أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية "هوا تشون يينج" في 8 سبتمبر 2023، في بيان لها، بأن رئيس جمهورية زامبيا "هاكيندي هيشيليما" سيزور الصين في الفتر ة من (10 - 16 سبتمبر 2023) تلبية لدعوة من الرئيس الصيني "شي جين بينج"، وهي الزيارة التي تحمل في المقام الأول رغبة صينية تكمن في الحفاظ على مصالحها مع بلدان القارة الإفريقية خاصة التي تجاهلها الغرب في الماضي، ودعمتهم بكين بمليارات الدولارت على صورة تقديم مساعدات واستثمارات وأيضًا قروض، من أجل تعزيز هيمنتها على هذه الدول من جهة، ومواجهة التحركات الأمريكية والروسية المتزايدة خلال العام الجاري لبلدان القارة وتحديدًا الغنية بالثروات سواء اليورانيوم أو النحاس أو النفط وغيرها من المعادن والموارد الطبيعة التي تحظى بها دول القارة السمراء.
وفي الوقت ذاته، فإن زامبيا (ثاني أكبر منتج للنحاس في أفريقيا) بحاجة إلى الدولة الآسيوية من أجل مساندتها في تحسين أوضاع البلاد الاقتصادية وحل أزمة الديوان التي تخلفت لوساكا عن سدادها لبكين (أبرز دائنيها) خلال السنوات الماضية جراء تفشي جائحة كورونا 2020 واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 2022، التي أثرت على الاقتصاد العالمي.
دلالات التوقيت
وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول إن أهمية زيارة رئيس جمهورية زامبيا إلى الصين، تنبع من توقيتها، إذ إنها تأتي بالتزامن مع جملة من التطورات التي تشهدها دول القارة منذ مطلع العام 2023، يمكن إبرازها على النحو التالي:
(*) اتفاق الدول الدائنة على إعادة هيكلة جزء من ديون زامبيا: تأتي زيارة رئيس زامبيا "هيشيليما" إلى الصين بعد ثلاثة أشهر على انعقاد القمة الدولية التي حضرها أكثر من 40 رئيس دولة من الدول المتقدمة والنامية، بالعاصمة الفرنسية باريس بعنوان "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد" يومي (22، 23 يونيو 2023)، وتناولت موضوع ديون أربعة دول إفريقية (تشاد، زامبيا، غانا، إثيوبيا) على هامش أعمالها، وقد اتفق المجتمعون على إعادة جدولة ديون هذه الدول التي تخلفت عن السداد خلال السنوات الماضية خاصة بعد تفشي جائحة كورونا عام 2020، وذلك من خلال إعادة هيكلة قروض بقيمة 6.3 مليار دولار أمريكي، وتم منح الدول المتخلفة عن السداد مهلة أطول لتسديد ديونها، و تجدر الإشارة أن "دين زامبيا تصاعد خلال عهد الرئيس السابق "إدجار لونجو" يقدر بـ 32.8 مليار دولار، بينها 18.6 مليار لدائنين أجانب، في مقدمتهم الصين"، وفقًا لإحصائيات وزارة المالية بزامبيا حتى نهاية عام 2022.
ويرجع السبب في تصاعد دين زامبيا إلى إغراق "لونجو" البلاد في عدد من المشاريع الضخمة كتشييد مطارات وبناء مدراس ومصانع وشق طرق وذلك بالحصول على أموال من دول خارجية أبرزها الصين، إضافة لذلك فقد أشاد رئيس زامبيا بقرار الدول الدائنة، قائلًا في تغريده على حسابه بموقع "إكس"، "هذا الاتفاق يشكل خطوة مهمة على طريق الانتعاش الاقتصادي والنمو".
(*) تسلم زامبيا رئاسة الكوميسا: تأتي زيارة "هاكيندي هيشيليما" إلى بكين عقب أشهر قليلة من تسلم بلاده الرئاسة الدورية لاجتماعات قمة "الكوميسا" من مصر، خلال القمة الـ 22 التي استضافتها العاصمة الزامبية لوساكا في الفترة من (6- 8 يونيو 2023)، تحت شعار "التكامل الاقتصادي من أجل كوميسا المزدهرة المرتكزة على الاستثمار الأخضر والقيمة المضافة والسياحة"، وعليه فقد يستغل الرئيس "هيشيليما" ترأس بلاده للكوميسا (اتفاقية السوق لدول شرق وجنوب إفريقيا)، في تعزيز التعاون مع الصين بشكل ينعكس إيجابيًا على بلدان الكوميسا.
(*) تحركات صينية زامبية لإحياء مشروع "تازارا": سبق زيارة "هيشيليما" عدة تحركات بين الصين وزامبيا من أجل إعادة إحياء مشروع طريق زامبيا المعروف باسم "تازارا" الواقع بمنطقة الحدود الشمالية لزامبيا، وكانت الدولة الواقعة جنوب إفريقيا قد دشنت هذا المشروع بين عامي (1970 و1975) من خلال الحصول على قرض بدون فوائد من بكين، وبالفعل بدأ التشغيل التجاري لهذا المشروع في يوليو 1976، ويعد هذا المشروع الذي يربط زامبيا بتنزانيا ويصفه البعض بأنه نافدة لوساكا على العالم الخارجي؛ بمثابة "فرصة ذهبية" للدولة الإفريقية من أجل النهوض بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فهي حريصة على اكتمال باقي أعمال المشروع، وهو السبب الذي دفع السفير الصيني لدى زامبيا "دوشيا وهوي" لزيارة "تازارا" في 23 أغسطس الماضي، وبرفقته رئيس الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية لتفقد المشروع واستكمال اللازم.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركة الصينية كانت قد دشنت حديقة "تازارا" التذكارية تخليدًا لأرواح المهندسين والعمال الصينيين الذين لقوا حتفهم أثناء تشييد (تازارا) في سبعينيات القرن الماضي، وقد افتتح الرئيس "هيشيليما" هذه الحديقة أواخر أغسطس 2021، وأعلن وقتها عن رغبة كل من زامبيا وتنزانيا في إحياء "تازارا" بالشراكة مع الصين.
أهداف الزيارة
وفي ضوء التطورات سالفة الذكر، يمكن القول إن زيارة رئيس زامبيا إلى الصين في هذا التوقيت، تحمل جملة من الأهداف، يمكن إيضاحها كما يلي:
(&) رفع آفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين: ستركز هذه الزيارة التي تأتي قبل عام من الاحتفال بالذكرى الـ 60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وزامبيا منذ عام 1964، على الدفع بمستوى علاقات الشراكة التي تجمع الدولتين الإفريقية والآسيوية وتعزيز علاقات التعاون فيما بينهما لتشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وسينجم عن هذه الزيارة إبرام وثائق تعاون ومذكرات تفاهم، تهدف في المقام الأول لتعميق الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين وتعزيز التعاون الثنائي بمجالات الزراعة والطاقة والتصنيع والسياحة، وفقًا لما أعلنته الخارجية الصينية، وذلك عقب اللقاءات التي ستجمع الرئيس "هيشيليما" مع كل من رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني "تشاو له جي".
(*) مساعي رئيس زامبيا لتحسين أوضاع البلاد الاقتصادية: تجدر الإشارة إلى أن الرئيس "هيشيليما" الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المؤثر في زامبيا، كان قد تعهد منذ أدائه اليمين الدستورية في أغسطس 2021، كسابع رئيس للدولة الإفريقية بعد الاستقلال، بأنه سيكثف جهوده من أجل تحريك الاقتصاد في البلد الإفريقي الغني بالنحاس، والذي يعاني من تزايد في معدلات البطالة، وإبان حملته الانتخابية فقد قال "هيشيليما" للمزارعين في البلاد، بأنه لديه الأدوات التي تمكنهم من "تحويل زامبيا إلى سلة غذائية للمنطقة، وفي ضوء ذلك كي يتمكن "هيشيليما" من تحقيق أجندته تلك، فإن عليه تعزيز علاقات البلاد الاقتصادية مع بكين، بل ودفع رجال الأعمال الصينيين للاستثمار في الأراضي الزامبية، وهو ما يكشف حرصه على إعادة إحياء مشروع "تازارا" لأنه سيسهم في تصدير مزيد من المنتجات الزامبية عالية الجودة إلى الصين.
إضافة لذلك، فقد توجه رئيس زامبيا في ثاني أيام زيارته إلى مدينة شنتشن المركز التكنولوجي والصناعي في جنوب الصين، وميناء يانتيان الدولي (رابع أكبر موانئ الحاويات في العالم)، وخلالها أعرب "هيشيليما" عن رغبته في زيادة حجم التجارة بين بلاده وبكين عبر هذا الميناء مستقبلًا، كما أجرى زيارة إلى شركة "هواوي" الصينية، وهو الأمر الذي يعزز رغبته في توطيد التعاون بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بين البلدين، كما وقع رئيس زامبيا على مذكرة تفاهم مع شركة ZTE الصينية لإنشاء مصنع تجميع الهواتف الذكية في زامبيا
(*) البحث عن حل مشترك لهيكلة الدين: من المتوقع أن تكون "أزمة الديون" على رأس مباحثات رئيس زامبيا خلال اجتماعه المرتقب مع نظيره الصيني "شي جين بينج"، نظرًا لكون بكين هي المقرض الرئيسي للدولة الواقعة جنوب إفريقيا، وتبلغ ديون زامبيا ما يزيد على 6 مليارات دولار بنهاية عام 2021، وفقًا لما أعلنه "سيتومبيكو موسوكوتوان" وزير المالية الزامبي في مارس الماضي، في حين كشف البنك الدولي أن ديون زامبيا لدى الصين ارتفعت في عام 2022، لتبلغ 9.8 مليار دولار، وفي ضوء ذلك، وبعد اتفاق الدول الدائنة في يونيو الماضي على إعادة هيكلة الديون، فقد يناقش "هيشيليما" الحصول على دعم الصين لمساندته من أجل تخطي أزمة الديون التي تؤثر بلا شك على إدارته لعملية التنمية الاقتصادية للبلاد.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تلبية رئيس زامبيا "هاكيندي هيشيليما" دعوة الرئيس الصيني "شي جين بينج" ليقوم بأول زيارة له إلى الدولة الآسيوية منذ توليه منصبه في 2021، تنبع من علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تجمع كلا الدولتين، فهذه الزيارة تأتي بعد ثماني سنوات من زيارة سلفه السابق "لونجو" إلى بكين في 2015، وزيارة أخرى في 2018 لحضور "قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني – الإفريقي"، وفي ضوء ذلك، قد ينجم عن زيارة "هاكيندي" بجانب توقيع مذكرات تفاهم مع الجانب الصيني؛ زيادة نفوذ بكين واستثماراتها داخل الدولة الإفريقية، وقد يدفع ذلك بالرئيس "شي جين بينج" لزيارة زامبيا في المستقبل خاصة أن آخر زيارة أجراها رئيس صيني (الرئيس السابق هو جينتاو) إلى زامبيا كانت في فبراير2007، وذلك في إطار التحركات الصينية لتعزيز نفوذها في مختلف بلدان القارة الإفريقية.