حنان مطاوع: خلّد اسمه بأعماله وفيلم والدي عنه رائع
مؤلف "الضاحك الباكي": صنع هوية موسيقية وتعرض للتشويه وأسعى لتقديم عمل كامل عنه
مضى قرن من الزمان على وفاة فنان الشعب سيد درويش، لكن هذا الرقم لم يمح أثره من ذاكرة الوطن، بل مازال حاضرًا رغم الرحيل، نظرًا للتأثير الكبير الذي أحدثه بالساحة الفنية، فهو المجدد الحقيقي للفن والموسيقى وإحياء الهوية المصرية التي عبّر عنها في أعماله المختلفة وكان خير سفير لها.
على الرغم من أن سيد درويش مثّل نموذجًا يحتذى به في الإبداع الفني والكفاح الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي وتطويع أعماله في مقاومة العدو آنذاك، وقدرته على تغيير شكل الموسيقى والفن المصري في وقت قصير، إذ توفي عن عمر ناهز الـ31 عامًا، إلا أنه لم يتم إنصافه دراميًا وسط محاولات قليلة من البعض لتجسيد سيرته الثرية.
تجسيده بالسينما
قبل أكثر من 60 عامًا قدّم الفنان الراحل كرم مطاوع قصة حياة سيد درويش في فيلم حمل الاسم نفسه، مع الفنانة هند رستم، وكان من الأفلام النادرة التي جسّدت حياة فنان الشعب في السينما، ولعب "مطاوع" دور البطولة مجسدًا شخصية "درويش"، لتعبر ابنته الفنانة حنان مطاوع عن اعتزازها بهذا الفيلم قائلة: "الفيلم نال إعجابي لأنه من النوادر وكلاسيكيات السينما المصرية التي تطرقت لحياة سيد درويش ومن أقدم الأعمال التي تناولت سيرته، فكان عملًا رائعًا عن شخصية رائعة أيضًا".
طفرة موسيقية بعمر قصير
وفي حديثها لموقع "القاهرة الإخبارية"، قالت حنان مطاوع إن الفنان سيد درويش موسيقار عبقري، أحدث تطورًا كبيرًا في الموسيقى، وقدّم مسرحًا غنائيًا سياسيًا، ونقد الواقع والظروف الاجتماعية وكافح ضد الاحتلال على كل المستويات، ليكون فنان الشعب، وساهم في عمل طفرة موسيقية في وقت قصير، إذ توفي عن عمر يناهز الواحد والثلاثين عامًا، فهو من النوادر والعلامات في تاريخ الفن المصري.
أكدت حنان مطاوع لا يوجد شخص لم يتأثر بفن سيد درويش وحسه الوطني، إذ قدم أنواعًا مختلفة من الفن ووصل إلى المواطنين بمصر والوطن العربي، واستطاع عمل مزيج غني في أعماله.
أبدت "مطاوع" استعدادها للمشاركة في عمل عن فنان الشعب، لتقول: "يشرفني أن أشارك في عمل عنه وبغض النظر عن مشاركتي أم لا ولكن يسعدني أن أرى أعمالًا سينمائية وتلفزيونية تشاهدها الأجيال المختلفة، وأكون حريصة أن تشاهد الأجيال الجديدة قامات فنية مثل سيد درويش".
خلّد اسمه بأعماله
اعترضت حنان مطاوع على فكرة ظُلمه فنيًا قائلة: "لا أرى أن هناك شخصًا ظُلم فنيًا، فالفنان يخلّد اسمه بأعماله التي قدمها، وفكرة أن تقديم سيرته الذاتية في فيلم أو كتاب أو مسرحية أمر جيد، وفي الوقت نفسه ليس شرطًا أن يخلّد اسمه بعمل فني عنه، فيكفي أن أعماله هي التي تتحدث عنه".
سيرته بالتلفزيون
خط درامي ألقى الضوء على جزء من حياة فنان الشعب في مسلسل "الضاحك الباكي" الذي لعب بطولته الفنان عمرو عبد الجليل، وصاغه السيناريست المصري محمد الغيطي، ليقول عنه: "قصة سيد درويش تستحق عملًا كاملًا وأتمنى تحقيق هذه الأمنية، إلا أن مسلسل "نجيب الريحاني" سمح لي بفرصة أن أقدم معلومات عن سيد درويش لأول مرة، خاصة أن التجربة الأهم في إنجازاته مع نجيب الريحاني، إذ سبق أن قدّم تجارب مع جورج أبيض وفرق أخرى، لكن تجربته مع الريحاني هي الأفضل والأحسن، والخالدة مثل "قوم يا مصري، الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية"، وحتى هذه اللحظة تراث سيد درويش الذي قُدّم من خلال نجيب الريحاني هو الأكثر خلودًا وبقاءً لأن الثلاثي بديع خيري والريحاني ودرويش يفهمون بعض جيدًا".
مفجر ثورة 1919
أكد الغيطي في حديثه لموقع "القاهرة الإخبارية" أن أغنيات سيد درويش كانت سبب تفجير ثورة 1919، مثل تقديمه أغنية "قوم يا مصري"، وتحديه الإنجليز الذين أصدروا قرارًا بمنع ذكر اسم "سعد زغلول" وأن من يذكر اسمه يُسجن، ما دفع نجيب الريحاني للتعاون مع درويش في تقديم أغنية "يا بلح زغلول" لحث المواطنين على مقاومة الإنجليز، وهو ما دفعهم للتآمر على اغتيال الثنائي "سعد ودرويش".
تشويهه بعد الرحيل
أوضح أن نهاية سيد درويش تعرضت لنوع من التشويه والإدعاء كذبًا بأن وفاته بجرعة زائدة من الكوكايين، إلا أن الكاتب محمود صلاح أثبت في كتابه كذب هذا الادعاء بالمستندات، الذي قام بعمل أوراق اغتيال سيد درويش، وهذا الكتاب يعود للثمانينيات، بعد ما تسبب الإنجليز في قتله بجرعة سم دُست في الأكل الذي تناوله تزامنًا مع عودة سعد زغلول من المنفى، وبعد أن قدم أغنية استقباله، مات بعد عودة سعد بساعات قليلة، لذلك لم يسير في جنازته أحد سوى عدد قليل من بينهم نجيب الريحاني وبديع خيري، ليكون من بين النهايات المأساوية.
حلم تجسيده دراميًا
أكد الغيطي، أن سيد درويش لم يتم إنصافه دراميًا بالشكل الذي يستحقه، ليقول عن ذلك: "قدمت محاولة في الدراما استعرضت فيها جزءًا من حياة فنان الشعب، لكنني أتمنى أن أقدم عملًا كاملًا عنه منها سفره لإيطاليا وعلاقته بالأوبرا وأولاده وحياته الشخصية وبداياته، إذ عمل كصبي نجار، واستلهم إيقاعاته من أصوات الخشب، كما عمل في مهن كثيرة، ومعرفته بأغاني الفلاحين والعمال وتقديمه فلكلور فني مصري، فلأول مرة يقدم الفن المصري في حين أن الفترة التي سبقته كان التركيز فيها على الغناء التركي الذي يثير الغرائز".
اختتم، سيد درويش صنع هوية موسيقية للفن المصري واستعاد الفكر الغنائي المصري الذي يركز على روح الإنسان وعلى الوطن والحرية، تلك المبادئ التي لم تكن موجودة من قبل، وبعد 500 عام أعاد سيد درويش الهوية المصرية والموسيقى الفرعونية إلى صدارة العالم.