المسرح المصري أثّر في الوطن العربي.. وأقول لمعلمي السكندري "ابنك كُرّم في مصر"
تمنيت مصافحة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب.. وحلمي تحقق بتسلم درع باسمها
في زاوية صغيرة داخل مقهى بإحدى بلديات إمارة الفجيرة، وقف أول طفل من مدينة "دبا" على تلك الخشبة السحرية التي حوّلت أمامه النصوص المسرحية لشخصيات من لحم ودم، ليُفتن بما يراه على يد معلمه الفنان المصري الراحل محمد الدسوقى، أول من أدخل المسرح إلى الفجيرة بدولة الإمارات، وتمر الأيام ويصبح هذا الطفل نجمًا ساطعًا في المسرح، ويحفر عبد الله راشد اسمه بحروف من نور، ويقدم عشرات العروض ليثبت من خلالها تنوع مواهبه ما بين التمثيل والتأليف والإخراج، إضافة إلى تولي تأسيس عدد من المهرجانات المسرحية الدولية على مدار 38 عامًا، قبل أن يحظى هذه الأيام بتكريم مميز في مصر خلال مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته السابعة التي انطلقت في 25 نوفمبر، وتستمر حتى 30 من الشهر نفسه.
فرحة التكريم
يقول الفنان الإماراتي عبد الله راشد عن تكريمه من المهرجان في حواره لموقع "القاهرة الإخبارية": ينتابني فرح كبير لتكريمي بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي الدولي، فلا يزال يسكنني ذلك الطفل أثناء تسلم تكريمي، كما لو كنت أنال شهادتي المدرسية الأولى، وأقف على المسرح ويصفق لي حشد من الجمهور، هذا الطفل حُفر بداخله أمنية أن يقف يومًا على خشبة المسرح ممثلًا، فضلًا عن أن يكون التكريم في مصر التي اعتبرها "حلوة" الشرق والوطن العربي، وأيضا بمدينة السلام القريبة للقلب شرم الشيخ، فهذا يزيد التكريم معنى آخر، كما أن تكريمي في مهرجان شبابي رفع من قيمة التكريم، وكأن إدارة المهرجان برئاسة مازن الغرباوي ود.إنجي البستاني مدير عام المهرجان، أرادا أن يوجها لي رسالة بأنني مازالت قادرًا على العطاء، وأنني لست فنانًا في الإمارات فقط، وأن هناك من يتتبع نشاطي وإنجازاتي.
حلم تحقق
التواصل مع سيدة المسرح العربي الفنانة المصرية سميحة أيوب، كان إحدى الأمنيات التي يتمنى الفنان الإماراتي عبد الله راشد تحقيقها، وتحولت الأمنية إلى حقيقة، حيث يقول "كنت أتمنى مصافحة الفنانة القديرة سميحة أيوب، ولكن الأمنية تحققت بأن تكرمني بالمهرجان وأتسلم درعًا يحمل اسمها، وهذا مدعاة للفخر بداخلي".
وأضاف "شرف كبير لي أيضًا أن أكرم مع أجيال من العمالقة كنت أنظر إليهم فقط من خلال شاشة التلفزيون وعلى خشبة المسرح، وكنت أتمنى أن أستمع إليهم وأجلس معهم، والحلم تحقق لأكون معهم مثل الفنان القدير رياض الخولي والفنانة سوسن بدر، تلك القامة الفنية الرائعة، بالإضافة لوجودي مع الشباب مثل الفنان المصري محمد عادل والنجوم العرب مثل الفنانة الأردنية أمل دباس، والحقيقة أنني أشعر بالفخر وكأنني قطعت آلاف الأميال لأصل لنقطة يحتفي بها الجميع.
رسالة لمُعلمي المصري
تأسس الفنان الإماراتي عبد الله راشد مسرحيًا على يد الفنان الراحل محمد دسوقي، أحد أبناء محافظة الإسكندرية في مصر، ومن خلاله عشق المسرح، وتحول الوقوف على خشبته من حلم إلى حقيقة، لذا حرص على أن يوجه رسالة له في مثل هذه اللحظة المهمة، حيث يقول "تكريمي بمصر له معنى عظيم، هذا البلد الذي أعشقه، وأحببت المسرح على يد أحد أبنائه الفنان السكندري الراحل محمد دسوقي العاشق للمسرح، لذا أريد أن أوجه له رسالة وأقول له "ابنك يكرم في مصر أم الدنيا".
٤٠ عامًا من المسرح
شارك عبد الله راشد في أول عمل مسرحي منذ ما يقرب من 40 عامًا، ليكون أول طفل يقف على خشبة المسرح بالإمارات، وعن كواليس هذه الرحلة يقول "في عام 1984 كانت أول خشبة مسرح أقف عليها، ولا أستطيع أن أقول إنها مسرح بمفهومه المعروف الآن، ولكنها خشبة اتخذها الفنان المصري الراحل محمد الدسوقي، ونحن معه، في ركن بمقهى شعبي بمدينتي الصغيرة في الفجيرة، وأنشأنا عليها مسرحًا، ووقتها لم أكن أتوقع أن يقع علىَّ الاختيار في أن أكون أول طفل يشارك في اسكتش مسرحي عن "رحلة هوس"، وهو من الموروث التراثي الإماراتي، وكانت تلك المسرحية التي بدأت معها الغوص لعمق المسرح، والإبحار لعالمه وكنت طفلًا صغيرًا، وكانت من الطقوس أن يكون معهم أحد يُخدم عليهم، ومن هذه الحكاية عشقت مهنة خدمة المسرح وخدمة الناس، وفرحت جدًا بالحضور الكبير من الجمهور، والحمد لله الأمور سارت على أحسن ما يكون.
تأثر الوطن العربي بالمسرح المصري
وعن ارتباطه وتأثره بالمسرح المصري يقول الفنان الإماراتي عبد الله راشد "الوطن العربي تأثر بالمسرح المصري، خاصة في الخليج، من خلال أسماء كبيرة مثل زكي طليمات وكثير من الأسماء المصرية المسرحية، ولا شك أنه عندما نعود للمسرح في منطقة الخليج، وخاصة في دولة الإمارات من البعثات التعليمية، بدأت حركة التنوير الثقافية ومن ضمنها النشاط المسرحي في الأندية الثقافية، وكان من بينها الشخصية المصرية العاشقة للحياة والمسرح، وأنا منذ التحاقي بالمدرسة في الصف الأولى وأنا محب للشخصية المصرية ومتعلق بها، ومنذ نشأة المسرح كنت أحد مؤسسيه في بلدتي مع الراحل محمد الدسوقي، هذا الفنان الذي عندما أذكره أشعر بالحياة والمسرح والحب، وكل شيء جميل في وجوده، ولذلك أتصور أن أثر تطور المسرح في الإمارات مقرون بالتبادل الثقافي بين مصر والإمارات.
تطور المسرح الإماراتي
وعن رأيه في خطوات تطور المسرح بالإمارات قال: "هو تطور متنامٍ للنهضة المتسارعة في الإمارات التي ظهرت بسرعة البرق، وعندما نتحدث عن المسرح في الإمارات فلابد أن نقف في محطات رئيسية، وللمفارقة أنه في عام 1984 كانت أول خطواتي على خشبة المسرح من خلال مسرحية "دبا والاتحاد"، وبالمصادفة، انطلق في الوقت نفسه آنذاك مهرجان أيام الشارقة المسرحية الذي أتشرف بأن عضويتي فيه باللجنة العليا للمهرجان منذ أكثر من 14 عامًا، وها نحن نحتفي بالدورة الـ 32 من أيام الشارقة المسرحية والتي صنعت ولا تزال تصنع الإبداع والنجوم والفنانين في كل المجالات من كتّاب ومخرجين وسينوغرافيا، واليوم نجد أن إمارة الشارقة بها 27 مركزًا للناشئين واليافعين تهتم بالمسرح.
وأضاف "لدينا بالإمارات 5 مهرجانات متنوعة ومتخصصة مثل مهرجان المسرح الصحراوي، فهو متفرد على مستوى الوطن العربي، والمسرحيات القصيرة التي تُعنى بالمواهب الشابة، وتقدم أعمالها بالبحث في الأعمال العالمية وباللغة العربية، وهو يحتاج لتأسيس صحيح ومبنى على دراسات وأكاديميين، كما أن مهرجان أيام الشارقة المسرحية أفرز طاقات تنافس بقوة، وبكل حضور دائم على منصات تتويج بالمهرجانات، وأن يكون لهذه الأقدام موطئ في هذه المهرجانات العالمية بشتى البلاد، كما أن جمعية المسرحيين بدولة الإمارات تتبنى وترعى فنيًا وماديًا ودعمًا مهرجان الإمارات للطفل، والذي تشرفت في عدة دورات بأن أكون مشاركًا وممثلًا ومُحكّمًا ومنتقيًا، فالمسرح لدينا بخير، وفي إمارة الفجيرة نحظى بكرم استضافة مهرجان الفجيرة الدولى للمونودراما، وهو من كبرى المهرجانات بالعالم، وبالتالي المسرح في الإمارات متطور بصورة كبيرة والمراكز الثقافية لها دور كبير في وزارة الثقافة، وقلما نجد مدينة لا تحظى بالمسرح.
عرض مسرحي عربي
وعن رأيه في اقتراح المخرج المصري خالد جلال بإقامة عرض مسرحي عربي يشارك فيه فنانون من كل الدول العربية، قال: "فكرة عظيمة من المخرج الكبير خالد جلال، وهي ومضة التقطها من الفنانة سوسن بدر بندوة المهرجان، وخالد جلال عندما يقول شيئا يفعله، فهو صانع النجوم، ولا يرمى كلامه هباء، وأثق أن هذه الفكرة ستخرج للنور قريبًا، وسنحتفى جميعًا بهذه الكوكبة العربية، والمخرج مازن الغرباوي وعد بتبني هذا العمل في القريب العاجل إما بدورة المهرجان المقبلة أو التي تليها.
وأضاف أدرك أن المسرحي عندما يقطع عهدًا على نفسه فلابد أن يتحقق، وأتمنى أن أكون بينهم ومشاركًا في هذا العرض المسرحي العربي بغض النظر عن دوري.
وعن شكل الاختلاف في المسرح قديما واليوم في الفجيرة، قال: "القرية والمدينة التي كانت لا تمتلك أي مفهوم للمسرح في عام 1984، تمتلك اليوم قاعتين للمسرح مؤهلتين بكل التقنيات العالية بالمواصفات العالمية لاحتضان أرقى مهرجان للمونودراما، إضافة إلى ذلك الدور الرائع للهيئة العربية للمسرح في احتضان المسرح العربي، فهناك الكثير من الإيجابيات في المسرح الإماراتي، ونثمن مبادرة أبدع لوزارة الثقافة والشباب بالإمارات في دعم المشاريع الشبابية، سواء على مستوى المشاركات الخارجية مثلما يحدث حاليًا بوجود عملين من دولة الإمارات مشاركين في المهرجان بدعم من وزارة الثقافة، وهذا عنصر إيجابي ومؤثر على قدرة وجمالية المسرح بالإمارات.
مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما
أسس عبد الله راشد مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، حيث يقول عنه: "أسهمت مع أقراني في تأسيس مهرجان الفجيرة الدولي، وأخذت على عاتقي منذ الوهلة الأولى، وحينما كنت منسق عام المهرجان، أن أحتضن هذا المهرجان، وكان لأصدقائي وزملائي دور في تأسيسه، حيث توليت منذ الدورة الأولى لجنة اختيار العروض ولجنة التقنيات التي تمثل العمود الفقري".
وأضاف "هذا المهرجان بصبغته الدولية ساهم في تأسيس طقس احتفالي مميز لمدينة الفجيرة، جمع بين الثقافة من خلال المسرح وإبراز التراث والموروث الشعبي كصورة تعرّف خلالها ضيوف المهرجان من شتى أنحاء العالم على العمق التراثي الغزير للبلد ولأهمية التبادل الثقافي الفني بين الشعوب بما يحقق التسامح، وقبول الآخر وعلاقة الإنسان بالإنسان من منظور ثقافي، لذلك تستعد وتتزين المدينة بكامل حلتها لاستقبال ضيوف المهرجان.
الدراما التلفزيونية
وعن مشروعه الذي يحلم بتحقيقه، أشار إلى أنه يسعى ويحلم بإنشاء مهرجان مسرحي للطفل، ذي صبغه عربية عالمية.
وعن سبب قلة مشاركته في الدراما التلفزيونيه أرجع السبب لارتباطه الروحي بالمسرح، قائلًا: "كنت مُقلًا في أعمالي التلفزيونية لارتباطي بالمسرح، وأبحث في الدراما عن النص الهادف المستفز والمؤثر، كما ارتبطت أدواري التلفزيونية بالأعمال ذات الصبغة التراثية".