قررت "هاجر" أن تترك قريتها بصحبة ابنها بحثًا عن حياة جديدة، لكنها تصطدم برحلة مليئة بالشقاء والمعاناة، فهل تصل إلى وجهتها وتحقق ما تريده؟.. هذا ملخص قصة فيلم "الحياة ما بعد" للمخرج الجزائري أنيس جعاد، والذي حصل به على ثلاث جوائز من مهرجان أيام قرطاج السينمائية التي انقضت فعالياته يوم 5 نوفمبر الماضي، وهي جوائز؛ العمل الأول "الطاهر شريعة"، وجائزة تي في 5 موند، إلى جانب جائزة الجامعة الإفريقية للنقد التي تمنحها الفيدرالية الإفريقية للنقد السينمائي.
ما الذي دفع أنيس جعاد لتوثيق رحلة "هاجر"؟.. وكيف اكتشف تفاصيل معاناتها؟.. وكيف كان رد فعل الجمهور التونسي على العمل؟
في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" ردَّ أنيس جعاد على هذه الأسئلة، وكشف لنا عن رأيه في الوضع السينمائي للجزائر حاليًا، وتفاصيل أخرى في هذا الحوار:
في البداية.. كيف رأيت فوز فيلم "الحياة ما بعد" بثلاث جوائز بمهرجان أيام قرطاج السينمائية؟
يمنحني هذا التقدير شعورًا متناهيًا بالفخر، ويتضاعف فخري بسبب عراقة التاريخ بين الجزائر ومهرجان أيام قرطاج السينمائية المرموق، بالإضافة لحيازة الفيلم على عدة جوائز منها التانيت الذهبي للعمل الأول التي تحمل اسم "الطاهر شريعة"، ما يجعلها تُمثل النزاهة وحب السينما، وهذا يرضيني كثيرًا.
كيف كان رد فعل الجمهور التونسي على العمل؟
لم أتوقع هذا الاستقبال مُطلقًا، شعرت وكأن تونس تتحدث بأكملها عن الفيلم، لأن المشاهدين كانوا يأتون تباعًا لتهنئتي والممثلين على تميز الفيلم، ويمكنني قول إن الفيلم أثار ضجة في ثلاثة عروض بالتحديد، في قاعة الأوبرا وسينما ABC وسينما سينيمدار، إذ وجدت نفسي أواسي المشاهدين الذين يبكون، وعلمت بتأثير الفيلم أيضًا في نزلاء سجون "المنستير" و"بنزرت"، حيث رأى الكثير من المشاهدين التونسيين أنفسهم في قصة الفيلم، ويقودني هذا للفكرة نفسها كل مرة، أن الجزائري يعيش ما يعيشه التونسي بالضبط.
كم استغرق التحضير للعمل.. وما الصعوبات التي واجهتك؟
استغرق تحضير الفيلم عامين إن وضعنا في الاعتبار الوقت المستغرق في كتابة السيناريو، بينما استغرق تحضير التصوير واختيار طاقم الممثلين نحو شهرين، ولم نواجه حقًا أي صعوبات كبيرة، فقط بعض العقبات المناخية خلال تصوير بعض المشاهد الساحلية، حيث أدى ذلك لتعطيلنا 21 يومًا بسبب الجو العاصف.
كما كانت هناك صعوبات أخرى على المدى الأبعد في فترة ما بعد التحضيرات؛ لأن الميزانية كانت بالكاد تكفي التصوير، لكن فكرة الفيلم وجودته مكّنتنا لاحقًا من تلقي مساعدات، ولولا هذا لما ظهر الفيلم للنور.
من أين جاءت لك قصة العمل؟
ظهرت فكرة الفيلم عن طريق المصادفة، أثناء وجودي على متن القطار في طريقي إلى مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، إذ رأيت قرية نائية بعيدة، وتساءلت عند رؤيتها عن مصير امرأة إن انتشر عنها شائعة تمس سمعتها في مكان كهذا، ومن هنا بدأت كتابة سيناريو وكان اسمه في البداية "هاجر" قبل أن يكون الاسم في النهاية "الحياة ما بعد".
كيف ترى الوضع السينمائي في الجزائر؟
كان الحال مثل الجميع حولنا، تأثر تمويل الفيلم بالوضع الصحي المنتشر، حيث تم تقديم العديد من السيناريوهات إلى لجان التقييم مما تسبب في تأخير شديد بتقييم وقبول المشروعات، وهذه الظروف مجتمعة تضر بممولين المشروعات السينمائية حقًا.
ونظرًا لانخفاض معدل إنتاج الأفلام، يقع المخرجون في حيرة لعدم معرفتهم متى سيمكنهم تصوير أفلامهم المقبلة، لذلك أرى أنه من الضروري العمل على تقصير مدة تقييم الأفلام عن طريق تنظيم أدوار المسؤولين ونسب الأرباح، وإلا سنعلق جميعًا في الأزمة ذاتها.
كيف كان اختيارك لأبطال العمل؟
نظّمنا جلسة اختيار الممثلين في دار العرض التي صوّرنا بها، ولم نواجه مشكلات في الأدوار الثانوية والصغيرة؛ لأن مدينة "مستغانم" الجزائرية مليئة بالمواهب المسرحية الشابة، وكان أكبر ما يشغلني هو الدور الرئيسي، "هاجر"، إذ لم يكن لدينا اختيارات عديدة من الممثلات في تلك الفئة العمرية، حين اخترنا الممثلة لدور "هاجر" تبقى لنا إقناعها ببعض المشاهد التي ظنت أنها جريئة بعض الشيء، وهنا كان دوري أن أطمئنها بخصوص طريقتي في التصوير وأنني لا أحب الابتذال في السينما.
هل هناك خطة للوجود في مهرجانات أخرى؟
وصلنا لأن نكون ضمن اختيارات عشرة مهرجانات حتى الآن، وأتمنى أن تفتح لنا جوائز قرطاج المزيد من الأبواب مستقبلًا، حيث حضر المهرجان العديد من منظمي المهرجانات وهنأنا بعضهم على الفيلم، وذلك بالإضافة إلى مجهودات المنتجين والموزعين لتسويق الفيلم بهدف ظهوره في مهرجانات أخرى، وبالنسبة لي سأستمر في إرسال الفيلم إلى الثلاثة مهرجانات التي شاركت بها أفلامي القصيرة السابقة ومُنحت جوائز، فكل هذه طرق جيدة نتبعها لإلقاء المزيد من الضوء على الفيلم للجماهير المختلفة.
ماذا عن أعمالك المقبلة؟
أثناء انتظاري للتمويل العام لفيلمي الروائي الطويل الثاني "أرض الانتقام"، وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق، صوّرت فيلمًا قصيرًا بعنوان "ليلة عابد" بالمال الذي تمكنت من جمعه من الممولين بالقطاع الخاص، ومن المرجح أن يكون جاهزًا للعرض خلال الأشهر المقبلة.
وكل ما تبقى هو الحصول على الميزانية المناسبة للفيلم الروائي الثاني، آملًا في بدء تصويره خلال عام 2023، ففي مجال السينما علينا اعتياد وتعلم الصبر بعض الشيء، وآمل ألا يطول الصبر عن الحدود لأن الفيلم يستغرق وقتًا طويلًا في إنتاجه.