خلال العشرة أيام الماضية من الحرب على قطاع غزة، التي بدأت منذ فجر اليوم السابع من أكتوبر، استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية العديد من الأسلحة والقنابل والصواريخ، الأمر الذي تسبب في تزايد التكاليف العسكرية بشكل كبير، خاصة على جانب الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تُقدم المزيد من الدعم العسكري لجيش الاحتلال في حربه ضد قطاع غزة.
جدير بالذكر أن وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش" قدر حجم التكلفة المباشرة للحرب على قطاع غزة بمليار شيكل يوميًا (250 مليون دولار) يوميًا، كما أشار كبير الاقتصاديين في بيت الاستثمار الإسرائيلي "أليكس زبيسكي"، إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ستبلُغ تكلفته المباشرة أكثر من 17.2مليار دولار، تُمثل تكلفة الذخيرة والاحتياطيات، وهو ما يُمثل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي.
في ضوء ما سبق، يرصد هذا التحليل التكاليف العسكرية التقديرية التي تحملها الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية خلال العشر أيام الماضية من الحرب، والنتائج المباشرة لهذه التكلفة على الجانب الإسرائيلي.
تكلفة عسكرية تقديرية:
يُستدل على حجم التكلفة العسكرية التقديرية من خلال التعرف على الأسلحة التي تم استخدمها في هذه الحرب، وأسعارها الحالية في السوق العالمي، وهو ما سيتم توضيحه على النحو التالي: -
(*) التكلفة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي: استخدم الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام العشرة الماضية، آلاف من الصواريخ والقنابل الفوسفورية في حربه على قطاع غزة؛ لتحقيق هدفه المُعلن، وهو تصفية عناصر المقاومة الفلسطينية، إذ إنه تم قصف غزة بـ22 صاروخًا تدميريًا لكل كيلو متر مربع، وفي حين أن حجم القطاع يُقدر بـ360 كيلو متر مربع، فإن إجمالي الصواريخ المُطلقة يُقدر بحوالي 7920 صاروخًا، تبلغ تكلفتهم 316.8 مليون دولار وفقًا للجدول رقم (1)، ووفقًا لسلاح الجو الإسرائيلي، فقد تم إسقاط 6000 قنبلة في غزة خلال أسبوع الأخير من الحرب.
ومن أخطر القنابل التي تستخدمها إسرائيل، هي قنابل "جدام" الذكية أمريكية الصنع، التي يصل مداها إلى 28 كيلو مترًا، إذ يتم توجيها بالقمر الصناعي، كما استخدمت إسرائيل قنابل خارقة الأقبية "BUNKER Busters" التي تستخدم من خلال المقاتلات التكتيكية والقاذفات، إذ تم استخدام الفئة "BLU-109 و BLU-113"، بالإضافة إلى ذلك استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي كل ما يمتلك من القنابل الخارقة للحصون وصواريخ ضرب الأنفاق بحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، إذ إن إسرائيل تمتلك حوالي 750 قنبلة خارقة للحصون والأنفاق، وتشير التوقعات إلى أن إسرائيل ستعمل على استخدام قنابل مبتكرة تُسمي "القنابل الإسفنجية"، التي توضع داخل شبكات الأنفاق.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد استخدمت إسرائيل، خلال محاولات التدخل البري دبابات من "ميركافا" وخاصة "ميركافا 4" التي تبلغ تكلفتها حوالي 6 ملايين دولار أمريكي، وقد تم تدمير حوالي 6 دبابات إسرائيلية بحسب تصريحات المقاومة الفلسطينية مع بداية عملية الهجوم البري، و ارتفع هذا العدد إلى 20 دبابة، تبلغ تكلفتها على الاحتلال الإسرائيلي 120 مليون دولار، كما تم استخدام العديد من الحاويات المُقاتلة التي هاجمتها المقاومة بواسطة "قذائف الهاون"، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المروحية، والتي كانت في مرمى صواريخ المقاومة، وهو ما جعل الاحتلال الإسرائيلي يتكبد خسائر عسكرية كبيرة، إذ أعلن جيش الاحتلال أن 100 طائرة مُقاتلة شاركت في عملية الهجوم البري خلال العشرة أيام الماضية.
وفضلاً عن الأسلحة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، فإن إسرائيل تنفق المليارات من العملة المحلية والتي يُمكن تقديرها بحوالي 50 مليار شيكل- أي حوالي 12.5 مليار دولار؛ لزيادة استعداد الجيش لحرب متعددة الجبهات، إذ قامت بشراء آلاف الصواريخ والقنابل والرادارات وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة الراديو والمركبات والطائرات بدون طيار.
وبالتالي وفقًا للجدول رقم (1) والذي يُعبر عن التكلفة العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام العشر الماضية، فقد استخدم جيش الاحتلال، كمية كبيرة من الصواريخ والدبابات خلال القصف المستمر على قطاع غزة، وخلال محاولات الهجوم البري الذي يقوم بها في القطاع حاليًا، الأمر الذي تسبب في تكاليف عسكرية تُقدر بحوالي 17.4 مليار دولار.
(*) الدعم الغربي لإسرائيل: ازداد الدعم الأمريكي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدرجة غير مسبوقة خلال حربه المستمرة على غزة. فيوضح الشكل رقم (1) أن الولايات المتحدة الأمريكية، نشرت حاملة طائرات هجومية (يو إس إس جيرالد أر فورد) في شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى ذلك أعلن البنتاجون عن إرسال نظامين من أقوى أنظمة الدفاع الصاروخي في الشرق الأوسط، وهما بطارية " ثاد"، وبطاريات "باتريوت"، كما استقبلت إسرائيل شحنة من سيارات الجيب المدرعة "الأمريكية".
تأسيسًا على ما سبق، يُمكن القول إن النسبة الأكبر من الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة في الحرب على غزة، تُعد من إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية.
وقدمت الولايات المتحدة الأمريكية، مساعدات دفاعية بقيمة 3 مليارات و800 مليون دولار سنويًا، فضلاً عن ذلك طلب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" من الكونجرس الموافقة على تمويل بقيمة 14 مليار دولار لصندوق الحرب، على أن يكون ذلك جزء من مساعدات عسكرية بقيمة 106 مليارات دولار لإسرائيل وأوكرانيا وحماية الحدود الأمريكية. فمن المُحتمل أن يُصدق الكونجرس الأمريكي على قرار "تمويل صندوق الحرب" في الثاني من نوفمبر الحالي.
وبالإضافة إلى الدعم الأمريكي، يظهر الدعم الألماني للاحتلال الإسرائيلي، إذ صدرت ألمانيا إلى إسرائيل معدات عسكرية بقيمة 600 مليون دولار، وتقدم ألمانيا دعم كبير للاحتلال في صفقات السلاح.
(*) التكلفة العسكرية على المقاومة الفلسطينية: مع بداية عملية الهجوم البري على قطاع غزة، استخدمت المقاومة الفلسطينية العديد من أنواع الصواريخ و القذائف كما يوضح الجدول رقم (2)، ومن الصواريخ التي تستخدمها المقاومة بكثرة، هي صواريخ " كورنيت" روسية الصنع، التي دمرت الدبابات الإسرائيلية من طراز " ميركافا- 4"، وصواريخ القسام وصاروخ "متبر" الذي تم إطلاقه تجاه الطائرات المُسيرة، وصاروخ "سام 7" الذي استهدف طائرة إسرائيلية شرق مخيم البريج، كما أطلقت المقاومة، أنواعًا أخرى من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، حيث قصفت حيفا بصاروخ R160، بينما قصفت مدينة إيلات بصاروخ "عياش 250"، وبالإضافة إلى ذلك استخدمت المقاومة قذائف مضادة للدبابات مثل قذائف ياسين 105، وقذائف الهاون، وأطلقت المقاومة الفلسطينية المئات من هذه القذائف.
وعلى ما سبق، يُمكن القول إنه وفقًا للجدول رقم (2) فإن التكلفة العسكرية على المقاومة الفلسطينية تُقدر بحوالي 2.4 مليون دولار، مع العلم أن هناك صواريخ أطلقتها المقاومة، ولم يتم الإعلان عن تفاصيلها.
تأثيرات مباشرة:
أدت زيادة التكلفة العسكرية من جراء الحرب على قطاع غزة، إلى تأثيرات سلبية في اقتصاد الجانبين، خاصة على الجانب الإسرائيلي، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:
(&) زيادة العجز الحكومي: من المُحتمل أن يعمل التوجه الإسرائيلي نحو تعديل الميزانية العامة لعام 2023/2024 لصالح وزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث ستقوم إسرائيل بزيادة الإنفاق على التسليح العسكري، على زيادة العجز الحكومي الذي سيصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقارنة بـ3%.
(&) انهيار الشيكل الإسرائيلي: انخفض الشيكل أمام الدولار إلى أدنى مستوي له منذ عام 2012، إذ وصل إلى مستوى 4.06 شيكل لكل دولار، وهو ما جعل العملة الإسرائيلية في حالة انهيار؛ ولهذا أعلن البنك المركزي الإسرائيلي بيع 15% من احتياطي الدولار؛ لوقف انهيار الشيكل، الأمر الذي ترتب عليه هروب المستثمرين من إسرائيل.
(&) انخفاض توقعات النمو الاقتصادي: إن تحمل الاحتلال الإسرائيلي تكاليف عسكرية بما لا يقل عن 17 مليار دولار، وما يترتب عليها من انخفاض الإنفاق على قطاعات الاقتصاد الأخرى، خفضت توقعات النمو الاقتصادي، إذ أشار بنك "جيه بي مورجان تشيس"، إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي، من المتوقع أن ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2023، حيث خفض توقعاته بخصوص النمو الاقتصادي من 3% في يوليو الماضي إلى 2.3%.
ومن ناحية أخرى، تضرر قطاع غزة بشكل كبير للغاية من القصف الإسرائيلي، والذي سيُحمل القطاع تكاليف كبيرة جدًا تُقدر بمليارات الدولارات؛ لإعادة إعماره بعد هذه الحرب، إذ تم قصف الغالبية العظمي من المباني في القطاع والمستشفيات والمدارس، وقدر رئيس الوزراء الفلسطيني" محمد أشتيه" خسائر الاقتصاد اليومية بنحو 25 مليون دولار بالضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وهو ما يوضح التأثيرات السلبية الكبيرة على القطاع.
في النهاية، يُمكن القول إن استمرار الحرب على قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يُكلف إسرائيل والمقاومة الفلسطينية عسكريًا مبالغ كبيرة للغاية، وخاصة إسرائيل التي تكبدت حوالي 17 مليار دولار، وهو الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على اقتصادها، الذي تدمر من المبالغ المالية الكبيرة التي توجهت للتعبئة العسكرية، ومن الإيرادات التي يخسرها الاقتصاد من جراء عدم الاستقرار الناتج عن الحرب، والتي تمثلت في هروب الاستثمارات والسياحة، ومن ناحية أخرى تعرض قطاع غزة للانهيار، وخسائر اقتصادية كبيرة، وهو ما يتطلب بالضرورة وقف هذه الحرب على قطاع غزة في أسرع وقت.