الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تصاعد ملحوظ: لماذا يتزايد إنفاق دول العالم على كرة القدم؟

  • مشاركة :
post-title
إنفاق دول العالم على كرة القدم

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

تزايد إنفاق العديد من الدول على النشاط الرياضي بالفترة الأخيرة، إذ أصبح الأمر لا يتعلق بالترفيه فقط، ولكن أصبحت الرياضة، خاصة كرة القدم، تُشكل أحد مصادر الدخل الاقتصادي الضرورية، كما باتت تُشكل أداة سياسية جوهرية، وهو ما أدركته الدول العربية بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، خاصة المملكة العربية السعودية، التي باتت تنفق مليارات الدولارات على لعبة كرة القدم، وظهر ذلك في سوق الانتقالات الأخيرة، وهو ما دفع لطرح تساؤل: لماذا تُنفق الدول هذه المبالغ الضخمة على النشاط الرياضي؟

وفي ضوء ما سبق، يتناول هذا التحليل حجم إنفاق دول العالم على الأنشطة الرياضية، خاصة كرة القدم، موضحًا دوافع زيادته.

حجم الإنفاق

خصصت العديد من الدول والأندية التابعة لها أموالًا ضخمة للإنفاق على النشاط الرياضي بشكل كبير، خاصة نشاط كرة القدم، وهو ما سيتم توضيحه على النحو الآتي: 

الشكل (1) يوضح أكثر 10 أندية إنفاقًا في سوق الانتقالات الصيفي

(*) بريطانيا: بقراءة بيانات الشكل رقم (1) يتضح تصدُر أندية إنجلترا في حجم الإنفاق على الانتقالات، إذ أنفقت الأندية الإنجليزية 1.78 مليار جنيه إسترليني على انتقالات اللاعبين الدوليين في عام 2022، كما يتصدر نادي أرسنال الإنفاق في سوق الانتقالات الصيفية، إذ نفذ أغلى الصفقات في التاريخ عندما ضم "ديكلان رايس"، الذي بلغت قيمة الصفقة الخاصة به 105 ملايين إسترليني، وبهذا تفوق أرسنال على جميع أندية العالم في سوق الانتقالات الصيفية، إذ أنفق 226 مليون يورو حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك ارتفع الإنفاق الاستهلاكي في المملكة المتحدة على المعدات الرياضية المختلفة كما يوضح الشكل رقم (2)، إذ سجل 12.4 مليار جنيه إسترليني في عام 2022، مُقارنة بـ3.6 مليار جنيه إسترليني في عام 2000، وهو ما يوضح مدى اهتمام المملكة المتحدة حكومةً وشعبًا بزيادة الإنفاق على النشاط الرياضي.

الشكل (2) يوضح الإنفاق الاستهلاكي على معدات الرياضة والتخييم والترفيه في الهواء الطلق بالمملكة المتحدة من 2000 إلى 2022 (بالمليون جنيه إسترليني)

(-) السعودية: إن ظهور المملكة العربية السعودية في الشكل (1) وحصول ناديها "الهلال" علي المركز الخامس من حيث أكبر الأندية إنفاقًا في سوق الانتقالات الصيفية، يوضح أن المملكة العربية السعودية انتهجت مسارًا جديدًا في النشاط الرياضي، والذي يتمثل بشكل كبير في استقطاب العديد من اللاعبين الدوليين في كرة القدم، وهو ما يُمكن اعتباره تحولًا في سوق الانتقالات الدولية لكره القدم، حيث وضعت المملكة "رؤية السعودية 2030" في القطاع الرياضي، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي، حتى لا يكون النفط هو المصدر الرئيسي لدخل المملكة، وهو ما ترتب عليه زيادة إنفاقها الرياضي بشكل كبير، إذ أنفقت ما لا يقل عن 6.3 مليار دولار في الصفقات الرياضية منذ أوائل عام 2021، وهو ما يُمثل أكثر من أربعة أضعاف المبلغ الذي أنفقته في السنوات السابقة، كما قدم نادي الهلال السعودي عرضًا للاعب الفرنسي "كيليان مبابي" بقيمة 300 مليون يورو.

كما يوضح الشكل (3) التزايد الكبير في حجم إنفاق الأندية الرياضية في السعودية، إذ بلغ أكثر من 3 مليارات ريال سعودي، وبلغت نسبة الإنفاق على الأنشطة الرياضية 90% من هذه القيمة، ولهذا يأتي الدوري السعودي للمحترفين بالمركز الرابع في قائمة أكثر الدوريات إنفاقًا، وذلك بعد الدوريات الإنجليزي والإيطالي والألماني.

وفي مجال الجولف أنفقت السعودية 25 مليون دولار في منتصف يونيو 2023 على تنظيم بطولة الجولف في لندن، وفي مباريات الملاكمة أنفقت السعودية أكثر من 300 مليون دولار؛ لتنظيم هذه المباريات على أراضيها، وهو ما يوضح زيادة الاهتمام بالنشاط الرياضي في المملكة العربية السعودية.

بالإضافة إلى ذلك يوجد اتجاه لامتلاك عدد من النوادي الأوروبية، إذ استحوذ الأمير عبد الله بن مساعد آل سعود على نادي "شيفيلد يونايتد الإنجليزي" في عام 2019، كما يمتلك تركي آل الشيخ 99.8 من أسهم نادي "ألميريا الإسباني" منذ 2019، واستحوذ صندوق الاستثمار السعودي على نادي "نيوكاسل يونايتد الإنجليزي".

(*) مصر: تُنفق الأندية المصرية على النشاط الكروي نحو 33.7 مليون دولار بحسب بيان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، وبذلك احتلت مصر المرتبة الأولى إفريقيًا في حجم الإنفاق، بالإضافة إلى تصدُر الأندية المصرية المركز الأول على مستوى القارة من حيث الإنفاق على الانتقالات، بما قيمته أكثر من 0.5 مليار جنيه، كما بلغ حجم الاستثمارات في القطاع الرياضي في مصر 28 مليار جنيه.

(*) الإمارات العربية المتحدة: أنفقت الإمارات ما يقرب من 5 مليارات درهم على الاستثمار الكروي خلال العشر سنوات الأخيرة، وارتفع الإنفاق السنوي على الرياضة ليبلغ 1.7 مليار دولار، كما يوضح الجدول رقم (1)، وهو ما يعكس الإنفاق الضخم في الإمارات على النشاط الرياضي، بالإضافة إلى ذلك قامت الإمارات باستضافة الأحداث الرياضية الإقليمية والدولية، مثل كأس العالم للأندية والمؤتمر الدولي للمنشآت الرياضية الذي شاركت فيه أندية مانشستر سيتي وموناكو الفرنسي والأهلي المصري، وهو الأمر الذي أنفقت عليه الإمارات الكثير من الأموال، ومن ناحية الاستحواذ على الأندية العالمية، واستحوذت مجموعة "أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار" في عام 2008، على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بنحو 350 مليون دولار أمريكي، وفي عام 2013 تم تأسيس مجموعة "سيتي لكرة القدم" التي تضم مانشستر سيتي، ومجموعة من الأندية الأخرى منها: نيويورك سيتي الأمريكي، ملبورن سيتي الأسترالي، يوكوهاما مارينوس الياباني، وجيرونا الإسباني.

دوافع مهمة

هناك ثمة دوافع مهمة يرجع إليها زيادة الإنفاق الرياضي في العديد من الدول، والتي يُمكن تصنيفها إلى دوافع اقتصادية وأخرى سياسية، وهو ما سيتم توضيحه على النحو الآتي:

على المستوى الاقتصادي

(*) تنويع مصادر الدخل القومي: أثبتت التجارب الدولية إن انتعاش النشاط الرياضي داخل الدولة ينعكس على تنويع مصادر الدخل الاقتصادي بشكل كبير، ومن هنا زيادة معدلات النمو الاقتصادي داخل الدولة، إذ بدأ قطاع النفط يُحقق انكماشًا في المملكة العربية السعودية في فترة جائحة كورونا بشكل كبير؛ بسبب ما ترتب عليها من انخفاض الطلب العالمي على النفط، وهو الأمر الذي جعل المملكة تفكر في مصادر إضافية للدخل، وتهدف إلى تبني نموذج اقتصادي جديد يعتمد على السياحة والجذب والاستثمار، والذي يعتمد على ملف الرياضة كركيزة أساسية، وهو ما نتج عنه زيادة الإيرادات من 280.9 مليار ريال سعودي في الربع الأول من عام 2023 إلى 314.82 مليار ريال سعودي في الربع الثاني من عام 2023، وكما زادت إيرادات الإمارات العربية المتحدة خلال الربع الأول من عام 2023 إلى 115.6 مليار درهم، بحسب بيانات وزارة المالية.

(*) إنعاش قطاع السياحة: أصبحت الرياضة عنصر جذب رئيسي للسياحة في الدول التي تستضيف الأحداث الرياضية المهمة، وهو ما شكل دافعًا قويًا للدول للاهتمام بالنشاط الرياضي، إذ تعتبر الأحداث والبطولات الرياضية من الركائز الأساسية التي تسهم في نمو القطاع السياحي في دبي بشكل كبير، حيث ساهم في عام 2022 بنحو 9% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقرب من 167 مليار درهم، كما وصلت الطاقة الفندقية إلى 203 آلاف غرفة فندقية، كما أن ضم المملكة العربية السعودية للنجم البرتغالي" كريستيانو رونالدو" عمل على ترويج المملكة العربية كوجهة سياحية، إذ ارتفع عدد السياح القادمين إليها في الربع الثاني من 2022 إلى 3.6 مليون سائح، بنسبة ارتفاع 575.4% على أساس سنوي، الأمر الذي تسبب بارتفاع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي السعودي إلى 4.45%.

(*) جذب الاستثمارات الأجنبية: يُعد دافع استقطاب الاستثمارات الأجنبية مُحركًا أساسيًا لزيادة الإنفاق على النشاط الرياضي داخل الدولة، إذ زادت الاستثمارات داخل المملكة العربية السعودية إلى 2.2 مليار دولار في الربع الأول من عام 2023، بالمُقارنة بـ826 مليون دولار في عام 2020، كما ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر داخل الامارات العربية المتحدة 10% خلال عام 2022 مُقارنة بعام 2021، ليسجل 23 مليار دولار، وهو ما جعلها في المرتبة الـ16 بالتصنيف العالمي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

(*) زيادة الطلب المحلي: إن زخم الأحداث الرياضية، يعمل على تحريك الطلب المحلي وإنعاشه، فكما اتضح من الشكل (2) ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي داخل المملكة المتحدة على المعدات الرياضية، بالإضافة إلى ارتفاع الإنفاق في القطاع الخدمي وخاصة في قطاع الأطعمة والمشروبات خلال فترة بطولة كأس العالم، وهو الأمر الذي منع من تعرض الاقتصاد البريطاني للانكماش، إذ نما الاقتصاد 0.2% في الربع الثاني من 2023، مقارنة بـ0.1% في الربع الأول، وكان النمو مدفوعًا بنمو قطاع الخدمات بنسبة 0.1%، وكان ذلك بعد تعرض الاقتصاد للانكماش في أواخر عام 2022، وهو الأمر الذي يدفع المملكة المتحدة إلى تقديم طلب تنظيم بطولة كأس أمم أوربا "يورو 2028".

على المستوى السياسي

(*) نشر ثقافة الدولة: إن الدول المختلفة تتخذ الرياضة بشكل عام، ورياضة كرة القدم بشكل خاص ركيزة أساسية؛ للترويج لثقافاتها، فعند ارتفاع وتيرة مشاهدة الدوري الخاص بالدولة، تنتشر ثقافة الدولة بشكل واسع، وهو الأمر الذي يُعتبر عنصر جذب رئيسي للاستثمارات والسياحة، فمن المتوقع بشكل كبير أن ضم "كريستيانو رونالدو" لفريق النصر السعودي، سيزيد من مشاهدة المباريات الكروية للسعودية، وهو ما سيعمل على نشر الثقافة السعودية لكل دول العالم.

(*) تحسين العلاقات الخارجية: يُحتمل أن يكون إنفاق مليارات الدولارات على الرياضة في العديد من الدول، بهدف تحسين الصورة الذهنية الخارجية للدولة، الأمر الذي يعمل على تحسين علاقاتها مع العديد من الدول، إذ استخدمت ألمانيا كأس العالم 2006 لتحسين صورتها الخارجية التي تمثلت في عدم اعتراف الدول الأجنبية بالتطور الاقتصادي الذي حققته ألمانيا بسبب سلوكها العدواني في الحربين العالميتين، وكما كانت المملكة العربية السعودية يُعرف عنها الانغلاق وعدم انفتاحها على الثقافات الأخرى، ولكن مع التطور الهائل في الملف الرياضي السعودي، بدأت الصورة الذهنية الخارجية عن المملكة تتغير إيجابيًا، وهو ما سلط الضوء بشكل كبير على التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها، وبدأت أنظار العالم تتجه للمملكة وتعزيز العلاقات معها.

وتأسيسًا على ما سبق.. يتضح من هذا التحليل إن الانعكاسات الاقتصادية المهمة التي تترتب على الاهتمام بالملف الرياضي داخل الدولة، تُشكل الدافع الرئيسي وراء الإنفاق المتزايد على الرياضة في العديد من الدول، وهو ما يُشير إلى إن الأنشطة الرياضية أصبحت ركيزة أساسية داخل اقتصاديات الدول، وباتت محل تنافس شديد بين الدول وبعضها؛ لاستقطاب الأحداث الرياضية العالمية، لما يترتب عليها من زيادة الاستثمارات ومعدلات السياحة.