بعد إعلان المحكمة العليا في بريطانيا، أمس الأربعاء، رفض طلب حكومة اسكتلندا باجراء استفتاء جديد للإنفصال عن المملكة المتحدة، تعهدت رئيسة وزراء أدنبرة، اسكتلندا نيكولا ستيرجون، بتحويل الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة إلى تصويت بحكم الواقع على الاستقلال، الأمر الذي قد يلوح بدخول البلاد في أزمة سياسية، خاصة بعد تصريح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأهمية احترام قرار المحكمة وأن "الشعب الاسكتلندي يريد من الحكومة التركيز على التحديات الرئيسية المقبلة" في إشارة لرفضه تصريحات رئيسة حكومة أدنبرة.
القرار الصعب
قرار المحكمة العليا وتمسك حكومة اسكتنلندا بأحقيتها في الانفصال عن التاج البريطاني، قد يجعل البلاد على أعتاب أزمة هوية وانفصال جديدة، تضع الجميع في خطر حول احتمالية نشوب توتر جديد في المنطقة، وقد شبه بعض الخبراء هذه الأزمة بالقضية التي تعيشها تايوان مع الصين.
وحكم المحكمة العليا جاء موضحًا بأن البرلمان الاسكتلندى لا يستطيع التشريع بإجراء استفتاء استقلال جديد دون موافقة الحكومة فى وستمنستر( الحكومة فى بريطانيا) واتفقوا على أن المسائل الدستورية محفوظة للبرلمان فى لندن، كما أوضح قرار المحكمة أن قانون اسكتلندا لعام 1998 يمنح البرلمان الأسكتلندى سلطات محدودة، ليس من بينها سلطة التشريع لإجراء استفتاء.
ويذكر أن آخر استفتاء لهذه القضية كان في 2014، حيث وافقت عليه الحكومة البريطانية، الا أن النتيجة جاءت برفض الاسكتلنديون الاستقلال عن بريطانيا بنسبة 55% إلى 45%.
التعهد بالاستمرار
من جانبها، تعهدت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجون تحويل الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة إلى تصويت بحكم الواقع على الاستقلال،
وقالت ستيرجون التي تقود الحزب القومي الاسكتلندي إنها تحترم قرار القضاء، لكنها اتهمت وستمنستر بإبداء "ازدراء" لإرادة اسكتلندا الديموقراطية.
وأشارت في مؤتمر صحافي، أمس الأربعاء، إلى أن الحكومة ستبحث الآن في استخدام انتخابات المملكة المتحدة المقرر إجراؤها بحلول أوائل العام 2025 بمثابة "استفتاء بحكم الأمر الواقع" على الانفصال بعد أكثر من 300 عام.
وأضافت "سنجد وسيلة ديموقراطية وقانونية ودستورية أخرى يستطيع الشعب الأسكتلندي من خلالها التعبير عن إرادته. في رأيي، قد تكون (تلك الوسيلة) انتخابات".
وأوضحت ستيرجون وأعضاء حزبها إن لديهم الآن "تفويضا لا جدال فيه" لاستفتاء آخر على الاستقلال، لا سيما في ضوء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، حيث عارض معظم الأسكتلنديين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت حكومة أدنبرة تسعى إلى إنشاء إطار قانوني خاص بها لإجراء استفتاء آخر مجادلة بأن "الحق في تقرير المصير هو حق أساسي وثابت".
من جهته اعتبر رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك في مجلس العموم القرار أنه "واضح وحاسم" مضيفا "حان الوقت للسياسيين للعمل معا وهذا ما ستقوم به هذه الحكومة".
لكن قادة الحزب القومي الاسكتلندي قالوا ساخرين إن سوناك يفتقر إلى التفويض الديموقراطي لنفسه بعدما أصبح رئيسا للوزراء فقط من خلال أصوات نواب حزب المحافظين، وفق ما نقلته وكالة "فرانس برس".
وقال رئيس المحكمة العليا الاسكتلندي روبرت ريد إن صلاحية الدعوة إلى استفتاء "حكر على" برلمان المملكة المتحدة بموجب تسوية نقل سلطات معينة في اسكتلندا.
وأضاف "وبالتالي، لا يملك البرلمان الاسكتلندي سلطة تشريع إجراء استفتاء على الاستقلال الاسكتلندي".
أسباب الانفصال
زادت الدعوات السياسية من أجل إجراء استفتاء جديد على الاستقلال مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان الإسكتلنديون صوتوا بأغلبية كاسحة في استفتاء "بريكست" العام 2016 لصالح البقاء في أوروبا، لكن نتيجة الاستفتاء على مستوى بريطانيا جاءت لصالح الخروج.
ويشعر الاسكتلنديون أنهم الخاسرون الأكبر من "بريكست" خاصة مع مشاكل في قطاع الصيد، وهو يمثل أهمية كبيرة للإسكتلنديين، حيث وفق اتفاقية "بريكست" شهدت البلاد مشاكل قيود التصدير لأوروبا، ليست من أسماك الصيد فقط، ولكن في المنتجات الغذائية والزراعية ايضًا.
ورغم أن اسكتلندا "المستقلة" قد تحتاج إلى سنوات للانضمام مجدداً للاتحاد الأوروبي، وستكون هناك صعوبات وتعقيدات تتعلق بتداخلها مع بريطانيا في أمور كثيرة حتى بعد الانفصال، ثم إن اسكتلندا تعتمد على كونها بريطانية في حماية أمنها، بالإضافة الى أن اسكتلندا تعتمد في دخل الإقليم على دعم من الحكومة المركزية في لندن يتجاوز 9 % من ميزانية الإقليم، وسيكون من الصعب على حكومة مستقلة تعويض هذا الدخل من أي نشاط اقتصادي إضافي، الا أن تيار القوميين في أدنبرة يؤكد دائمًا أن الانفصال عن بريطانيا هو الحل لأزماتهم الاقتصادية.
خطورة الإنفصال
تأتي فكرة انفصال اسكتنلندا عن الحكومة المركزية في لندن بصورة مقلقة لكل من يتولى صناعة القرار في إنجلترا، وفي عهد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون قدم مقترح من خبراء أكدوا على أهمية دراسة منح الأقاليم البريطانية (اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية) تفويضاً بسلطات أكثر للحفاظ على اتحاد المملكة المتحدة.
ولا تقتصر مخاطر انفصال اسكتلندا على المملكة المتحدة فحسب، بل تهدد مصالح الحليفة الأبدية واشنطن، وايضًا التحالف الغربي كله.
ووفق صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية، أوضحت ان انفصال اسكتلندا سيضعف بريطانيا كأهم حليف للولايات المتحدة، ويهز من مكانة بريطانيا الدولية، بل إنه يطرح إمكانية أن تسعى بعض القوى الصاعدة في العالم، كروسيا والهند، إلى التشكيك في عضوية بريطانيا الدائمة في مجلس الأمن الدولي في حال انفصال اسكتلندا.
وأضافت "فورين بولسي" في تقريرها المنشور، مارس الماضي، للباحث حافظ إبراهيم مدير مركز السياسات الدولية في واشنطن، أن قوميين اسكتلندا يحظون بدعم قوي من قبل روسيا، وسيعمل الكرملين على دعم وتمويل كل ما يضعف التحالف الغربي، من اسكتلندا إلى كتالونيا، بالإضافة الى أي قوة قومية أخرى في أوروبا.
تهديد واشنطن والغرب
وتعتبر علاقة روسيا مع القوميين الإسكتلنديين واضحة، وفق إبراهيم، على أقل تقدير ستكون أول حكومة في اسكتلندا المستقلة علاقات راسخة مع موسكو أكثر مما مع واشنطن، وهذا وحده كفيل بدق جرس الإنذار في البيت الأبيض، وحيثما توجد علاقات سياسية للكرملين سيأتي الصينيون بأموالهم للاستثمار في اسكتلندا، ولن يستطيع أحد على منافستهم في هذا السياق.
ووفق تقرير "فورين بولسي"، فان خطر الانفصال يضر بصورة كبيرة المصالح الأمريكية، فاذا حاولت الصين تمويل او بناء ميناء في اسكتلندا كما فعلت في سريلانكا وجيبوتي، فسيشكل ذلك خرقاً حرجاً في المظلة الدفاعية للولايات المتحدة في شمال المحيط الأطلنطي.
وكما هو الحال سيهدد المصالح البريطانية بصورة كبيرة، خاصة وأن سلاح الردع النووي للأسطول الملكي البريطاني يتركز كله في القاعدة البحرية الرئيسة في اسكتلندا التي تضم الغواصات النووية، وقد تعهدت حكومة إدنبرة بأنها ستفكك القاعدة البحرية في حال الانفصال، ولأنه يصعب إيجاد موقع مناسب آخر على شواطئ بريطانيا للغواصات النووية ، ستفقد بريطانيا حينها قدراً مهماً من قوتها العسكرية، وكذلك لن تستطيع اسكتلندا بناء قدرات عسكرية قوية أيضاً.