في غضون أيام قليلة، تحوّلت حياة يسرا أبو شارخ -33 عامًا- رأسا على عقب بعد إعلان إسرائيل الحرب على غزة، وكانت تعمل بحماسة في وظيفة جديدة مرغوبة وتعتني بأسرتها، حسبما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
ولكن الآن أصبحت تجوب الشوارع بحثًا عن الخبز والماء والكهرباء، وتخشى من الغارات الجوية المستمرة، كما فقدت الاتصال بأقاربها.
وتشارك "يسرا" هذه الرؤية مع كثير من أفراد الطبقة المتوسطة الصغيرة والناشئة في غزة، الذين فقدوا تقدمهم المكتسب بصعوبة، رغم حصار إسرائيل المستمر، والتآكل التدريجي لمؤسسات غزة في غضون أيام. تلاشت أحلامهم في الحصول على وظائف جيدة، والالتحاق بالجامعات الأجنبية وشراء منازل.
حلم العائلة
قبل الحرب نشأت طبقة متوسطة طموحة من ركام الصراعات السابقة في غزة. وعلى الرغم من استمرار الحصار والقيود الشديدة على السفر، استطاعوا أن يستثمروا في تعليم أطفالهم والأعمال المحلية، وحتى الملاهي الخاصة على شاطئ البحر، حسبما ذكرت شبكة "ABC" الأمريكية.
وفي مواجهة التيار المتصاعد من البطالة والظروف الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر، نجح جزء صغير من المجتمع بغزة في الازدهار.
تخرجت يسرا أبو شارخ هذا الصيف في هندسة جامعة بورتلاند ستيت، بولاية أوريجون، الولايات المتحدة الأمريكية. ثم عادت إلى ديارها متحمسة للحصول على وظيفة في مستشفى الأهلي بمدينة غزة وإعادة لم شملها مع عائلتها.
التمسك بالأمل
ومنذ 7 أكتوبر، اختفى هذا الأمل كأنه سُحق تحت أنقاض المنازل المهدمة في حيها بمدينة غزة، وتضرر منزلها بشدة من القصف الإسرائيلي، واضطرت هي وأطفالها إلى الفرار لمنطقة خان يونس في جنوب غزة، حيث يعيش أقاربها. وتعاني والدتها -ناجية من مرض السرطان- مشكلات في الجهاز الهضمي وتحتاج إلى المرحاض، لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا. لقد كان ذلك مُستحيلًا في الملجأ، أما والدها -66 عامًا- رفض الخروج من منزلهم في شمال مدينة غزة، متحديًا أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
وتبدأ أيام "أبو شارخ" بجنوب قطاع غزة في كثير من الأحيان بعد ليال دون نوم بين صفارات الإسعاف المدوية وصخب الجيران في الفترة القصيرة بين الغارات الجوية المتواصلة، وعند شروق الشمس تنطلق في رحلة البحث عن الخبز وتقف في طوابير لساعات في المخابز لشراء كيس واحد لإطعام طفليها.
دون كهرباء ومنقطعة عن أقاربها ومذعورة من أصوات الطائرات فوق رأسها، تسارع في فترة ما بعد الظهر لرؤية والدتها المريضة في ملجأ للأمم المتحدة مزدحم على بعد 20 دقيقة، هناك تستطيع أخيرًا شحن هاتفها والتحقق من والدها.
مستقبل مجهول
لا تزال "أبو شارخ" تأمل في إنهاء الحرب قريبًا، والعودة إلى وظيفتها وحياتها الطبيعية، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، وانعدام الأمن والخدمات الأساسية في غزة، وتقول "يسرا" إنها تشعر بالإحباط والغضب من حالة عدم اليقين التي تعيشها.
وأضافت: "لا أستطيع التخطيط للمستقبل، لأنني لا أعرف ما سيحدث غدًا أو بعد ساعة.. لا أستطيع حتى التفكير في مستقبل أطفالي، لأنني لست متأكدة من أننا سنبقى على قيد الحياة.. أشعر بالذنب لأنني لم أستغل فرصة الدراسة في الخارج بشكل أفضل".