شادية.. لم يكن مجرد اسم أُطلق على فاطمة أحمد كمال شاكر، المولودة في 8 فبراير 1931، لكنه كان وصفًا لعذوبة صوتها وحالة استثنائية لن تتكرر في تاريخ الفن بالعالم العربي، تلك الفنانة التي أسرت الجميع بمجرد أن سمعها، حيث قال عنها الفنان المصري الراحل عبد الوارث عسر، إنها "شادية الكلمات"، فرغم مرور الذكرى الخامسة على رحيلها، اليوم الإثنين، لكنها باقية في قلوب الجميع بعد أن اكتسبت جمهورًا عريضًا وحظيت بشهرة عربية، وساهمت وسامتها وطلتها المحببة للجمهور أمام الكاميرا وصوتها الحنون في استحقاقها لقب دلوعة السينما.
الحديث عن الفنانة المصرية الراحلة شادية، يحتاج للوقوف كثيرًا أمام هذه الموهبة صاحبة السجل الحافل بالأعمال، ليس لكونها من أهم الفنانات المصريات في الوطن العربي، بل لأنها استطاعت أن تسجل رقمًا قياسيًا في تقديم الأعمال الفنية، ففي مجال السينما قدمت أكثر من 100 عمل منذ بدأت مشوارها الفني في الأربعينيات لتنطلق بسرعة الصاروخ في عالم النجومية والشهرة والأضواء.
الأغاني العاطفية
قدمت شادية الكثير من الأغاني، لكن كانت الأغنية العاطفية الأقرب لقلبها، حيث قالت في لقاء إذاعي نادر بالسبعينيات: "أحب الأغاني العاطفية، هي التي تستهويني أكثر من غيرها، فأنا أحب الأغاني القديمة لمحمد عبدالوهاب، فهو يطربني ولديه إحساس، ومحمد قنديل صوته ابن البلد، وأحب محمد رشدي صوته فلاح وابن بلد، وأحب عبد الحليم في الأغاني العاطفية، وأحب له أغنية "مريت على بيت الحبايب".
الغناء الوطني
كانت مصر حاضرة في أغاني شادية، التي لا تزال تتردد حتى هذه اللحظة، مثل أغنية "يا حبيبتي يا مصر"، وأغنية "ادخلوها آمنين" و"مصر اليوم في عيد"، فهذه الأغاني تعكس مقدار حبها لبلدها.
كما قدمت شادية أغاني لبلدان أخرى، حيث قالت في لقاء إذاعي لها: إنها قدمت أغنية "يا حبيبي عود لي تاني"، بمناسبة سفرها إلى السودان فحملت الأغنية إيقاعًا سودانيًا قائلة: "شعب السودان فرحوا جدًا بالأغنية التي قدمتها مخصوصًا لهم وحفظتها قبل السفر بيوم، كما قدمت أغنية لدولة الكويت مع مُلحنة من نفس البلد".
تميمة حظ
امتلكت شادية ميزة كبيرة، هي أنها كانت تمثل تميمة حظ لكل من عمل معها، وهو ما جعل الكثيرون يتسابقون على مشاركتها أعمالهم، وكانت أول بطولة نسائية لها في فيلم "العقل في إجازة" بعد أن اقتنع بها الفنان المصري محمد فوزي لتشاركه العمل، لتشكّل مع "فوزي" فيما بعد دويتو في بداية مشوارها ويكررا تعاونهما في عدد من الأعمال، مثل "الزوجة السابعة" و"بنات حواء" و"صاحبة الملاليم" وغيرها من الأفلام الأخرى، وساهم "فوزي" في معرفة الجمهور بها كمطربة، حيث قدمت عددًا من الأغاني معه مثل "الحب له أيام"، و"لقيته لقيته" وغيرها.
أيقونة نجاح
كان كثير من المنتجين يرون أن شادية هي أيقونة النجاح الحقيقية لما تحققه أفلامها من إيرادات عالية، لذلك استطاع الفنان الراحل أنور وجدي، أن يستفيد من هذا النجاح، ليقدم لها ومعها عددًا من الأفلام، مثل "قطر الندى"، "ليلة العيد"، و"البطل"، "ليلة الحنة"، كما كان لها بصمة وعلامة مع عدد من النجوم من أبناء جيلها، مثل كمال الشناوي في أفلام كثيرة، كـ"قليل البخت" و"مغامرات إسماعيل ياسين" و"بشرة خير" و"في الهواء سوا"، و"أشكى لمين" وغيرها، وكان للفنان إسماعيل ياسين حضور طاغي في مشاركتها أفلامها أيضًا.
نقلة في حياتها
رغم أنها لم تكن تتجاوز العقد الثاني من عمرها، لكنها صنعت نقلة في نوعية أدوارها لتقديم فيلم "المرأة المجهولة"- الذي سميت فيه باسمها الحقيقي "فاطمة"- وظهرت في أحداث العمل بشكل أكبر بكثير من عمرها الحقيقي لامرأة عجوز، وهو العمل الذي قدمته مع الفنان محمود ذو الفقار.
تغيير جلدها
حاولت شادية التمرد على نوعية معينة من الأدوار، فقدمت انطلاقة حقيقية في تقديم الأعمال الكوميدية بفيلم "مراتي مدير عام" لتناصر عمل المرأة، من خلال تجسيدها دور زوجة تتولى رئاسة مصلحة حكومية يعمل فيها زوجها، لتشكّل ثنائيًا مع الفنان صلاح ذو الفقار، ليس فقط في الفن ولكن في الحياة كزوجين، وهو ما انعكس على تقديم أمتع الأعمال وأحبهم الجمهور سويًا، كما قدما أفلامًا كثيرة مثل "عفريت مراتي" و"أغلى من حياتي"، و"لمسة حنان"، و"كرامة زوجتي" وفي هذا الفيلم الأخير لجأ صلاح لاستشارة أحد المشايخ وتحديدًا في أحد مشاهد العمل الذي يتطلب فيه أن يطلقها ووقع في حيرة من أمره من تقديم هذا المشهد لأنه متزوجها بالفعل، لكنه نفذ المشهد بعد أن أخبره الشيخ بأن الطلاق لن يقع في الحقيقة لأنه مشهد تمثيلي، كما أنتج لها فيلم "شيء من الخوف".
نجاح طاغ لمسرحيتها الوحيدة
رغم تركيز شادية في السينما، إلا أن هذا لم يمنعها من الاتجاه إلى المسرح فكان لها مسرحية وحيدة وهي "ريا وسكينة" التي يعتبرها الجميع من أشهر الأعمال العربية، التي عرضت لسنوات طويلة في أكثر من دولة عربية، وعلى مستوى الدراما قدمت 7 مسلسلات إذاعية من أشهرها "نحن لا نزرع الشوك".
حياتها الشخصية
قالت شادية في لقاء إذاعي لها: إنها لم تكن سعيدة الحظ في زواجها على عكس حظها الجيد في الفن، وهو ما يفسر السبب وراء أن زواجها لم يستمر طويلًا في الثلاث مرات وعدم إنجابها أي أبناء، لتهب حياتها للفن قبل أن تعتزل في العقد الخامس من عمرها، وتتوارى بعيدًا عن الأضواء، ثم ترحل في هدوء في 28 نوفمبر 2017، لكنها تبقى معبودة الجماهير.