جاء قرار قادة دول تجمع بريكس خلال القمة الـ15 التي عُقدت بمدينة جوهانسبرج في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023 بضم ست دول من بينها ثلاث عربية هي: مصر والإمارات والسعودية، بالإضافة إلى إيران والأرجنتين وإثيوبيا، ليعكس ترجمةً لما جاء في البيان الصادر عن القمة وإشارته إلى تقدير قادة المجموعة للاهتمام الكبير الذي أبدته بلدان الجنوب العالمي بعضويتها، وأنه وفاءً لروح بريكس والتزامها بالتعددية الشاملة "توصلت دول البريكس إلى توافق في الآراء بشأن المبادىء التوجيهية، والمعايير والإجراءات لعملية التوسع".
وتعد عملية توسيع عضوية بريكس هي الثانية منذ تأسيس المجموعة من دول: الصين والهند وروسيا والبرازيل لتنضم إليها جنوب إفريقيا في 2010، والذي يعد الأول لها. وللمفارقة فإن جنوب إفريقيا التي شكل انضمامها التوسيع الأول لعضوية المجموعة، أصبحت هي الدولة التي استضافت قمة البريكس الأخيرة على أراضيها، وشهدت قرار التوسيع الثاني لتجمع بريكس، وهو الأمر الذي يعد تحولًا تاريخيًا، ونقطة تحول مفصلية في مسيرة تجمع بريكس، وسعيه لأن يكون صوتًا معبرًا عن قضايا دول الجنوب.
ترحيب عربي
في أول رد فعل على قرار دعوة بلاده، للانضمام إلى بريكس، بدءًا من يناير 2024، أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالإعلان، وأبدى اعتزازه بـ"ثقة دول التجمع التي تربطها بمصر جميعًا علاقات وثيقة، والتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة"، وتطرق بيان الرئيس المصري إلى تطلع القاهرة للتعاون كذلك مع الدول المدعوة للانضمام "لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية".
ورحبت أيضًا الإمارات بالانضمام لمجموعة بريكس، حيث أعرب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عن تقديره لقرار قادة المجموعة بضم أبو ظبي لعضوية "هذه المجموعة المهمة"، مشيرًا لتطلعه إلى العمل مع الدول الأعضاء "من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم".
فيما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 24 أغسطس 2023 إن "المملكة تثمن دعوة مجموعة بريكس للانضمام إليها، وندرسها، وستتخذ القرار المناسب، وأن المملكة تركز في سياستها الخارجية على بناء شراكات اقتصادية".
دلالات متعددة
هناك العديد من الدلالات التي تعكس انضمام الدول العربية الثلاث إلى تجمع بريكس في هذا التوقيت، وهو ما يمكن الإشارة إليه في العناصر الآتية:
(*) المشاركة العربية في التحولات الدولية: مثلت الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022 نقطة تحول في مسار العلاقات الدولية، لا سيما بعد أن أفرزت تلك الأزمة أنماطًا متنوعة للتحالفات الدولية الجديدة، ما بين تحالف تقوده الولايات المتحدة لدعم ومساندة أوكرانيا وقوامه الأساسي من الدول الغربية المساندة للحفاظ على الوضع الدولي الراهن. أما التحالف الثاني فإنه يتشكل من روسيا وحلفائها الساعين لتغيير النظام الدولي من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية. وبقيت دول مؤثرة تحافظ على حيادها من الأزمة كانت في طليعتها دول تجمع بريكس. كما انتهجت الدول العربية توجهًا إزاء الأزمة يقوم على الحياد أيضًا، ودعم جهود الوساطة لتسوية الأزمة بالطرق السلمية. وفي إطار ما يشهده النظام الدولي من تحولات تسعى من خلاله الدول الكبرى مثل الصين وروسيا للتحول نحو نظام متعدد الأقطاب، فإن انضمام الدول العربية لتجمع بريكس يضمن لها المساهمة في تلك التحولات، حتى وإن استمرت علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
(*) صوت لدول الجنوب العالمي: لا شك أن انضمام مصر إلى تجمع بريكس يعزز من أهمية صوت دول الجنوب العالمي، لا سيما وأن عدد من دول بريكس هم أعضاء في حركة عدم الانحياز التي تشكلت خلال فترة صراع الثنائية القطبية ما بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي.
ومع تحول النظام الدولي إزاء القطبية الأحادية، وفي ظل تزايد التوترات الناجمة عن التفاعلات الدولية في الوقت الراهن، يصبح تجمع بريكس داعمًا لرؤية دول الجنوب، لتحقيق تنمية دائمة ومستدامة وعادلة تسهم في الحد من استغلال الشمال لثروات دول الجنوب، وأن تتاح لدول الجنوب توطين التكنولوجيا والاستثمار الأنسب لثرواتها، فضلًا عن تبني إصلاح المنظومة المالية العالمية، وإصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته، ليصبح معبرًا عن الواقع الدولي الراهن وتوزيع معادلة القوة بداخله.
(*) تعزيز مناعة النظام الإقليمي العربي: يمثل انضمام ثلاث من الدول العربية الفاعلة داخل النظام الإقليمي العربي لتجمع بريكس، تعزيزًا لمناعة النظام الإقليمي العربي، الذي تتجاذبه العديد من التحديات، كان أبرزها طبيعة علاقته بدول الجوار العربي: إسرائيل وتركيا وإيران، ومع انضمام الأخيرة لتجمع بريكس، فإن ذلك ربما يسهم في تحييد التحديات التي تواجه العلاقات العربية الإيرانية، وأبرزها التدخلات في سوريا والعراق واليمن.
وربما يعزز أيضًا من الانفراجة التي حدثت عقب توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية ليصل إلى دول عربية أخرى، وهو ما جعل العديد من المراقبين يعتبرون الانخراط الصيني في تسوية مشكلات المنطقة بالطرق السلمية، تعزيزًا لمكانتها على المستوى الدولي، وملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة الأمريكية.
ومع اتجاه دول الإقليم نحو المصالحات، وانخراط الدول العربية الفاعلة في التجمعات الاقتصادية البازغة مثل بريكس، فإن كل ذلك سيصب في تعزيز مناعة النظام الإقليمي العربي.
(*) تنويع الشراكات الاقتصادية العربية: يمثل انضمام الدول العربية الثلاث تعزيزًا للروابط الاقتصادية مع التجمعات الدولية المؤثرة على توجهات الاقتصاد الدولي، لا سيما وأنه وفقًا للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، في مؤتمر صحفي بختام القمة، أضحى تجمع بريكس بعد انضمام الدول الست، يستحوذ على مكانة اقتصادية مؤثرة تستحوذ على نسبة 37% من الناتج العالمي الإجمالي من حيث تعادل القدرة الشرائية، بعد أن كانت 32% فقط، و46% من حيث عدد سكان العالم بعد أن كانت 42% فقط. كما تضم بريكس دولًا متنوعة في توجهاتها الخارجية ما بين الصين التي تنافس الدول الغربية على قمة النظام الدولي باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات الويات المتحدة الأمريكية، والهند التي تتحالف مع الدول الغربية خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبرها حليفًا استراتيجيًا لها وتسعى من خلال ذلك التحالف لموازنة النفوذ الصيني، فضلًا عن روسيا التي تعتبر أن توسيع عضوية بريكس يصب في مصلحة الحد من العقوبات الغربية عليها بعد اندلاع الأزمة مع أوكرانيا. ومع امتلاك الدول العربية الثلاث المنضمة لبريكس شراكات اقتصادية مع الدول الكبرى، والتي تتمتع أيضًا بعضوية بريكس وهي الصين والهند وروسيا فإن ذلك سيصب في مصلحة تعزيز المنافع بين الجانبين.
(*) تعزيز أمن الطاقة: تستحوذ دول تجمع بريكس بعد انضمام الدول الست، على 42% من إنتاج النفط و38% من إنتاج الغاز، و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمي. كما يشتمل تجمع بريكس على دول تعد من أكبر منتجي النفط مثل روسيا والسعودية والإمارات، وكذلك تمثل روسيا وإيران، أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي عالميًا.
كما تتجه مصر نحو التحول لمركز إقليمي للطاقة، وتعد الصين والهند من أكبر الدول المستوردة للطاقة، هذا الواقع يضع تجمع بريكس في قلب تأمين إمدادات الطاقة على المستوى العالمي، بما يعزز من القوة الاقتصادية للتجمع التي ستنعكس على تعزيز أمن الطاقة، في ظل محورية منطقة الخليج العربي كرافد رئيسي للطاقة على المستوى العالمي.
مجمل القول؛ إن انضمام الدول العربية الثلاث "مصر والسعودية والإمارات" بعد توجيه الدعوة لست دول لعضوية بريكس من بين نحو 23 دولة تقدمت رسميًا بطلبات للانضمام إلى التجمع، بجانب العديد من الطلبات غير الرسمية، يعكس أهمية التجمع في هذا التوقيت كي يصبح قاطرة لتحقيق التنمية المستدامة والعادلة وصوتًا مدافعًا عن قضايا دول الجنوب العالمي، ويؤشر أيضًا إلى إرهاصات التحول نحو نظام دولي جديد لا يزال قيد التشكيل، لابد أن يكون للعرب مكانتهم اللائقة داخل تراتبيته، بما يمتلكونه من مقومات مؤثرة للقوة الشاملة.