ليل دامس تنيره النيران المتصاعدة من صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، ولا صوت سوى صرخات الضحايا الذين يسقطون بالمئات، مأساة على مسمع ومرأى العالم يوميا في غزة المحتلة، وفي انتظار الصباح لم تسطع الشمس فغيوم الانفجارات حجبت نورها، فلم نعد نرى سوى الدمار والخراب الذي حلّ بالقطاع، ولم يسلم منهم بشر ولا حجر، وحتى الثقافة والفن، لإسكات كل صوت وقلم يوثق مجازرهم.
أضرار في المنشآت الثقافية
شهدت ليلة أمس قصفًا وصفه الصحفيون في القطاع بأنه الأعنف منذ بدء الحرب، أخذ معه الأخضر واليابس والكتب التي سجلت صفحاتها مجازر الاحتلال وتاريخ عدوانهم الغاشم على أرض فلسطين، بعد ما أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية تدمير مكتبة "لُبَد" في حي الرمال في غزة، بشكل كامل، بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع، وأكدوا أن هناك أضرارًا كبيرة في عدد من المنشآت الثقافية كذلك.
الضرر الذي لحق بالمنشآت الثقافية لم يكن بالأمس فقط، فقد شهدت الأيام الماضية تضرر متحف القرارة الثقافي ومقتنياته بـقطاع غزة بشكل بالغ وهو المبنى الذي أنشئ منذ عام 1958، إذ تحطم معظم أجزاء المتحف من الداخل، وتصدع الأسقف، وتهشم الزجاج الخارجي للمبنى التراثي، وتحطم فاترينات عرض المقتنيات الأثرية، كما نتج عن التفجير تهشم العديد من المقتنيات.
وفي صباح 10 أكتوبر الماضي واستمرار لقصف الأقلام وحرق الكتب والتاريخ، تدمرت مكتبة الشروق، ومكتبة سمير منصور في غزة بعد قصف غاشم من الاحتلال.
مثقفون تحت الركام
وودع المثقفون صباح اليوم فنانة ومحاضرة أكاديمية بجامعة الأقصى وهى نسمة أبو شعيرة، التي كانت حريصة أن ترصد كل مايفعله جيش الاحتلال من مجازر على جدران البيوت المهدمة، وأختارت في أحد معارضها أن ترسم شجرة زيتون تصل جذورها في كل الكرة الأرضية، وحينما سألت عن سبب تلك الرسمة تحديدا ردت قائلة: "شجرة الزيتون تمثل التاريخ الفلسطيني وتعتبر من أكثر الأشجار المقدسة لدى الشعب الفلسطيني".
كانت "نسمة" حريصة على أن تنقل للعالم كل ما يحدث لذلك حكت برسوماتها تاريخ بلدها وأصدرت مجلة ساخرة هى وعدد من أصدقائها خلال دراستها الفنون الجميلة في جامعة الأقصى.
سبق "أبو شعيرة" في الاستشهاد طفلتان هما شام أبو عبيد، و ليلى عبدالفتاح الأطرش من فرقة تشامبيونز للدبكة في قطاع غزة، طفلتان لم يتجاوز عمرهما الـ8 سنوات لم يرحمهما القصف، ولا يزال جسديهما تحت الأنقاض منذ 15 أكتوبر، حسبما أكدت وزارة الثقافة الفلسطينية.
ومنذ انطلاق الحرب سقط عدد من مبدعي الفن والثقافة، فعقب الهجمات التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة استشهد الشاعر فارس أبو شاويش، والكاتب حسين مهنا، والناشر عدنان أبو غوش، والكاتبة والشاعرة هبة كمال أبو ندى التي ضجت السوشيال ميديا بنعيها وكتبوا: "وداعًا يا هبة أبو ندى، لن تكتبي الشعر بعد اليوم، لا يوجد شعر بعد اليوم، تجرد العالم من كل معانيه، وصارت كل زقزقة نعيقًا، مات كل شيء عندما صار القتل عاديًا".