في الأيام الأخيرة، لم تعد منطقة ناجورنو كاراباخ، وهي المنطقة المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا، والغارقة في صراع منذ ثلاثة عقود، موجودة فعليًا ككيان منفصل، حيث وقعت حكومة "جمهورية آرتساخ"، التي أعلنت عن استقلالها بشكل منفرد، خلال صراع ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، من أجل السيطرة على المنطقة، مرسومًا يحل حكومتها بحلول الأول من يناير المقبل.
ويمثل هذا التطور انتصارًا كبيرًا لأذربيجان، كما أدى إلى نزوح جماعي للأرمن من المنطقة، إذ فرّ نحو 100 ألف منهم من ناجورنو كاراباخ، بحسب آخر الإحصائيات، بحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية
شنت أذربيجان ما وصفته بهجوم "ضد الإرهاب" في 19 سبتمبر الجاري، مستهدفة ما أطلق عليه "الجيب الأرمني" وفي غضون 24 ساعة، استسلم زعماء المنطقة لقوات باكو، وصرحت أذربيجان بأن الأرمن غير مجبرين على مغادرة الإقليم، لكن ذلك لم يمنع فرار عشرات الآلاف من السيطرة الأذربيجانية.
بداية الصراع
بدأ القتال حول ناجورنو كاراباخ في عام 1988، ما أدى إلى حربين في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وتم طرد بعض الأرمن في أذربيجان وبعض الأذريين في أرمينيا خلال هذه الفترة، وفي عام 2020، اندلعت حرب ثانية، ما دفع روسيا إلى التوسط في وقف هشٍ لإطلاق النار، وبموجب الاتفاق سيطرت أرمينيا على أكبر مدينة في ناجورنو كاراباخ والمنطقة المحيطة بها، بينما أشرفت أذربيجان على بقية المنطقة.
تفكك ناجورنو كاراباخ
أثار تفكك ناجورنو كاراباخ مؤخرًا مخاوف دولية، فيما أعلنت قوات حفظ السلام الروسية أنها ستراقب الوضع، ومع ذلك، فإن العديد من الأرمن لديهم بعض الشكوك، حيث كانت أرمينيا حذرت من هجوم أذربيجاني محتمل في أعقاب تركيز روسيا على أزمتها بأوكرانيا، ما يشير إلى تحول الاهتمام عن المنطقة.
تاريخ إقليم كاراباخ
يمتد تاريخ الإقليم إلى القرون الوسطى حيث كان جزءًا من المملكة الأرمنية، وفي القرن الثامن عشر، استعمر الأذربيجانيون بعض المناطق في ناجورنو كاراباخ، وهو ما أدى إلى صراعات طويلة بين السكان المحليين الأرمن والمستوطنين الأذربيجانيين، وبعد انهيار الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية في أوائل القرن العشرين، أعلنت أرمينيا وأذربيجان استقلالهما، وخلال فترة الاتحاد السوفييتي السابق، أعاد القادة السوفييت ترسيم الحدود في المنطقة، وجعلوا ناجورنو كاراباخ جزءًا من أذربيجان السوفييتية على الرغم من أن الأغلبية السكانية فيها كانت أرمنية، وفي أواخر الثمانينيات، اندلعت نزاعات بين الأرمن والأذربيجانيين بشأن الاستقلال، واندلعت حرب في عام 1988 استمرت حتى عام 1994، وأدت إلى وفاة الآلاف وتشريد العديد من السكان.
وبموجب وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في عام 1994، أصبحت ناجورنو كاراباخ منطقة مستقلة تمامًا، لكنها لم تحظَ بالاعتراف الدولي، وخلال العقدين الماضيين، استمرت التوترات بين الأرمن والأذربيجانيين حول المنطقة، واندلعت اشتباكات عسكرية بينهما في سنة 2016 ومرة أخرى في سبتمبر 2020، وزادت هذه الأحداث من التوترات ومن حدة الصراع في المنطقة.
وبمرور الوقت، تدهورت العلاقات بين الأرمن والأذربيجانيين، وأدت المواجهات الحالية إلى فقدان ناجورنو كاراباخ لكيانها المستقل، ومثلت الهجمات الأخيرة والنزوح الجماعي للأرمن من المنطقة نقطة فارقة في تاريخها المضطرب والتي شهدت صراعًا داميًا استمر لعقود.