد يشكل عبئا على البنية التحتية فيها ويشعل الخلافات السياسية، ويفضل النازحون البقاء في منطقة آمنة داخل بلادهم، حيث يكونون أكثر دراية بالثقافة واللغة والعادات الاجتماعية.
لكن منطقة الصراع ليست محلا خصبا لحفظ الاتفاقات بين الأطراف المتحاربة. وحال انهيار الاتفاق، وهو ما قد يحدث في غزة، يصبح المدنيون الذين احتموا بالمنطقة الآمنة عرضة، للهجوم مرة أخرى.
ويقول البروفيسور ديفيد كيين، مؤلف ورقة بحثية عن المناطق الآمنة، إن إطلاق اسم آمن على مكان ما لا يجعله آمنا، حيث هناك خطر اختلاط عناصر من المقاتلين بالمدنيين، ما يحول المناطق الآمنة إلى أهداف عسكرية مشروعة، كما أن المدنيين خارج المنطقة الآمنة قد يعتبروا "هدفًا مشروعًا".
وفي الكثير من الحالات، ثبت أن المناطق الآمنة قد تكون مصدرًا للخطر. ورغم وجود بعض الأمثلة الناجحة، إلا أن هناك حالات كانت فيها هذه المناطق سببا في إزهاق الأرواح بدلا من إنقاذها.
أحد أشهر الأمثلة على فشل المناطق الآمنة كانت في حرب البوسنة عام 1995، بين الصرب من ناحية، ومقاتلي البوسنة المسلمين الذي أرادوا انفصال البوسنة والهرسك عن يوغوسلافيا. وفي أوج الصراع، عام 1993، أعلنت الأمم المتحدة عن ست مناطق آمنة تحرسها قوات حفظ السلام.
وكانت أحد هذه المناطق في مدينة سربرنيتشا، حيث لجأ الآلاف من المسلمين للمأوى الأممي. وبعد سقوط المدينة، إثر هجوم من صرب البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش، استسلم أفراد قوات حفظ السلام، وانتهى الأمر بقتل ثمانية آلاف رجل وفتى من المسلمين البوسنة على أيدي الصرب، فيما يُوصف بأشد مجزرة دموية في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.