هجمة خاطفة، على إقليم ناجورنو كاراباخ، غيرت الأمور بالنسبة لسكانه، للأبد على ما يبدو، إذ فر قرابة 90% من سكان الإقليم الأرمن خوفًا على حياتهم، فبحسب تعداد السُلطات الأرمينية دخل 100,417 شخصًا إلى أرمينيا منذ 24 سبتمبر الماضي، لتصبح المدينة شبه خالية من سكانها.
الأرقام الرسمية، تُشير إلى أن 120 ألف أرميني كانوا يسكنون كاراباخ، قبل سيطرة الجيش الأذربيجاني على الإقليم الذي تبلغ مساحته أقل من 3200 كيلومتر مربع، والذي شهد 4 صراعات في التاريخ الحديث.
بعد سيطرة أذربيجان على الإقليم، حمل الأرمن كل ما استطاعوا وفروا نحو أرمينيا التي فتحت حدودها، فتقول، أوفيليا هايرابتيان، إنها لم تتردد للحظة عندما تمكن ابنها من الوصول إلى قرية خاشماش، مُضيفة: "حملت مجوهراتي فقط، نساء وأطفال وكبار في السن، الجميع غادروا في أول مركبة وجدوها"، بحسب وكالة "فرانس برس".
انتشار الشائعات
سيطر الخوف على أرمن كاراباخ بعد سيطرة قوات أذربيجان على الإقليم، ففر الكثيرون منهم حتى دون أن يحزموا أمتعتهم، فتقول "هايرابتيان" إن "امرأة من القرية لم تغادر فنحروا عنقها"، مرددة رواية جنديين انفصاليين، أما ألينا ألافيرديان (69 عامًا) فتروي متأثرة عن اغتصاب إحدى السيدات.
كل عائلات الأرمن سمعوا الشائعات تقريبًا، أطفال قطعت رؤوسهم أو شابات تعرضن للاغتصاب، رغم أن العائلات وغالبية اللاجئين قالوا إنهم لما يصادفوا أي جندي أذربيجاني قبل الفرار، وبحسب "فرانس برس"، لم يدخل جيش باكو إلى القرى والبلدات إنما بقي في مرتفعات وطرق استراتيجية.
وتسببت تلك الشائعات في نزوح جماعي للسكان، الذي كان اختياريًا للبعض، وبتحريض من السُلطات المحلية من جهة أخرى، فتقول مارين بوجوسيان (58 عامًا) "قيل لنا أن نغادر وفي غضون 15 دقيقة تم الأمر"، مُشددة على أنهم لن يعودوا إلى كاراباخ في أي ظرف، مُشيرة إلى أنها تفضل العيش في خيمة بأرمينيا ولا تعيش في كاراباخ مجددًا.
أذربيجان تدعو الأرمن للبقاء
من جانبها، دعت أذربيجان، أرمن ناجورنو كاراباخ، إلى البقاء في الإقليم، معلنة استعدادها لتنظيم زيارة من الأمم المتحدة للمنطقة، ودعت وزارة الخارجية الأذربيجانية سكان الأرمن للبقاء في منازلهم، وأن يصبحوا جزءًا من مجتمع أذربيجان متعدد الإثنيات.
وتعهد الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، بالحفاظ على حقوق الأرمن، وقالت الوزارة إن الأرمن يغادرون بمحض إرادتهم، وأن الأمر لا علاقة له بالهجرة القسرية، مضيفة: "إذا كان بعض السكان الأرمن لا يريدون العيش في ظل القوانين الأذربيجانية، فلا يمكننا إجبارهم على ذلك".
تاريخ الصراعات على إقليم كاراباخ
في الفترة من 1988 وحتى 1994 كان الصراع الأول بين أرمينيا وأذربيجان على الإقليم، وأسفر عن مقتل 30 ألف شخص، ونزوح الآلاف من السكان من الجانبين.
وفي 2016 اندلعت أعمال عنف وحروب بين الأرمن وأذربيجان، ثم بعد ذلك في 2020 وأسفرت الحرب وقتها عن مقتل 6500 شخص خلال 6 أسابيع وهزيمة أرمينية ساحقة.
وفي 24 سبتمبر الماضي، كانت الحرب الحاسمة بشكلٍ خاطفٍ، في الإقليم الذي يحظى باعتراف دولي باعتباره جزءًا من أذربيجان، لكن مناطق واسعةً منه كانت تخضع لسيطرة السكان من العرقية الأرمنية طوال ثلاثة عقود.
أين يقع إقليم ناجورنو كاراباخ؟
يقع الإقليم في منطقة جنوب القوقاز الجبلية بين البحرين الأسود وقزوين.
أصل الصراع
أرمينيا وأذربيجان كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي في عشرينيات القرن الماضي، وكان الإقليم يضم أغلبية سكانية أرمينية، لكنه كان تحت سيطرة أذربيجان.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينيات، صوت برلمان إقليم كاراباخ لصالح أن يصبح عضوًا من أرمينيا.
وشهد الإقليم صدامات عرقية، تحولت إلى حرب شمالية بعد استقلال الدولتين عن روسيا.
وعلى مر السنين، قتل عشرات الآلاف من الأشخاص وشُرد أكثر من مليون شخص، وسط تقارير تحدثت عن وقوع تطهير عرقي ومجازر ارتكبت من كلا الطرفين، فمثلًا قتل سكان البلدة الأذربيجانية "خوجالي"، 600 شخص، على يد القوات الأرمينية، بحسب "بي بي سي".