كشفت دراسة أكاديمية حديثة، نشرت ملخصها مجلة "إيكونومست"، البريطانية، أن التغطية الإعلامية للمطالبين بالرعاية الاجتماعية في بريطانيا كانت سلبية على مستوى العالم تقريبًا منذ أواخر التسعينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك على الرغم من المزايا الضئيلة نسبيًا، بالنسبة للأفراد في سن العمل وارتفاع معدلات المشاركة في قوة العمل مقارنة بالدول الغنية الأخرى، ورغم ذلك، خلال السنوات الأخيرة، خلقت قرارات مختلفة متأثرة بالضغوط السياسية قصيرة المدى والوباء مشكلة اقتصادية.
الخمول الاقتصادي
يقصد بمصطلح الخمول الاقتصادي، الأشخاص الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل الأشخاص الذين ليس لديهم عمل والذين لم يبحثوا عن عمل خلال الأسابيع الأربعة الماضية، أو غير قادرين على بدء العمل خلال الأسبوعين المقبلين، وأصبح هذا المصطلح أكثر شيوعًا منذ بداية جائحة فيروس كورونا.
وبحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية، أظهرت البيانات الصادرة في 12 سبتمبر 2023، أن عددًا قياسيًا يبلغ 2.6 مليون شخص في المملكة المتحدة، أي ما يعادل أكثر من إجمالي عدد السكان البالغين في ويلز، "غير نشطين" اقتصاديًا بسبب المرض، وقد ارتفع هذا العدد بمقدار 476 ألفًا منذ الربع الأول من عام 2020، ومن المثير للاهتمام أن الدول الغنية الأخرى لم تشهد اتجاهًا مماثلًا؛ وانخفضت معدلات الخمول الاقتصادي في أماكن أخرى في عام 2021.
شكوك حول هيئة الخدمات الصحية
وأوضح التقرير أنه في البداية، حامت الشكوك حول هيئة الخدمات الصحية الوطنية، في بريطانيا، والتي كانت تعاني من نقص العمالة وتراكم الحالات المرتبطة بالوباء ومع ذلك، أظهر المزيد من التحليل أن تأخر الرعاية الصحية وحده لا يمكن أن يفسر ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض على المدى الطويل، كما أن أكثر من نصف الأشخاص المدرجين على قائمة الانتظار للعلاجات الاختيارية ليسوا في سن العمل، ولا ينتظر العلاج سوى حوالي ربع المرضى الذين يعانون من أمراض طويلة الأمد.
الرعاية الاجتماعية
تحول التركيز حول المشكلة في بريطانيا إلى نظام الرعاية الاجتماعية، وخاصة "إعانات العجز" لأولئك الذين يعتبرون غير مؤهلين للعمل، ثم بدأ استيعاب هذه المزايا في الزيادة في أوائل التسعينيات، ولكن أعقبتها تغييرات في السياسات في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لجعل الوصول إليها أكثر صعوبة، مدفوعًا بالرغبة في خفض فواتير الرعاية الاجتماعية، وفي وقت لاحق، قالت الجمعيات الخيرية والناشطون والأطباء، إن هذه التغييرات كانت قاسية للغاية، خاصة بعد الحالات البارزة لأفراد اعتبروا مؤهلين للعمل ولكنهم توفوا لاحقًا بسبب ظروفهم الأساسية، وضربت المجلة البريطانية مثلًا بانتحار فيليبا داي، وهي أم عزباء تبلغ من العمر 27 عامًا وتعاني من مشاكل صحية عقلية حادة، في عام 2019، حيث ذكر الطبيب الشرعي أن نظام الرعاية الاجتماعية هو العامل السائد وراء انتحارها.
ارتفاع كبير في الخمول الاقتصادي
ومع ذلك، فقد تأرجحت التغييرات الأخيرة في السياسات في الاتجاه المعاكس، ما أدى عن غير قصد إلى ارتفاع كبير في الخمول الاقتصادي وسط نقص العمالة، في عام 2017، أدى قرار إلغاء الدعم الإضافي لأولئك الذين لديهم "قدرة محدودة على العمل" إلى جعل الأفراد الذين يعانون من اعتلال الصحة على المدى القصير أكثر ميلًا إلى البحث عن حالة مرضية طويلة الأجل، وفي وقت لاحق، قام الوزراء بتخفيف معايير التقييم الشاملة لاستحقاقات العجز، ما أدى إلى معدل نجاح يتجاوز 80% في المطالبات في السنة المالية المنتهية في مارس 2020، مقارنة بنسبة 35% قبل عقد من الزمن.
إعانات العجز طويلة الأجل
خلقت هذه التغييرات وضعًا أصبحت فيه إعانات العجز طويلة الأجل أكثر جاذبية ويمكن الحصول عليها بسهولة، خاصة أثناء الوباء عندما تمت الموافقة على المطالبات بأقل قدر من الرفض، ونتيجة لذلك، يوجد الآن عدد كبير من المطالبين بالعجز والذي سيكون من الصعب تقليله.
وفي حين وعدت الحكومة البريطانية بإجراء إصلاحات، مثل السماح لبعض المطالبين بالعمل من المنزل، فإن هذه التدابير لن تنطبق إلا على المطالبين الجدد ولن تدخل حيز التنفيذ حتى عام 2025، لذا فإن الإصلاح الحقيقي معقد وصعب، حيث تفاقمت مشكلة بريطانيا الفريدة المتعلقة بعدم النشاط الاقتصادي بسبب سلسلة من القرارات السياسية التي جعلت عن غير قصد إعانات العجز أكثر جاذبية ويمكن الحصول عليها، ما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد الأفراد غير النشطين اقتصاديًا.