الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات زيارة رئيس وزراء الهند إلى مصر

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري ورئيس وزراء الهند يوقعان إعلان الشراكة الاستراتيجية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

تأتي زيارة رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، إلى مصر في 24 يونيو 2023، لتعكس عمق التعاون بين الهند ومصر، التي تُظهر تنوع دوائر حركتها الخارجية تعزيزًا لدبلوماسية التنمية في الاتجاه نحو القوى الصاعدة في آسيا، لاسيما أن العديد من التقديرات تعتقد بأن القرن الواحد والعشرين سيكون آسيويًا، لذلك تكللت زيارة "مودي" لمصر بالتوقيع على الإعلان المشترك لترفيع العلاقات المصرية الهندية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في ظل تنوع مجالات تلك الشراكات في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والثقافة والتعليم والطاقة الجديدة والمتجددة والسياحة، والصناعات الدوائية والأمصال واللقاحات، لا سيما أن الهند توصف بأنها "صيدلية العالم".

وتأكيدًا على حفاوة مصر برئيس الوزراء الهندي، وارتباطًا بالتراث الحضاري والتعاون الاستراتيجي المشترك والممتد قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بتقليده بقلادة النيل التي تعد أرفع الأوسمة المصرية.

شراكة استراتيجية واعدة

تأتى زيارة رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، إلى مصر، والتي تُعد الأولى له منذ توليه منصبه في 2014 في هذا التوقيت لتكتسب أهميتها من عدة أوجه:

(*) أولها: أنها تأتي عقب زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استقبل فيها بحفاوة بالغة من قبل الإدارة الأمريكية، باعتبار الهند حليفًا استراتيجيًا يمكنه مواجهة الصعود الصيني وحفظ الاستقرار في منطقة الإندوباسيفيك، وهي الزيارة التي اعتبرها مودي فصلًا جديدًا للشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وقد تجسد ذلك الاحتفاء في إلقاء مودي خطابًا في الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس الأمريكي، كما التقى مع ممثلين في العديد من المجالات منها الصناعات العسكرية والتكنولوجية، ومراكز علوم الفضاء والبنوك والمصالح الاستثمارية، وكذلك مع ممثلي بعض جمعيات المواطنين الأمريكيين من ذوي الأصول الهندية.

(*) ثانيها: أن الزيارة تأتي بعد ما يقرب من خمسة أشهر على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السيسي إلى الهند في يناير 2023، ودعوته للمشاركة كضيف شرف خلال احتفالات الهند بعيد الجمهورية، والتي تزامنت أيضًا مع احتفال البلدين بمرور 75 عامًا على إرساء العلاقات الدبلوماسية بينهما. لذلك فإنها تُعد ترجمة لقرار الزعيمين السيسي ومودي خلال زيارته للهند إلى رفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، لتشمل المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والطاقة والاقتصاد، فضلًا عن الاتفاق على تكثيف تبادل الزيارات على مستوى القمة والمستوى الوزاري وإجراء مشاورات دورية لضمان تعزيز التعاون والتنسيق في جميع الأمور ذات الاهتمام المشترك.

مودي في مسجد الحاكم بأمر الله

(*) ثالثها: يُشكل تبادل الزيارات على مستوى القمة تجسيدًا للتعاون المتبادل والتقارب بين البلدين وترجمةً لمنظومة القيم المشتركة ورمزيتها على المستوى العالمي، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الهندي خلال الزيارة، بأن "مصر والهند حضارتان عظيمتان، ويجب أن يرى العالم حضارتنا وتراثنا المشترك الممتد عبر آلاف السنين". لذلك اشتملت زيارته على جولة بمنطقة الأهرامات بالجيزة، وزيارة مسجد الحاكم بأمر الله بالقاهرة التاريخية، كأحد معالم الحضارة الإسلامية.

دلالات مُتعددة

عكست زيارة رئيس وزراء الهند إلى مصر العديد من الدلالات لعل أبرزها:

(&) تعزيز التعاون الاقتصادي: يشكل التعاون الاقتصادي أحد أهم المجالات في العلاقات المصرية الهندية التي تشهد نموًا مطردًا، حيث تعد مصر من أهم الشركاء التجاريين للهند، إذ تحتل المرتبة السادسة كأكبر شريك تجاري لمصر عام 2021، كما تعد ثالث أكبر الأسواق التصديرية لمصر. ووفقًا لبيان مجلس الوزراء المصري عقب ترأس رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولي، ونظيره الهندي ناريندرا مودي لاجتماع مائدة مستديرة في 24 يونيو 2023، لمناقشة ملفات التعاون المشترك، فإن حجم التبادل بين البلدين بلغ نحو 7 مليارات دولار، إلى جانب وجود فرصة حقيقية لزيادة حجم التبادل التجاري خلال السنوات الخمس القادمة، وصولًا إلى 12 مليار دولار، كما بلغت الاستثمارات الهندية في مصر نحو 3.15 مليار دولار.

ورحب مدبولي بنتائج الاجتماع الرابع لمجلس الأعمال المشترك بين البلدين في القاهرة أغسطس 2022، والذي ناقش سبل تشجيع الاستثمارات المتبادلة ومجالات التعاون الواعدة بين البلدين، فضلًا عن استعراض فرص الاستثمار، دعمًا للتفاعل بين مجتمعي الأعمال في القاهرة ونيودلهي.

رئيس الوزراء المصري ونظيره الهندي في جولة بالأهرامات

(&) إرساء ركائز الشراكة الاستراتيجية: تعكس زيارة رئيس وزراء الهند التوجهات الخارجية المتوازنة للهند كقطب صاعد في السياسة الدولية، يسعى لتعزيز علاقاته وإرساء الشراكات الاستراتيجية مع الدول المحورية والفاعلة، وهو ما حدث مع مصر التي تمتلك مقومات تلك الشراكة القائمة على أسس تاريخية، في إطار حركة عدم الانحياز والدفاع عن مصالح دول الجنوب، واقتصادية في ظل تنامي الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاعات متعددة، وثقافية ومنها تأسيس المركز الثقافي الهندي في مصر عام 1992 الذي شكل حجر الزاوية في التبادل الثقافي بين البلدين، ونشر الثقافة الهندية مثل تعليم اليوجا وتعليم اللغة الهندية والأردية، والترويج لفنون المطبخ الهندي.

(&) الاسترشاد بالتجربة التنموية الهندية: بلغت استثمارات الشركات الهندية في مصر في آخر ستة أشهر نحو 170 مليون دولار، وفقًا لرئيس الوزراء الهندي، لذلك فإن الزيارات المتبادلة بين مصر والهند على مستوى القادة أو الوزراء وفى إطار التعاون الاقتصادي المؤسسي، سواء من خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين الجانبين أو مجلس الأعمال المشترك، فإنه يعكس الرغبة المصرية في الاسترشاد بالتجربة التنموية الهندية، التي نجحت في تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة، خاصة في قطاع التكنولوجيا والمعرفة والبرمجيات ويجسدها "وادي بنجلور" للتكنولوجيا. لذلك فإن التقديرات الاقتصادية ترشح الهند لتتجاوز اليابان عام 2023 وتصبح ثاني أكبر اقتصاد آسيوي، والثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين.

(&) فعالية مجموعة العشرين: تسلمت نيودلهي في الأول من ديسمبر 2022 رئاسة المجموعة وتستمر حتى 30 نوفمبر 2023، وتعد المجموعة منتدى دوليًا يضم 19 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وتستحوذ على 85 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و75 % من التجارة الدولية، ويقطن دولها ثلثا سكان العالم. وتمثل توجيه الدعوة من رئيس وزراء الهند مودي إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمشاركة في فعاليات أعمال القمة المقبلة لمجموعة العشرين بنيودلهي تحت الرئاسة الهندية في سبتمبر 2023 تقديرًا لمكانة مصر. وتكتسب مشاركة مصر من خارج مجموعة العشرين أهميتها باعتبارها من أبرز أطر صنع القرار الاقتصادي الدولي، في ظل تنوع قادة العالم المشاركين في فعالياتها ومحورية القضايا التي تناقشها مثل التنمية المستدامة، والتجارة والاستثمار، والزراعة والأمن الغذائي، والطاقة، والتشغيل، والبيئة وتغير المناخ، والصحة، والسياحة، والاقتصاد الرقمي، والبيئة التحتية وقضايا الصراع الدولي.

ويعكس شعار الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين خلال عام 2023: "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد"، أهمية توحيد دول العالم لمواجهة التحديات التي تواجه مستقبل البشرية. ومن ثم فإن مشاركة مصر في فعاليات القمة القادمة يتيح لها عرض تجربتها التنموية، والمشروعات التي يمكن أن تجذب الاستثمارات الأجنبية في ظل الجهود التي بذلت لتطوير البنية الأساسية، وتهيئة التشريعات والقوانين المحفزة لجذب الاستثمارات الأجنبية.

(&) تفعيل دور حركة عدم الانحياز: تمثل حركة عدم الانحياز نموذجًا للتعاون التاريخي بين مصر والهند منذ تأسيس المجموعة عام 1955، ومشاركة قادتها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ورئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو كرواد مؤسسين للحركة، والتي انتهجت العديد من المبادئ الرامية لتبني عدم الانحياز خلال فترة الثنائية القطبية لأي من المعسكرين المتنافسين، الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق.

وفى ظل التحديات التي تواجه العالم وفى مقدمته الصراع الروسي الأوكراني الذي كان له تداعيات شديدة الوطأة على أقاليم العالم كافة، ومع تعقد المشكلات الدولية مثل قضايا التغير المناخي، وتمويل التنمية ومعضلاتها، وتفجر الصراعات في العديد من المناطق، فإن الحاجة أضحت ماسة لصوت العقل حتى يتسنى الحد من تلك الصراعات وتأثيراتها المستقبلية. من هنا يمكن لحركة عدم الانحياز وفى ظل المبادئ التي تتبناها القاهرة ونيودلهي من احترام لقواعد القانون الدولي وإعلاء مبادئه، أن تشكل مجموعة اتصال تسعى لتهدئة تلك الصراعات المتفجرة، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، وطرح التصورات المحتملة لتسويتها.

مجمل القول؛ إن زيارة رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، إلى مصر، والتي صاحبها ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، يعكس فعالية التوجهات المصرية الخارجية، والتي تستند إلى دبلوماسية التنمية القائمة على تعزيز المنافع الاقتصادية مع الأقطاب الاقتصادية الصاعدة في آسيا التي أضحت قارة الفرص التنموية الواعدة، في ظل الانتقال التدريجي لمراكز الثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق.