بعد توقعات الأرصاد الجوية تساقط الثلوج بغزارة في العاصمة الأوكرانية كييف ابتداء من اليوم، الأحد، مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، بينما لا يزال ملايين الأشخاص يعيشون في العاصمة الأوكرانية والمناطق المحيطة بها بلا كهرباء وتدفئة، أمر يشكل عامل ضغط على البلاد، وحتى على الدول الأوروبية الحليفة، في ظل أزمة الطاقة الحالية.
من جهه أخرى يستمر القصف الروسي على مدينة خيرسون والمناطق المجاورة لها مستهدفًا البنية التحتية للمدن الأوكرانية، الأمر الذي قد يطرح تساؤلًا: هل تلجأ روسيا لسلاح البرد لكسب معركتها أمام تقدم القوات الأوكرانية؟
أزمة مستمرة
أعلنت شركة "أوكرنرجو" الأوكرانية لتشغيل الطاقة الكهربائية، أنه تم تغطية ثلاثة أرباع احتياجات الاستهلاك فحسب داخل المدن الأوكرانية مع استمرار استهداف البنية التحتية من قبل القصف الروسي على المدن الأوكرانية، وأوضحت الشركة أن هذا الأمر قد يستلزم فرض قيود وانقطاع الكهرباء في جميع أنحاء البلاد، وفق ما ذكرت وكالة "رويترز".
وأوضح سيرجي كوفالينكو، كبير مسؤولي العمليات في شركة ياسنو، التي تزوّد كييف بالطاقة، إن الوضع في العاصمة قد تحسن لكنه لا يزال "صعبًا للغاية".
وعلّق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن 6 ملايين شخص انقطعت عنهم الكهرباء، يوم الجمعة الماضي، بعد أحدث عمليات القصف الروسية التي ألحقت أسوأ الأضرار حتى الآن بأوكرانيا، وأدت لترك الملايين بلا كهرباء أو ماء أو تدفئة.
من جانبها، أوضحت روسيا أنها لا تستهدف السكان المدنيين، بينما أكد الكرملين أن هجمات موسكو على البنية التحتية للطاقة نتيجة لعدم استعداد كييف للتفاوض.
ومن المتوقع استمرار تساقط الثلوج في كييف، التي كان عدد سكانها 2.8 مليون نسمة قبل الحرب، حتى منتصف الأسبوع، بينما من المتوقع أن تظل درجات الحرارة تحت الصفر.
فرار الثلج
فرَّ مئات المدنيين، أمس السبت، خارج مدينة خيرسون التي استعادها الجانب الأوكراني قبل أسابيع، الا أنه بعد تدمير شبه كامل في البنية التحتية للمدينة، كذلك مع استمرار الضربات على مدينة خيرسون الاستراتيجية تحديدًا، اتجه المئات من سكان خيرسون والمناطق المجاورة إلى الفرار قبل بلوغ فصل الشتاء ذروته.
ووفق وكالة " أسوشيتد برس" الإخبارية، فقد امتد صف من الشاحنات الكبيرة والصغيرة والسيارات، وبعض المقطورات على مسافة كيلومتر أو أكثر على أطراف خيرسون، التي تعد واحدة من المدن التي واجهت في الأيام الأخيرة هجومًا عنيفًا من نيران المدفعية الروسية وطائرات من دون طيار، حيث تركز القصف بشكل خاص هناك.
واستهدف القصف الروسي البنية التحتية، في مناطق أخرى، الا أن الجانب الأوكراني حاول إصلاح بعض أعطال محطات الطاقة لاستعادة خدمات التدفئة والكهرباء والمياه التي تعرضت للقصف، لعلها تساعد المدنيين في المنطقة لمواجهة هذه الظروف المعيشية الصعبة.
البرد.. سلاح دمار شامل
وعلى مدار الأسابيع الماضية تعيش العديد من المدن الأوكرانية تحت الظلام والبرد القارس، حيث صرحت حكومة كييف بأن نحو 40% من محطات الطاقة تم تعطيلها بسبب القصف الروسي.
والأسبوع الماضي انطلقت صفارات الإنذار في سماء العاصمة كييف، ليعقبها دوي انفجارات في مواقع مختلفة. وقالت السلطات الأوكرانية إن الأمر يتعلق بقصف صاروخي روسي للعاصمة، استخدم فيه أكثر من 70 صاروخ كروز نجحت دفاعات أوكرانيا في اعتراض 51 منها، فيما أصاب الباقي أهدافًا حيوية بالمدينة منها محطة الطاقة.
وقد وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الإصرار الروسي على قصف منشآت الطاقة الأوكرانية، بأن موسكو "تستخدم البرد سلاح دمار شامل"، متهمًا جارته الشمالية بالسعي للتسبب في كارثة إنسانية.
وقد حذّرت شركة إدارة شبكة الكهرباء الوطنية في أوكرانيا، من أن البلاد قد تواجه انقطاعات طويلة في الكهرباء على مدى شهور الشتاء، كون الأضرار التي تكبدتها منشآت توليد الكهرباء في الأسابيع الأخيرة "هائلة".
من جانبها حذّرت منظمة الصحة العالمية، من أن حياة ملايين من الأوكرانيين معرضة للخطر بسبب انقطاع الكهرباء والتدفئة جراء الهجمات الروسية. وقال هانز كلوج، المدير الإقليمي لأوروبا في منظمة الصحة العالمية: "هذا الشتاء سيعرّض حياة الملايين من الأوكرانيين للخطر، ولا يمكن أن تكون صحة السكان رهينة للحرب".
وأضاف "كلوج"، أن الضربات الروسية الأخيرة "لها بالفعل آثار مدمرة على النظام الصحي وعلى صحة السكان، وسيضطر 3 ملايين مواطن على الأقل للرحيل عن ملاجئهم بحثًا عن الدفء والطاقة"، فيما تضررت أو دُمرت نصف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، وبالتالي فإن "هذا الشتاء في أوكرانيا سيكون متعلقًا بدرجة أولى بالبقاء على قيد الحياة".
استراتيجية "الجليد"
تتزامن قوة الضربات الروسية المكثفة للبنية التحتية مع دخول فصل الشتاء في أوروبا، ووفق تنبؤات الأرصاد الجوية، ستشهد أوروبا موجه شديدة البرودة هذا العام بفعل التغيرات المناخية، فيما تسير درجات الحرارة في أوكرانيا والمناطق المجاورة لها نحو الانخفاض تحت الصفر ويصبح النهار أقصر، ما يزيد انعكاسات تلك الضربات على الشعب الأوكراني.
وليست درجات الحرارة المتدنية تحت الصفر بالأمر الغريب على الشتاء الأوكراني، بل يمكنها أن تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر، خصوصًا في مناطق كسومي وخاركيف في أقصى الشمال، بحلول شهري يناير وفبراير.
ووفق التحركات الاستراتيجية الروسية، فإنه من المتوافق أن تكون موسكو قد عملت على تبني هذا المخطط باستخدام الشتاء كـ"سلاح حرب" في معركتها مع أوكرانيا، حيث تأمل أن يقوم البرد بمهمة إضعاف المقاومة الأوكرانية. وهو ما أكده النائب المقرب من الكرملين أندريه جوروليف، في حديث سابق: "من المستحيل البقاء على قيد الحياة في ظل عدم وجود تدفئة ولا ماء ولا ضوء".
وتاريخيًا، فإنها ليست المرة الأولى التى تستخدم فيها روسيا الشتاء لصالحها في الحروب، بل لعب هذا الطقس دورًا مفصليًا في صدها حملة نابوليون بونابرت على موسكو خلال القرن 19، كذلك إفشال الهجوم النازي عليها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أطلق الضباط النازيون على تسمية الشتاء الروسي بـ"الجنرال جليد"، في إشارة إلى وقوف الطقس المتجمد لصالح أعدائهم في الحرب.