ظهرت أستراليا أخيرًا كشريك رئيسي في الجهود الأمريكية، لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية، ويعمل البلدان على تعزيز علاقتهما الاستراتيجية، من خلال زيادة التعاون العسكري ومبادرات الدفاع المشترك وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي الأسترالية.
استجابة للنفوذ الصيني
أضافت المجلة أن تلك الشراكة المتنامية تأتي استجابة للنفوذ الاقتصادي والعسكري المتوسع للصين، الذي أثار المخاوف بين الدول المجاورة ودفع إلى الحاجة إلى شبكة أمنية إقليمية أقوى، وهنا يظهر دور "كانبيرا" كحليف يمكن الاعتماد عليه، بسبب علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة، وتعاونها الاستخباراتي المشترك واستعدادها للمساهمة في الجهود العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة.
تفعيل تحالف "أوكوس"
التحديث الأخير للقواعد العسكرية الأسترالية لاستيعاب المزيد من القوات الأمريكية والسعي للحصول على أسلحة متقدمة، يؤكد التزام أستراليا لتفعيل تحالف "أوكوس" بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، وتعد اتفاقية الدفاع المشترك الخاصة بالتحالف خطوة مهمة في هذا الاتجاه، إذ يركز التحالف على تطوير الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية والتعاون التكنولوجي المشترك.
التوازن بين الضرورة الأمنية والمصالح الاقتصادية
تكمن الأهمية الجيوسياسية لأستراليا في موقعها الاستراتيجي، فمن خلاله تستطيع واشنطن بسط القوة الأمريكية في آسيا، مع البقاء خارج النطاق المباشر لمعظم الأسلحة الصينية، وتدرك الحكومة الأسترالية أهمية الحفاظ على موقف دفاعي قوي في مواجهة الصين، وهي على استعداد للقيام باستثمارات كبيرة لتحقيق هذه الغاية، ومع ذلك هناك مخاوف بشأن الاستدامة المالية لجهود التحديث العسكري الأسترالية والتحديات المحتملة لدمج التقنيات الأمريكية المتقدمة، وبينما ينظر غالبية الأستراليين إلى الصين باعتبارها تهديدًا وليس شريكًا اقتصاديًا، ترى "إيكونومست" أنه يجب على الحكومة الأسترالية أن تأخذ في الاعتبار علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الصين، إذ تشهد الصادرات الأسترالية إلى الصين ازدهارًا ويعتبر الحفاظ على هذه العلاقات الاقتصادية أمرًا ضروريًا لازدهار البلاد، كما أن تحقيق التوازن بين الضرورة الأمنية والمصالح الاقتصادية مهمة معقدة تتطلب التنقل الدقيق.
تحديات أمام التحالف مع واشنطن
يطالب منتقدو الشراكة الأسترالية الأمريكية باتباع نهج أكثر حذرًا يركز على الدفاع عن المياه باستخدام وسائل أقل تكلفة، ويشيرون إلى أن السعي لتحقيق التفوق بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة غير مستدام ويؤدي إلى تشابكات غير مقصودة، ولا يخلو التحالف الأسترالي الأمريكي من التحديات على المستويين المحلي والإقليمي، فعلى المستوى الداخلي لا بد من معالجة المخاوف بشأن العبء المالي الذي تفرضه الأسلحة المتقدمة واحتمالات التورط في صراعات عسكرية، وعلى المستوى الإقليمي تنظر دول أخرى إلى التحالف على أنه يُسهم في التوترات الإقليمية بدلًا من الاستقرار، بحسب المجلة البريطانية.
وفي النهاية، يمثل التوجه الاستراتيجي لأستراليا وشراكتها مع الولايات المتحدة استجابة محسوبة بعناية للديناميكيات المتغيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعلى الرغم من المخاطر والتحديات التي ينطوي عليها الأمر، فإن أستراليا ترى أن التحالف وسيلة لتأمين مصالحها والمساهمة في الاستقرار الإقليمي وتحقيق التوازن في علاقتها مع قوة الصين الصاعدة، ومن المرجح أن تختبر السنوات المقبلة مرونة وفعالية هذه الشراكة المتطورة في مواجهة مشهد جيوسياسي مُعقد.