الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"عَلم البطيخ".. رمز المقاومة ضد الاحتلال لمنع سرقة الهوية الفلسطينية

  • مشاركة :
post-title
تظاهرة ترفع علم البطيخ عوضًا عن العلم الفلسطيني بسبب الممارسات القمعية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

كان البطيخ مجرد ثمرة شائعة الزراعة في فلسطين خلال القرن الماضي، لكنه تحوّل مع الزمن إلى رمز للمقاومة والهوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن استطاع تجاوز ماهيته البسيطة؛ ليصبح صوتًا يتحدث باسم شعب، ويعبر عن تراث وحضارة تحاول دولة الاحتلال سرقتهما.

منذ سنوات الاحتلال الأولى، بدأ الفلسطينيون ينظرون إلى البطيخ على أنه درعهم الخفي ضد محاولات مصادرة هويتهم، فجمعت ألوانه الحمراء والخضراء والسوداء بينها بشكل سري لتشكيل العلم الفلسطيني، وهكذا بدأ رحلة البطيخ من مجرد ثمرة إلى رمز للنضال ضد المحتل الإسرائيلي.

ومع مرور الزمن، نما دور البطيخ ليصبح لوحة فنية ورسالة مقاومة، إذ استلهمه الفنانون الفلسطينيون في أعمالهم؛ كي يعبروا عن أملهم بالعودة. كما اتخذته بعض حركات المقاومة الشعبية رمزًا لها، وهكذا أضحى البطيخ وجه الشارع الفلسطيني المبتسم في مواجهة كيان دموي، إذ كان يعتبر رفع العلم الفلسطيني محظورًا في بعض الأحيان بالأراضي المُحتلة.

واليوم، يعود البطيخ للواجهة مرة أخرى في غير موسمه، باعتباره رمزًا للتضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، إذ تنتشر صوره في مظاهرات التضامن حول العالم. فقد أثبت أن الرموز تتخطى حدودها متى تحولت إلى رسالة تعبر عن حقّ شعب.

في الستينيات والسبعينيات، بعد نكبة عام 1948 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، حظرت السلطات الإسرائيلية أي عرض علني للعلم الفلسطيني أو حتى صوره القديمة.

ومع بداية الثمانينيات، أصبح البطيخ شكلًا من أشكال التعبير الفني عن المقاومة. وظهرت أعمال فنية من قبيل سلسلة "قصة البطيخ" للفنان الفلسطيني خالد حوراني، تضمنت تلك الألوان مثل العلم الفلسطيني، وأصبح البطيخ يُمثل رمزًا فلسطينيًا يعبر عن الهوية والانتماء في ظل الاحتلال.

ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987، شهدت فلسطين تأثيرًا قويًا للفنون التشكيلية كوسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء.

ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، انتشر استخدام البطيخ في اللوحات والأعمال الفنية المختلفة التي تعبر عن حالة الانتفاضة. وبدأ مفهوم البطيخ يتخطى الإطار الفني؛ ليصبح رمزًا شعبيًا يعبر عن الهوية والانتماء لدى الشباب الفلسطيني.

ومع تطور التقنيات الرقمية، بات التعبير عن الهوية الفلسطينية عبر البطيخ يتخطى الفن التشكيلي؛ ليشمل تصاميم الجرافيك والفنون الرقمية في الشبكات الاجتماعية. وأصبح البطيخ يرمز للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر العالم.

تاريخ البطيخ الفلسطيني

وتظهر أهمية البطيخ كرمز للهوية الفلسطينية في إحياء التقاليد والثقافات الفلسطينية التي حاول الاحتلال مسحها، حيث يمثل إرثًا زراعيًا وحضاريًا، بعد أن كان لفلسطين دور مهم فيه قبل 1948.

يعود تاريخ زراعة البطيخ في فلسطين إلى عصور ما قبل النكبة، حيث كانت من أشهر محاصيلها الزراعية المصدرة، وازدهرت زراعته في مناطق مثل جنين. إلا أن الاحتلال الإسرائيلي بدءًا من عام 1948 شرع في تدمير الزراعة الفلسطينية بأكملها تقريبًا، مما أدى إلى اضمحلال زراعة البطيخ المحلية. بل إن المستوطنات الإسرائيلية أغرقت الأسواق بمحاصيلها، مما أقصى الفلسطينيين عن سوقهم.

جيل الشباب والبطيخ

ومع تصاعد حدة القمع وممارسات جيش الاحتلال الأخيرة في قطاع غزة، يعيد البطيخ تذكير جيل الشباب بمعنى الهوية والانتماء والمقاومة، ويشكل رمزًا لتمسكهم بحقوقهم على أرض وطنهم المهدد بالزوال جراء قمع الاحتلال ومحالاوته المستميتة لتفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من أهلها.

ومع تصاعد الحملات الدعائية عبر الإنترنت، أصبح البطيخ يمثل أيضًا رمزًا للتضامن العالمي مع قضية فلسطين، حيث نشأت حركات عالمية تضامنية تؤكد أن البطيخ أصبح رمزًا للمقاومة يعبر عنها الملايين حول العالم.

ومع التطور التكنولوجي وممارسات بعض وسائل التواصل الاجتماعي للحجر على نشر علم فلسطين، عادت البطيخة من جديد لتقف صامدة أمام خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، كما تحايل الفلسطينيون قديمًا على ممارسات الاستيطان الاستبدادية؛ مما أدى إلى تفاعل واسع لتأكيد التضامن مع المقاومة. في الوقت الذي نظمت حملات في أوروبا ناشدت الحكومات بوقف دعمها لإسرائيل إزاء جرائمها ضد الشعب الفلسطيني استخدمت فيها أعلام البطيخ.

ويبقى البطيخ مثالًا بارزًا على دور الثقافة والفن في مقاومة الاستعمار والاحتلال، حيث تمكن الفلسطينيون من الحفاظ على رموزهم الوطنية وإعادة تفسيرها بشكل إبداعي رغم كل المحاولات الإسرائيلية لمحو هويتهم، كما أن تطور هذا الرمز عبر السنين يوضح قدرة الشعب الفلسطيني على التأقلم وإيجاد أشكال بديلة للتعبير عن ثقافته وقيمه.