الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ماذا تضمنت رسائل قمة العشرين بنيودلهي؟

  • مشاركة :
post-title
مجموعة العشرين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

اختُتمت في العاصمة الهندية نيودلهي القمة الـ18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، والتي عقدت أعمالها يومي التاسع والعاشر من سبتمبر 2023، في ظل سياق دولي يمر بمفترق طرق حقيقي، ويحتاج إلى تضافر الجهود الدولية، لمواجهة التحديات المعقدة سواء فيما يتعلق بالأزمات الدولية وفي مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية، أو ما يرتبط بالقضايا التي تواجه المصير الإنساني المشترك ومنها: مخاوف الركود الاقتصادي العالمي، والتغيرات المناخية، والأمن الغذائي، وعدالة التنمية بين دول الشمال المتقدم، والجنوب العالمي النامي.

رسائل متعددة

عكست المناقشات والحوارات واللقاءات بين قادة المجموعة، فضلًا عن بيانها الختامي العديد من الرسائل التي تعبر عما يمر به العالم في هذا التوقيت، وما يحتاج إليه، لا سيما وأن المجموعة تعد المنتدى الاقتصادي الأول على المستوى الدولي، لذلك يمكن الإشارة إلى أبرز تلك الرسائل في التالي:

(*) وحدة المصير الإنساني: اختارت الهند شعار القمة ليكون مرتكزًا على زهرة اللوتس، والتي تعبر عن فكر وإيمان وتراث الهند القديم، وفق تصريحات رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والذي أعلن قبيل انعقاد القمة أن شعارها هو "أرض واحدة- عائلة واحدة- مستقبل واحد"، حيث ترى الهند أن ذلك الشعار ينقل رسالة واضحة إلى المجموعة، وهي السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم.

يضاف إلى ذلك أن العديد من التحليلات التي تعتبر الشعار، انعكاسًا لوحدة المصير الإنساني الذي يواجه تحديات عالمية مشتركة تؤثر على الجميع دون استثناء وفي مقدمتها مسألة التغيرات المناخية، وأزمات الاقتصاد العالمي، والحاجة إلى سد الفجوة التكنولوجية الكبيرة بين دول العالم، حتى لا يكون التقدم التكنولوجي محركًا إضافيًا لانعدام المساواة، وهو ما يتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مستقبل أفضل للإنسانية.

(*) غياب شي وبوتين: تعكس رسالة غياب الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينج، عن أعمال القمة طبيعة التنافس الدولي، فغياب بوتين مرتبط بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية واصطفاف الغرب خلف أوكرانيا ودعمها اقتصاديًا، وسياسيًا، والإصرار على المطالبة بتوقيف بوتين بموجب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية. أما غياب الرئيس الصيني فربما يعكس الخلافات مع الهند سواء فيما يخص المشكلات الحدودية بين الجانبين، أو ما يرتبط بعلاقة التحالف الاستراتيجي الهندي الأمريكي، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الهند لمواجهة الصعود الصيني.

(*) التنافس التعاوني الأمريكي الصيني: على الرغم من غياب الرئيس الصيني شي جين بينج عن حضور فعاليات القمة، وإعراب الرئيس الأمريكي بايدن عن خيبة أمله لعدم حضور شي الذي كان يتطلع للقائه، إلا أنه التقى برئيس الوزراء الصيني لي تشيانج الذي ترأس وفد بلاده في غياب الرئيس.

وجاءت تصريحات الرئيس بايدن عن اللقاء، خلال زيارته إلى فيتنام بعد مشاركته في القمة بالقول "التقيت المسؤول الثاني في هيكلية الحكم في الصين، وتحدثنا عن الاستقرار، وأن الاجتماع لم يكن صداميًا على الإطلاق".

ويبدو أن حرص الرئيس الأمريكي على لقاء المسؤولين رفيعي المستوى في الصين يرتبط ببعدين؛ أحدهما يوصف بـ"التنافس التعاوني" بين أكبر اقتصادين في العالم في ظل عدم قدرة أي طرف على الانفصال اقتصاديًا، لصعوبة التكلفة وتداخل الاقتصادين بشكل كبير، أما ثانيهما وربما الأهم وهو توظيف تلك اللقاءات في إطار إعادة انتخابه لولاية ثانية ورغبته في اكتساب الأصوات المؤيدة لاحتواء الصين وتجنب المواجهة المباشرة، لما لذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.

(*) الصعود الهندي: يشكل الصعود الهندي الملمح الأهم خلال فعاليات القمة، لا سيما وأن ثمة رغبة غربية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في أن تصبح الهند مصنعًا للعالم بدلًا من الصين. وهي الاستراتيجية التي تسعى من خلالها واشنطن إلى احتواء الصين ومنع صعودها كقطب اقتصادي يمتلك المقومات اللازمة لمواجهة الهيمنة الأمريكية.

وتمتلك الهند العديد من المقومات التي تجعل من صعودها الاقتصادي على المستوى العالمي أمرًا ممكنًا، فالهند أضحت الدولة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان، وتجاوزت الصين التي ظلت تتمتع بتلك الوضعية لفترات ممتدة، كما نجحت الهند في أن تصل لأول مرة إلى القمر، لتهبط مركبتها الفضائية على سطحه قبل أيام من انعقاد القمة، ولما لذلك الحدث من دلالة تعكس التقدم الهندي المتسارع، عززه الصعود الاقتصادي بعد أن أصبحت الهند تحتل المرتبة الخامسة عالميًا بعد أن تمكنت من إزاحة الاقتصاد البريطاني من المرتبة الخامسة لتحتلها بعد أن كانت تحتل المرتبة السادسة، فالهند التي وصلت إلى القمر، وتفوقت على الصين في عدد السكان، بما يعني أن القرن الحادي والعشرين من المحتمل ألا يكون صينيًا كما تنبأت التقديرات، بل ربما سيكون قرنًا هنديًا.

(*) دولة بهارات: استخدمت الحكومة الهندية اسم بهارات عند توجيه الدعوة الرسمية لحضور قمة مجموعة العشرين، وحملت الدعوة توقيع رئيسة البلاد بأنها رئيسة دولة بهارات، وعند افتتاح رئيس الوزراء ناريندرا مودي أعمال القمة كانت أمامه لافتة على الطاولة كتب عليها "بهارات"، وتحدث باللغة الهندية قائلاً "بهارات ترحب بالمندوبين باعتبارها رئيسًا لمجموعة العشرين، في حين كان شعار مجموعة العشرين يحمل الاسمين بهارات باللغة الهندية، والهند باللغة الإنجليزية. ويذهب البعض إلى أن اتجاه الهند لاستخدام اسم بهارات لوصف الدولة يرتبط برغبة الحزب القومي الهندوسي، لإزالة ما يرتبط بالحقبة الاستعمارية، بينما يعتبره البعض الآخر بمثابة لفتة رمزية نحو هوية البلاد الثقافية والتاريخية.

(*) معالجة أزمة الديون العالمية: تمثل الديون العالمية معضلة رئيسية تواجه الدول النامية، لذلك شهدت أعمال القمة العديد من الدعوات التي تطالب بمعالجة إشكالية ديون الدول النامية، حيث باتت تتخذ أبعادًا خطيرة، نتيجة ارتفاع أعباء خدمة الدين، وليس فقط بالنسبة للدول منخفضة الدخل، وإنما أيضًا للدول متوسطة الدخل، وهو الأمر الذي يتطلب سرعة اتخاذ قرارات حاسمة تحول دون اندلاع أزمة ديون عالمية.

(*) الحضور الإفريقي: شهدت الجلسة الافتتاحية لقمة العشرين دعوة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الذي ترأست بلاده أعمال القمة، الاتحاد الإفريقي لنيل عضوية دائمة داخل المجموعة، ويأتي ذلك من منطلق محورية القارة الإفريقية بما تمتلكه من مقومات اقتصادية جعلتها محط أنظار القوى الكبرى الراغبة في التحول من النظام الاقتصادي أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب، فضلًا عن رغبة دول الجنوب داخل المجموعة لتعزيز صوت دول الجنوب، وسعيها لإصلاح المنظومة المالية العالمية لتكون أكثر عدلًا وإنصافًا وتمثيلًا لكافة الأقاليم.

(*) الالتزام بمبادئ القانون الدولي: دعا البيان الختامي للقمة جميع الدول إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك ما يتعلق بسلامة الأراضي والسيادة والقانون الإنساني الدولي والنظام متعدد الأطراف الذي يحمي السلام والاستقرار، كما رحب البيان بجميع المبادرات ذات الصلة والبناءة التي تدعم السلام الشامل والعادل والدائم في أوكرانيا، وأن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها غير مقبول.

(*) ضمان الأمن الغذائي: شدد البيان الختامي للقمة على تنفيذ مبادرة البحر الأسود من أجل التدفق الآمن للحبوب والأغذية والأسمدة من أوكرانيا وروسيا. وكانت موسكو قد انسحبت من الاتفاق في يوليو 2023 بسبب ما اعتبرته عدم وفاء بمتطلبات تنفيذ الاتفاق الموازي الذي يسهل صادراتها من الغذاء والأسمدة.

مجمل القول إن تنوع رسائل قمة العشرين التي تعد بمثابة المنتدى الاقتصادي الأول عالميًا، والتي تستحوذ على ما يقرب من 85 % من حجم الناتج العالمي، و75% من حجم التجارة العالمية، وأكثر من ثلثي سكان العالم وأكثر من نصف مساحة الكرة الأرضية، يضع أعضاء المجموعة أمام ضرورة العمل على تحسين معدلات التنمية عالميًا من خلال إقرار عدالة التنمية بين كافة أقاليم العالم، وأن يكون صوت الجنوب العالمي مسموعًا، فضلًا عن أهمية الحد من الاستقطاب الدولي حتى لا تتحول مجموعة العشرين إلى ساحة للصراع ما بين التكتلات والتحالفات المتضادة.