بعد التحول السريع وغير المتوقع في 19 سبتمبر، شنت أذربيجان هجومًا على إقليم ناجورنو كاراباخ، وهو جيب عرقي أرمني كان مصدرًا للخلاف لأكثر من 30 عامًا، وعلى الرغم من قصر مدة الصراع، إلا أنه كان بمثابة نهاية لمواجهة طويلة الأمد، ما أدى إلى نزوح جماعي لعشرات الآلاف من السكان، حيث أضعف هذا العمل نفوذ روسيا في منطقة القوقاز، بحسب وصف مجلة "إيكونومست" البريطانية.
حصار 9 أشهر
عانت منطقة ناجورنو كاراباخ، من حصار دام تسعة أشهر، الأمر الذي أدى إلى الإرهاق بين سكانها، وبسبب عزلتها عن جذورها الأرمنية وشعورها بالتخلي عنها من جانب روسيا، التي تعهدت بتوفير الأمن في المنطقة، لم يكن أمام الجيب خيار سوى الاستسلام، حيث فر ما يقرب من 65 ألف من الأرمن من أصل عدد السكان قبل الحرب البالغ حوالي 20 ألف نسمة، مع انتقادات لقرار أذربيجان باللجوء إلى العمل العسكري بدلاً من السعي إلى التوصل إلى اتفاق مدعوم من الغرب.
عواقب بعيدة المدى
وقالت المجلة البريطانية إن هذه الحرب القصيرة تخلف عواقب بعيدة المدى، حيث تعمل على إعادة تشكيل ديناميكيات السلطة في القوقاز، وتبدو سيادة أرمينيا هشة على نحو متزايد، وهو ما يذكرنا بالفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة في عام 1991، كما تراجعت روسيا، القوة الإقليمية المهيمنة تاريخيًا، الأمر الذي أدى إلى توتر تحالفها العسكري الطويل الأمد مع أرمينيا، كما أثبتت الجهود التي بذلها الغرب للتعاون مع أذربيجان لمنع اندلاع الصراع عدم فعاليتها، مما ترك أرمينيا عرضة للخطر، وفي المقابل، فإن دولًا أخرى، دعمت أذربيجان في هذا الهجوم العسكري، برزت كلاعب مهيمن في المنطقة.
تغيرات داخل أرمينيا
تكمن جذور هذا الاضطراب في التغيرات الداخلية داخل أرمينيا، حيث شهدت أرمينيا، التي كانت متحالفة سابقًا مع الكرملين، تحولات كبيرة في عام 2018، فقد أطاحت الاحتجاجات التي قادها الشباب في يريفان بنظام مدعوم من روسيا يتألف من أمراء الحرب السابقين من كاراباخ، وتعهد نيكول باشينيان، زعيم هذه الثورة السلمية ورئيس الوزراء الحالي، بالحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا.
ومع ذلك، فإن استياء الكرملين منه بسبب وصوله إلى السلطة من خلال الانتفاضات الشعبية في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي أدى إلى توتر العلاقة بينهم، وفي عام 2020، مكنت موافقة الكرملين الضمنية ودعم أنقره الزعيم الأذري إلهام علييف، من شن هجوم عسكري على ناجورنو كاراباخ.
وبينمتا كانت روسيا تركز على أزمتها أوكرانيا، اغتنمت أذربيجان الفرصة، وقامت أذربيجان بتوغل عسكري في الأراضي ذات السيادة الأرمينية، وظلت روسيا سلبية، مما جعل أرمينيا تشعر التخلي عنها، ورداً على ذلك، بدأت أرمينيا في التحول نحو الغرب، حيث استجابت لمعظم مطالب أذربيجان واعترفت بالسيادة الأذربيجانية على ناجورنو كاراباخ.
توتر العلاقات
توترت العلاقات بين موسكو ويريفيان، مع ميل البلاد نحو الغرب، وبلغ التوتر ذروته عندما أعربت أرمينيا عن نيتها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي وجهت الاتهام إلى روسيا بسبب أوكرانيا، وهناك دلائل تشير إلى أن الاضطرابات قد تكون تختمر بالفعل في يريفان، وذلك بحسب وصف إيكونومست، والأمر الأكثر خطورة هو احتمال تقدم أذربيجان أكثر داخل أرمينيا، لإنشاء ممر في الجزء الجنوبي من البلاد.
أنهت إيكونومست تحليلها بأنه يتعين على الحكومات الغربية في المستقبل القريب أن تساعد أرمينيا في إدارة تدفق اللاجئين من ناجورنو كاراباخ وتسهيل مفاوضات السلام العادلة والدائمة بين أرمينيا وأذربيجان، وعلى المدى الطويل، فإن دعم جهود أرمينيا لتقليل اعتمادها على روسيا وتشجيع تركيا على تطبيع العلاقات مع أرمينيا، بما في ذلك إعادة فتح الحدود المغلقة منذ فترة طويلة، يمكن أن يخفف من عزلة أرمينيا ويحفز التجارة. وبالاستعانة بالدبلوماسية الماهرة وبعض الحظ، قد يكون من الممكن احتواء الفوضى في القوقاز.