تتواصل الأزمات على الكوكب الأزرق منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير الماضي، من مشكلات اقتصاد عالمية، وأزمات طاقة، ولم ينفك العالم يتنفس الصعداء، إلا واشتعلت أزمة الغذاء من جديد، والتي ضربت شعوبًا وبلدانًا تعتمد بشكل أساسي على صادرات الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
تعليق صادرات الحبوب
وبعد ساعات من إعلان روسيا تعليق مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، متعللة باستهداف أسطولها في القرم بطائرات مُسيرة، ارتفعت حدة التوترات والمخاوف من موجه غلاء في أسعار الحبوب عالميًا، ما يهدد الدول الأكثر فقرًا، التي تعتمد على صادرات البلدين المتحاربين من المحاصيل والأسمدة، وبالأخص في القارة السمراء، فقد كان الاتفاق الذي جرى إبرامه في يوليو الماضي برعاية الأمم المتحدة بين روسيا وأوكرانيا، يسمح بالإفراج عن ملايين الأطنان من الحبوب والمحاصيل، ليقلل من حدة المخاوف من شبح المجاعة العالمية وشُح الغذاء .
وتعللت روسيا باتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق، بهجوم مكثف بالمسيرات على سفنها في القرم صباح السبت الماضي، بينما دعت الأمم المتحدة إلى الحفاظ على اتفاق تصدير الحبوب، وقال المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك "من المهم أن تمتنع كل الأطراف عن أي عمل من شأنه أن يعرض اتفاق الحبوب في البحر الأسود للخطر"، مؤكدا أن لهذا الاتفاق "أثر إيجابي" لتأمين الغذاء للملايين في مختلف أنحاء العالم.
انفراجة عقب الاتفاق
وغادرت الشحنة الأولى من الحبوب، في أول أغسطس الماضي، بعد أن رفعت روسيا حصارها البحري عن موانئ أوكرانيا، ما سمح للسفن باستخدام ممر آمن عبر البحر الأسود، وكانت ملايين الأطنان من الحبوب والمواد الغذائية مثل الذرة وزيت عباد الشمس عالقة في أوكرانيا بعد الغزو الروسي، وبحسب ما أشارت تقارير عن الأمم المتحدة، اعتبارًا من 28 أكتوبر الماضي، جرى شحن أكثر من 9.3 مليون طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى من الموانئ الأوكرانية، ويشمل ذلك الذرة والقمح وزيت عباد الشمس.
وقالت الحكومة الأوكرانية في أغسطس الماضي، إنها ستتمكن من تصدير ثلاثة ملايين طن من الحبوب في سبتمبر ، وأربعة ملايين طن في أكتوبر، وكانت صادرات الحبوب لشهر سبتمبر ، ارتفعت إلى أكثر من أربعة ملايين طن، حيث تزايدت وتيرة الشحنات بموجب صفقة الحبوب، لكنها لا تزال أقل من مستويات ما قبل الحرب.
وأدي إبرام اتفاقية الحبوب في يوليو الماضي، إلى استقرار أسعار الغذاء العالمية، ما انعكس على انخفاض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة "الفاو" لأسعار الغذاء بنحو 9 في المئة في ذلك الشهر، واستمرت الأسعار في الانخفاض في أغسطس وسبتمبر، وذلمك بسبب انخفاض الأسعار العالمية لأنواع أخرى من المواد الغذائية، مثل السكر واللحوم ومنتجات الألبان.
إفريقيا وآسيا أكبر المتضررين
وتعد قارتا إفريقيا وآسيا، المتلقين الرئيسيين للإنتاج الزراعي في أوكرانيا، بين عامي 2016 و2021، حيث جرى تصدير أكثر من نصف صادرات القمح إلى آسيا (حوالي 58 في المئة)، و 34 في المئة إلى إفريقيا، ما يشير إلى أن أوكرانيا تعد لاعبًا محوريًا في ضمان الأمن الغذائي في بعض أفقر البلدان حول العالم، وعلى الرغم من أن بعض المواد الغذائية صدرتها كييف مباشرة إلى أفقر البلدان في العالم، إلا أن أرقام الأمم المتحدة تظهر أن أكبر الكميات قد شُحنت على الأقل في البداية إلى إسبانيا وتركيا وإيطاليا والصين وهولندا.
مخاوف بشأن سلامة السفن
وقالت الأمم المتحدة في سبتمبر، إن ما يقل عن 30 في المئة من صادرات الحبوب كانت من نصيب البلدان ذات الدخل المنخفض، بينما جرى شحن 44 في المئة إلى البلدان ذات الدخل المرتفع، لكن الأمم المتحدة تشير إلى أن الحبوب التي تصل إلى وجهة قد يجرى معالجتها ثم شحنها في مكان آخر.
وأشارت تقارير إلى أنه لتحقيق هدف تصدير ثلاثة ملايين طن من الطعام شهريًا من أوكرانيا، يجب تحميل 15 سفينة في موانئها يوميًا، وهو الشيء الذي الذي يصعب تنفيذه، بسبب مخاوف شركات الشحن من إرسال سفنها إلى منطقة النزاع خشية اصطدامها بألغام بحرية أو التعرض لهجوم من قبل القوات المتصارعة، علاوة على وجود مشكلات لوجستية تواجه صفقات الحبوب.
أزمة لوجستية
وأشارت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، إلى وجود أزمة لوجستية بسب تراكم السفن في انتظار التفتيش بموجب شروط الاتفاق، وأنها تبحث في طرق لزيادة عدد ومعدل عمليات التفتيش، وبحسب تقارير أممية، يتبقى نحو 20 مليون طن من الحبوب المعدة للتصدير في موانئ أوكرانيا، منذ فبراير إلى جانب مواد غذائية أخرى مثل الذرة وزيت عباد الشمس، ما تسبب في نقص المعروض منها، وارتفاع الأسعار في العديد من البلدان، حيث تعد أوكرانيا مصدرًا رئيسيًا لوارداتها الغذائية.
وشهد اليمن، الذي يستورد عادة أكثر من مليون طن من القمح سنويًا من أوكرانيا، ارتفاع أسعار الدقيق بنسبة 42 في المئة، والخبز 25 في المئة، وفي سوريا، وهي مستورد كبير آخر للقمح الأوكراني، تضاعف سعر الخبز.
وقال بنك التنمية الإفريقي إن الأزمة ساهمت في نقص 30 مليون طن من الغذاء في أنحاء القارة، وزيادة بنسبة 40 في المئة في أسعار المواد الغذائية، وعلى سبيل المثال، في نيجيريا ساهمت الأزمة بزيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز بنسبة تصل 50 في المئة.
ممر آمن للسفن
ونصت الاتفاقية بين الجانبين الروسي والأوكراني على إنشاء ممر من ميناء أوديسا وميناءين متجاورين إلى مضيق إسطنبول، من أجل عبور الحبوب والأسمدة للعالم، ويبلغ طول الممر الأمن حوالي 310 أميال بحرية وعرض ثلاثة أميال، حيث توجه السفن الأوكرانية، سفن الحبوب داخل الميناء وخارجه، على أن يجري تفتيشها، في نظير السماح لروسيا بتصدير الحبوب والأسمدة عبر البحر الأسود.
واستطاعت أوكرانيا التحايل على الاتفاقية عند إغلاق موانئها، حيث حاولت تصدير قدر ما تستطيع عن طريق البر عوضًا عن البحر، باستخدام الشاحنات والقطارات، بعد أن أقام الاتحاد الأوروبي ما أسماه "ممرات التضامن"، بحيث يتيح لكييف شحن حبوبها من موانئ بحر البلطيق، وكذلك من ميناء كونستانتا الروماني، ومع ذلك فإن الافتقار إلى سعة الطرق والسكك الحديدية يعني أن أوكرانيا يمكنها تصدير 10 في المئة فقط من حبوبها عن طريق البر.