تشهد العاصمة الفرنسية باريس تهديدًا غير مسبوق، إذ تم لأول مرة رش المبيدات الحشرية في بعض أحيائها عن طريق الدخان، للقضاء على غزو بعوضة النمر الناقلة للأمراض الاستوائية الخطيرة، وتأتي هذه الخطوة بعد تسجيل حالتي إصابة بحمى الضنك في العاصمة الفرنسية.
يسلط هذا الحدث الضوء على تفشي حشرة البعوض النمري بشكل مُتسارع في أنحاء أوروبا، بفعل تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، إذ وصل هذا البعوض الناقل للعدوى من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا في بداية الألفية الجديدة، واستقر في فرنسا وألمانيا وسويسرا.
يُعتبر تفشي هذه الحشرة الناقلة لأمراض الضنك وحمى زيكا وشيكونجونيا، تحديًا صحيًا كبيرًا، لما لها من قدرة على نقل العدوى عبر الإنسان.
التحدي الجديد لفرنسا
وبحسب ما أشارت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية، تعيش فرنسا حاليًا ظاهرة غير مسبوقة مع انتشار بعوضة النمر الناقلة للأمراض في العديد من مناطقها، فقد أجرت سلطات الصحة الباريسية لأول مرة عمليات رش للمبيدات الحشرية في أحياء من العاصمة، بعد تسجيل حالتي إصابة بحمى الضنك لدى شخصين عادا من رحلات إلى الخارج.
وتهدف هذه الخطوة إلى منع انتشار العدوى بين السكان المحليين عبر لدغات بعوض النمر الحامل للفيروس، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها العاصمة الفرنسية مثل هذه العمليات الوقائية ضد هذه الحشرة الناقلة للأمراض.
ظهور بعوض النمر في فرنسا لأول مرة
يُعتبر ظهور بعوض النمر في فرنسا لأول مرة عام 2004 في جنوب البلاد، ومنذ ذلك الحين، استطاع هذا البعوض ذو الأصل الاستوائي الانتشار بشكل ملحوظ في 71 من أصل 96 إقليمًا فرنسيًا، بل إنه وجد حاليًا بالقرب من السواحل الشمالية المحاذية لقناة المانش.
تأثير تغير المناخ على انتشار البعوض
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، تعزو السلطات الصحية الفرنسية هذا الانتشار السريع لبعوض النمر إلى تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة في أوروبا، إذ أصبحت فصول الشتاء أكثر اعتدالًا وغير قاتلة لبيوض هذه الحشرة، بينما اختصرت فصول الصيف فترة تكاثر وتكوين فراخها.
يشير الخبراء إلى أن تغير المناخ لعب دورًا رئيسيًا في انتشار بعوض النمر خارج مناطقه الأصلية في جنوب شرق آسيا والوصول إلى أوروبا، فقد أدت درجات الحرارة الدافئة إلى تخفيف شدة فصول الشتاء، ما سمح للبيوض واليرقات بالبقاء على قيد الحياة.
وتشير ماري كلير باتي، المديرة التنفيذية لوحدة مراقبة أمراض انتقال العدوى عبر المتوسطات بمنظمة الصحة العامة الفرنسية، لصحيفة لو فيجارو، إلى أن درجات الحرارة المتزايدة قصرت مدة دورة حياة البعوضة، ما أتاح لها إجراء أكثر من دورة تكاثر خلال الموسم.
انتشار البعوض إلى مناطق جديدة
كما يلاحظ الباحثون أن تغيرات المناخ ساعدت على انتشار حاملي العدوى، مثل البشر إلى مناطق جديدة، حيث يمكن للمسافرين نقل الفيروسات معهم إلى أوروبا؛ ما زاد من فرص لقاء البعوض مع حامل العدوى الذي يلدغه.
وبالتالي، يمكن القول إن تغير المناخ ساهم في تسريع انتشار بعوض النمر إلى أوروبا ووصوله حتى إلى العواصم مثل باريس، مما يشكل تحديًا صحيًا جديدًا لا بد من التصدي له.
تحديات مواجهة انتشار البعوض
تواجه مكافحة انتشار بعوض النمر العديد من التحديات، منها صعوبة السيطرة على انتشاره؛ بسبب قدرته على التكيف مع مُختلف البيئات ووضع بيوضه في أماكن متنوعة، كما أن فعالية عمليات رش المبيدات محدودة وقصيرة الأمد قبل عودة البعوض مرة أخرى، كذلك تواجه الجهود مقاومة بعض سلالاته للمبيدات، بالإضافة إلى صعوبة التوعية العامة ونقص التمويل لبرامج المتابعة والمكافحة على المدى البعيد.