الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات محتملة.. أهداف منح الاتحاد الإفريقي عضوية دائمة في "قمة العشرين"؟

  • مشاركة :
post-title
مباحثات رئيس السنغال مع قادة الغرب على هامش قمة العشرين السابقة

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

في خضم الأزمات التي تشهدها عدد من دول القارة الإفريقية، خلال الفترة الأخيرة، التي تراوحت ما بين أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، وفي ضوء تشكل محتمل لعالم متعدد الأقطاب يبرز فيه قوى كروسيا والصين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبجانب تزايد الاهتمام العالمي الواضح بدول القارة الإفريقية، فإن زعماء بدول مجموعة العشرين وجهوا دعوة لمنح "الاتحاد الإفريقي" عضوية دائمة في "G20"، التي تمثل أكبر الاقتصادات في العالم وتضم 19 دولة عُضوة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وسيمثل إفريقيا بهذه القمة كل من رئيس الاتحاد الإفريقي غزالي عثماني (هو أيضًا رئيس جزر القمر)، ورئيس مفوضية الاتحاد "موسى فقي".

وجاء قرار إعلان العضوية المرتقبة للاتحاد الإفريقي، 27 أغسطس 2023، خلال انعقاد أعمال منتدى "B 20" التمهيدي بالعاصمة الهندية نيودلهي، التي ستستضيف قمة العشرين، 9 سبتمبر 2023، إذ قال ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، خلال كلمته بالمنتدى، "وجهنا دعوة إلى الاتحاد الإفريقي مع رؤية منحه العضوية الدائمة"، مضيفًا أن "الهند ستكون الحل لمشكلة سلاسل التوريد بعد اضطرابات نتجت عن جائحة كورونا"، وسبق ذلك بعث رئيس وزراء الهند، يونيو الماضي، رسالة لزعماء دول العشرين لانضمام الاتحاد، قوبلت بدعم دول المجموعة العالمية.

تجدر الإشارة إلى أن دعوة رئيس وزراء الهند لضم الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، التي تظهر رغبة آسيوية في تعزيز التمثيل الإفريقي بالشؤون العالمية؛ جاءت بالتزامن مع جملة من المواقف اللافتة، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) رغبة إفريقية مُلحة للانضمام لـG20: لم تخف الدول الإفريقية خلال السنوات الماضية رغبتها في الانضمام لمجموعة العشرين، وفي قمة الاتحاد الإفريقي الـ33، التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أغسطس 2020، طالب الرئيس السنغالي ماكي سال، خلال كلمته كرئيس للاتحاد، بالانضمام إلى المجموعة العالمية، وفي نوفمبر 2022، إبان قمة العشرين التي استضافتها إندونيسيا، فقد أعاد "سال" المطلب ذاته، وقال إن "مجموعة العشرين ستنظر في ترشيح الاتحاد الإفريقي لعضوية المجموعة، في قمتها التي ستنعقد بالهند 2023"، وهو ما قوبل بترحيب دولي، وأواخر يوليو الماضي في أثناء القمة الروسية الإفريقية، فقد طرح مطلب انضمام الاتحاد الإفريقي لقمة العشرين مرة أخرى، إذ أعلن رئيس جزر القمر والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي "غزالي عثماني"، خلال كلمته، بأنه حريص على دعم محاولة انضمام إفريقيا لمجموعة العشرين، قائلًا: "يجب أن يكون لإفريقيا كلمتها في المؤسسات الدولية فيما يُعرف الآن بالتعددية".

(*) توجه أمريكي لدعم وجود إفريقيا بالمنظمات الدولية: يؤكد المراقبون أن إعلان الهند، جاء بالتزامن مع دعوة أمريكية سابقة لضم الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، وفي منتصف ديسمبر 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، إبان انعقاد "القمة الأمريكية الإفريقية الثانية"، أن واشنطن تدعم انضمام الاتحاد الإفريقي لمختلف المنظمات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي ومجموعة العشرين كعضو دائم، مشيرًا إلى أن هذا القرار قد تأخر إلا أنه أكد حتمية حدوثه، وفي الوقت ذاته، فإن "بايدن" تعهد بأن واشنطن لن تتوان عن دعم دور دول القارة الإفريقية على الساحة الدولية، وكشف عن مساعيه لزيارة دول إفريقيا جنوب الصحراء.

رئيس الوزراء الهند ناريندرا مودي في منتدى "B 20"

(*) تأييد آسيوي وأوروبي لضم الاتحاد الإفريقي: إن مقترح ضم الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، كان "آسيويًا" من خلال إندونيسيا، خلال استضافتها لقمة المجموعة السابقة، نوفمبر 2022، مُعلنة عن مبادرة لضم الاتحاد من أجل ضمان تمثيل اهتمامات دول القارة الإفريقية، وحظيت هذه المبادرة بتأييد أبرز القوى العالمية بالمجموعة، فعلي الصعيد الآسيوي، أكد الرئيس الصيني شي جين بينج، دعم بلاده لانضمام الاتحاد، نوفمبر الماضي، كما أن فوميو كيشيدا، رئيس الوزراء الياباني، قال ديسمبر الماضي، إن "انضمام الاتحاد الإفريقي إلى المجموعة أمر مهم، بالنظر إلى الدور المتزايد للدول الإفريقية في المجتمع الدولي"، وإضافة لذلك فقد رحبت روسيا بهذه المبادرة منذ انطلاقها، وأعلنت دعمها لهذا المطلب أكثر من مرة، وكان آخرها يوليو الماضي، إذ أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعم بلاده لضم الاتحاد، قائلًا: "نأمل أن تتخذ مجموعة العشرين قرار انضمام الاتحاد الإفريقي لها في القمة المقبلة بالهند".

أوروبيًا، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في القمة السابقة للمجموعة، دعم بلاده لانضمام الاتحاد، وقد قوبل هذا الدعم الدولي بترحيب كبير من قبل رؤساء القارة الإفريقية.

(*) التمهيد لتعزيز دور دول القمة الإفريقية: إن إعلان الهند عن مقترح انضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين، يأتي بعد أيام قليلة من انعقاد قمة البريكس في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، أواخر أغسطس الماضي، التي أسفرت عن ضم 6 دول جديدة لهذا التكتل الاقتصادي العالمي، من بينهم دولتان إفريقيتان هما (مصر وإثيوبيا)، فضلًا أن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أعلن 21 أغسطس الماضي، أن بلاده (الدولة الإفريقية الوحيدة بـG20) ستستضيف قمة العشرين عام 2025، وأنها ستركز على معالجة مختلف مشكلات المجتمع الدولي، وهذا سيكون أول اجتماع للمجموعة في إفريقيا، وهو الأمر الذي يعكس تصاعد نفوذ وأهمية بلدان القارة على الصعيد الدولي خلال الفترة الأخيرة، إذ باتت تستضيف قمم التكتلات الدولية بل وتنضم إليها.

(*) تأثير الأزمات الإفريقية على الوجود الغربي بالقارة: تأتي مساعي زعماء مجموعة العشرين لضم الاتحاد الإفريقي، بالتزامن مع تزايد عمليات تغيير السلطة بالقوة في عدد من بلدان القارة الإفريقية، والتمرد على وجود بعض القوى الغربية بالقارة، وكان آخرها، عملية الإطاحة برئيس النيجر "محمد بازوم"، يوليو الماضي، وعملية السيطرة على السلطة بالجابون والإطاحة بالرئيس علي بونجو، أواخر أغسطس الماضي، وهذه العمليات نجم عنها تراجع النفوذ الفرنسي وتصاعد النفوذين الروسي والصيني بالبلدين، وعليه، فإن ضم الاتحاد الذي يُمثل فيه 55 عضوًا لمجموعة العشرين قد يكون محاولة من قبل بعض القوى الغربية لفتح المجال أمام بلدان القارة السمراء للمشاركة مع كيانات العالم الاقتصادية بشكل علني ومباشر.

انعكاسات محتملة:

في ضوء الدلالات سالفة الذكر، يمكن القول إن مقترح انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين التي "تشكل نحو 85% من الناتج الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، ونحو ثلثي سكان العالم" (بحسب الموقع الرسمي للمجموعة)، سيسهم في بعض الانعكاسات على الصعيدين الإفريقي والدولي، يمكن إيضاحها كما يلي:

(&) على الصعيد العالمي: إن ضم الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين لن يكون مكسبًا لإفريقيا فحسب، بل سينعكس أيضًا على مجموعة العشرين، ما يجعلها أكثر شمولًا وفعّالية، فرغم أن بعض دول القارة تعاني تدني أوضاعها الاقتصادية والمعيشية وتفاقم في أزماتها السياسية والأمنية، إلا أنها في الوقت ذاته قارة "غنية" بالموارد الطبيعية والثروات النفطية ومختلف أنواع المعادن الاستراتيجية والنادرة المتعددة، فيوجد بها الذهب واليورانيوم والكروم وغيرها، إلا أن الفشل في إدارة هذه الثروات يعد نتيجة رئيسية لما تشهده دول القارة من تراجع بمعدلات النمو الاقتصادي.

ولعل هذه الموارد الهائلة السبب في رغبة عدد من القوى الخارجية بتعزيز نفوذها بمختلف أنحاء إفريقيا، وفي ضوء ذلك فإن ضم الاتحاد الإفريقي الذي يأتي ضمن أكبر 12 اقتصادًا في العالم، بناتج محلي يزيد على تريليوني دولار لمجموعة العشرين سيسهم في التأثير على مستوى الاقتصاد العالمي، خلال المرحلة المقبلة خاصة بعدما تراجعت اقتصادات عدد من دول العالم جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تضع أوزارها منذ اندلاعها، فبراير 2022.

(&) على الصعيد الإفريقي: إن عضوية الاتحاد الإفريقي بمجموعة العشرين ستنعكس بلا شك على دول القارة السمراء، إذ سيمنحها رأيًا مباشرًا في معالجة التحديات العالمية الكبرى، بما في ذلك النمو الاقتصادي وتغير المناخ والتنمية المستدامة، بعد سنوات طويلة من تهميشها وإقصائها والتعامل معاها فقط من منظور امتلاكها للثروات، واعتبارها تابعًا لبعض القوى الاستعمارية السابقة والقوى الاقتصادية الكبرى، وفي ضوء ذلك فإن الاتحاد عليه تحويل أوجه الاستفادة من هذا التكتل الاقتصادي العالمي إلى القارة، من خلال محاولة وضع حد للخلافات المشتعلة بالقارة وتدشين منظومة اقتصادية موحدة تركز على تحسين أوضاع القارة الاقتصادية، وتحشد الاستثمارات من جميع القوى الدولية.

(&) على صعيد الهند: إن توجيه الهند تحديدًا الدعوة لانضمام الاتحاد الإفريقي في وقت تتولى فيه رئاسة مجموعة العشرين لا يعزز مساعي الاتحاد الإفريقي ودول مجموعة العشرين فحسب، بل يعزز أيضًا مكانة الهند كزعيم عالمي يدعو إلى نظام دولي أكثر عدالة وتمثيلًا، يسعى إلى مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي، كما أنه يعد بمثابة "فرصة فريدة" للدولة الآسيوية من أجل توجيه أجندة المجموعة الاقتصادية، وهو ما يتماشى مع تطلعات الهند العالمية لتعزيز عالم متعدد الأقطاب.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه من المتوقع وبشكل متزايد أن يتم قبول الاتحاد الإفريقي باعتباره العضو الحادي والعشرين في مجموعة العشرين، خلال القمة المقبلة التي ستستضيفها الهند، وبالتالي وجود الاتحاد الإفريقي بهذه المجموعة يعد بلا شك فرصة مهمة، لكن ينبغي على دول القارة الانتباه إلى ضرورة مُلحة تكمن في تعزيز فرصة الاستفادة من الانضمام لهذه التكتلات الاقتصادية العالمية والتصدى لمحاولات بعض القوى الغربية للسيطرة على ثروات القارة بأي طريقة كانت وألا تكون إفريقيا "سوقًا" لبعض دول المجموعة الاقتصادية دون أن يُسهم ذلك في دفع عجلة الاقتصاد وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لشعوب القارة.