تسارعت إجراءات التحول الرقمي والشمول المالي في الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة، إذ إن العصر الحالي وما يشهده من تطورات تكنولوجية، فرض أن تكون هذه الإجراءات قائدة للنمو الاقتصادي في البلدان النامية، خاصة مع زيادة دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات الرقمية، وهو ما نتج عنه حدوث قفزة في معدلات النمو لمجموعة من القطاعات المهمة: قطاع الخدمات المصرفية، وشركات المدفوعات الإلكترونية، وقطاع التمويل متناهي الصغر، الأمر الذي كان وسيكون له العديد من المردودات الإيجابية على الاقتصاد المصري.
في ضوء ما سبق يتناول هذا التحليل حجم التطور والنمو في الخدمات المصرفية داخل الدولة المصرية، وتوضيح التطور المُتنامي لشركات المدفوعات الإلكترونية، وما يترتب على ذلك من مردودات اقتصادية مهمة.
نظرة تحليلية:
حدث في الفترة الأخيرة نمو كبير في عدد الخدمات المصرفية وتطور في نتائج أعمال إحدى شركات المدفوعات الإلكترونية، وهو ما سيتم توضيحه على النحو التالي:
(*) قطاع الخدمات المصرفية: حدث تطور كبير في القطاع المصرفي المصري بتطبيق معايير بازل (3،2،1) للرقابة المصرفية، وحقق طفرة واسعة في الخدمات المصرفية التي يُقدمها والتي تدعم التحول الرقمي، ومن هذه الخدمات المحفظة الإلكترونية وماكينات الصراف الآلي، وخدمات الإنترنت البنكي عبر الهواتف الذكية، وخدمات إصدار بطاقات الدفع الإلكترونية وخدمات التحصيل الإلكتروني.
فقد زادت عدد الخدمات المصرفية خلال الفترة الأخيرة، كما يوضح الشكل رقم (1)، إذ ارتفع عدد بطاقات الخصم من 16.01 مليون بطاقة في يونيو 2019 إلى 22.9 مليون بطاقة في يونيو 2022، كما ارتفع عدد البطاقات المدفوعة مُقدمًا من 12.9 مليون بطاقة إلى 28.3 مليون بطاقة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد بطاقات الائتمان من 3.2 مليون بطاقة إلى 4.8 مليون بطاقة، وتسبب نجاح قطاع الخدمات المصرفية في مساهمة قطاع الخدمات بقدر كبير في الناتج المحلي الإجمالي بمصر، إذ تجاوز نسبة الـ50%.
كما ارتفع عدد ماكينات الصراف الآلي وعدد نقاط البيع كما يوضح الشكل رقم (2)، إذ ارتفع عدد ماكينات الصراف الآلي من 12.7 ألف ماكينة في يونيو 2019 إلى 21.5 ألف ماكينة في يونيو 2022، حتى ارتفعت إلى 21.9 ألف في ديسمبر 2022، كما ارتفعت نقاط البيع من 79.9 ألف في يونيو 2019 إلى 21.4 ألف في يونيو 2022، وإلى 198.8 ألف نقطة بيع في ديسمبر 2022، وبقراءة هذه الأرقام يتضح تزايد إجراءات التحول الرقمي داخل القطاع المصرفي بشكل ملحوظ.
(*) تطور شركات المدفوعات الإلكترونية: الإجراءات المتسارعة للدولة المصرية في تحقيق التحول الرقمي والشمول المالي، ودعم شركات المدفوعات الإلكترونية، كذلك التوجه نحو الاقتصاد الرقمي من خلال تقديم شبكة متطورة لإجراء المدفوعات إلكترونيًا، حقق طفرة في معدلات الإيرادات الخاصة بهذه الشركات، خاصة شركة فوري – الشركة الرائدة في حلول الدفع الإلكتروني والخدمات التمويلية الرقمية- التي حققت نموًا كبيرًا في الإيرادات، خلال النصف الأول من عام 2023 كما يوضح الشكل رقم (3)، إذ ارتفعت من 1.01 مليار جنيه في النصف الأول من عام 2022 إلى 1.4 مليار جنيه، خلال النصف الأول من عام 2023، أي ارتفعت بنسبة 42% على أساس سنوي، وخلال الربع الثاني من 2023، ارتفع حجم الإيرادات من 531.3 مليون جنيه في الربع الثاني من عام 2022 إلى 768.5 مليون جنيه في الربع الثاني من 2023، كما ارتفع صافي الربح المُعدل إلى 327.9 مليون جنيه، إذ حقق معدل نمو سنوي 290.4%، وكانت تلك المؤشرات نتيجة لزيادة عدد المعاملات لدى الشركة إلى 748.6 مليون معاملة.
واحتل قطاع الخدمات المصرفية الصدارة للقطاعات المساهمة في نمو إيرادات الشركة بنسبة 52% من إجمالي الإيرادات بقيمة 547.7 مليون جنيه، خلال النصف الأول من عام 2023، بنسبة ارتفاع بلغت 70% مُقارنة بالنصف الأول من عام 2022، ويُسهم القطاع بنسبة 52% في نمو الإيرادات المُجمعة للشركة، بسبب زيادة أنشطة قبول المدفوعات من 125.01 مليون جنيه في النصف الأول من عام 2022 إلى 255.08 مليون جنيه في النصف الأول من عام 2023، ومثلت المدفوعات الرقمية البديلة ثاني مساهم في نمو إيرادات الشركة، إذ ارتفعت حجم إيراداتها من 277.8 مليون جنيه في الربع الأول من عام 2023 إلى 304.9 مليون جنيه في الربع الثاني من عام 2023 كما يوضح الشكل رقم (4)، أي حققت معدل نمو على أساس ربع سنوي قيمته 9.8%، بينما النمو على أساس سنوي بلغ 16.7%.
وفي مجال التمويل متناهي الصغر، ازدادت قيمة هذا التمويل من شركات المدفوعات الإلكترونية، إذ تسهم في تقديم قروض صغيرة للأفراد الذين لا يتمكنوا من الحصول على الائتمان من القطاع المصرفي من خلال خدمة الإقراض الرقمي، وهو ما يُساعدهم في تنفيذ مشروعاتهم الإنتاجية المُختلفة، ومن هنا فقد ارتفع التمويل متناهي الصغر لشركة فوري من 58.1 مليون جنيه في الربع الثاني من 2022 إلى 85.9 مليون جنيه في الربع الثاني من 2023، ونتيجة لذلك حدث نمو كبير في أرصدة التمويلات متناهية الصغر في بداية عام 2023، إذ ارتفعت إلى 74.8 مليار جنيه في الربع الأول من عام 2023، بالمُقارنة بـ63.1 مليار جنيه في الربع الأول من عام 2022، بالإضافة إلى الدور الكبير لشركة أمان في تقديم التمويل المتناهي الصغر، من خلال التعاون مع البنوك المصرية في تقديم هذه القروض، إذ نجحت الشركة في تمويل 360 ألف مشروع متناهي الصغر بإجمالي تمويلات 5.6 مليار جنيه.
مردودات إيجابية:
الإنجازات التي حققتها الدولة المصرية والقطاعات المذكورة سابقًا في التحول الرقمي، جاءت مقترنة بتحقيق مجموعة من المردودات الإيجابية، يتمثل أهمها فيما يلي:
(&) ارتفاع الإيرادات العامة: ارتفع المعدل السنوي للإيرادات بنحو 14.6% خلال يوليو – ديسمبر 2022/2023 مقابل نفس الفترة من العام الماضي، إذ ارتفعت من 499.7 مليار جنيه إلى 572.6 مليار جنيه، كما ارتفعت إلى 929.5 مليار جنيه خلال آخر 6 أشهر من العام المالي 2022/2023، إذ يوضح الشكل رقم (5) الاتجاه التصاعدي لحجم الإيرادات المصرية خلال الخمس سنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 388.3 مليار جنيه في الفترة من يوليو – ديسمبر 2018 إلى 1.1 تريليون جنيه في عام 2021، وهو ما يدل على التطور الكبير في إيرادات الدولة المصرية، الذي يرجع جزء كبير منه إلى ارتفاع إيرادات القطاعات المختلفة في الدولة وما نتج عنها من ارتفاع الإيرادات الضريبية في الموازنة العامة، نتيجة تشعب إجراءات التحول الرقمي داخل القطاعات والشركات المختلفة.
(&) ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي: هناك علاقة اقتصادية قوية بين تطبيق إجراءات التحول الرقمي والشمول المالي داخل الدولة المصرية وبين تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي، إذ إن زيادة الخدمات المصرفية الإلكترونية بشكل كبير وارتفاع وتيرة المدفوعات الرقمية البديلة، يعمل على تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي داخل الدولة المصرية، فيُلاحظ من الشكل رقم (6) تحقيق مصر معدلات عالية من النمو الاقتصادي باستثناء فترة تفشي فيروس كورونا في عام 2020، لكن بدأت مصر بعد ذلك تحقق تصاعدًا قويًا في معدلات النمو بلغ 7.3% في نهاية عام 2021، و8.3% في يناير 2022، وعلى الرغم من انخفاض معدلات النمو في الربع الرابع من 2022، إذ سجلت 3.9 %، إلا أنها ما زالت مرتفعة عن معدلات النمو في الدول الأخرى، إذ سجلت ألمانيا انكماشًا قدره 0.4 % في الربع الرابع من عام 2022، وهو ما يوضح تعافي الاقتصاد المصري بشكل كبير في ظل الأزمات العالمية.
(&) تطور القطاع المصرفي: نتيجة التوسع في الخدمات المصرفية المميكنة، حدث تطور كبير في القطاع المصرفي، فقد ارتفعت الودائع من 8.58 تريليون جنيه في ديسمبر 2022 إلى 9.13 تريليون جنيه في فبراير 2023، كما ارتفع مؤشر متوسط نسبة السيولة بالعملة المحلية من 40.3% في 2018 إلى 43.3% في ديسمبر 2022، وهو ما يعكس السلامة المالية للقطاع المصرفي المصري.
(&) انخفاض معدلات البطالة: انعكس تزايد اتجاه الشركات المختلفة نحو منح التمويل متناهي الصغر، وبإجراءات مبسطة ومميكنة من خلال الحلول الرقمية المختلفة، على انخفاض معدلات البطالة في مصر، إذ انخفضت إلى 7.1 % خلال الربع الأول من عام 2023، بالمُقارنة بمعدل 7.2% خلال الربع السابق من هذا العام، إذ تنامي حجم التمويل متناهي الصغر خارج القطاعات المصرفية بشكل كبير، وهو ما تسبب في انخفاض معدلات البطالة.
(&) إنعاش التجارة: اتجاه شركات المدفوعات الإلكترونية نحو دمج شبكة التجارة المعتمدين في منصتها الإلكترونية، مع بناء مواقع إلكترونية وقبول طرق دفع متنوعة، وتسهيل دمجهم مع شبكة قنوات الشحن والتوصيل، وتحصيل المدفوعات أون لاين، وتسهيل تحويل مرتبات الموظفين عن طريق منصتهم الإلكترونية، وتمكين التجار من شراء البضائع من خلال نقاط البيع أو تطبيق الأندرويد- من المرجح أن يسهم في تيسير الأعمال التجارية، وإنعاش التجارة الداخلية والخارجية بشكل كبير، إذ تقوم الشركات الإلكترونية بدور الوسيط بين أصحاب المشروعات الصغيرة وبين الشركات الكبرى.
في النهاية يُمكن القول إن إجراءات التحول الرقمي وميكنة الخدمات المُختلفة، لها العديد من الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد المصري، لما ينتج عنها من سرعة المعاملات، وتقليل التكاليف، ومن ناحية أخرى فإن تنامي دور القطاع الخاص المُتمثل في شركات المدفوعات الإلكترونية تسبب في تطور إجراءات التحول الرقمي بالدولة، وتنامي الإيرادات داخل الاقتصاد المصري.