على بُعد مئات الأمتار فقط من أوكرانيا، تقع مولدوفا التي تشكل جبهة صراع محتملة جديدة، مع روسيا، خاصة بعد تصاعد التوتر، الذي جاءت آخر تطوراته بإعلان وزارة الدفاع الروسية، اليوم الجمعة، حظر موسكو دخول مسؤولين من مولدوفا إلى البلاد.
تدهور العلاقة بين روسيا ومولدوفا، التي تقول إن حكومتها موالية لأوروبا، زاد بشكل حاد بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتكمُن أهمية مولدوفا، التي كانت جمهورية صغيرة بالاتحاد السوفيتي سابقًا، في مشاركتها الحدود مع أوكرانيا ورومانيا، العضو بحلف شمال الأطلسي "الناتو".
قبل يومين فقط من إعلان روسيا منع مسؤولين من مولدوفا من دخول البلاد، خرجت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، لتؤكد ثقة موسكو في عودة العلاقات مع كيشيناو إلى المستوى السابق، وذلك تعليقًا على طرد دبلوماسيين روس منها.
وقالت إن ما يحدث مع مولدوفا "غير طبيعي".. "بالتأكيد تلك العمليات الجارية حاليًا في مولدوفا هي عمليات غير طبيعية، مصطنعة، من صنع الإنسان، اخترعتها رئيسة مولدوفا مايا ساندو".
وأكدت أنه بالنسبة لشعبي البلدين فلا يوجد أي شروط مسبقة تشير إلى وجود تناقضات عميقة، وأن كل شيء سيكون على ما يرام.
وقبل تعليق زاخاروفا، أكدت الخارجية الروسية، أن طرد الدبلوماسيين الروس، من مولدوفا سيكون له عواقب على العلاقات الثنائية، وسيؤثر على مواطني البلدين، بحسب وكالة "سبوتنيك".
استدعاء سفير مولدوفا
واستدعت الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، سفير مولدوفا، وأبلغته باحتجاجها على قرار تخفيض عدد موظفي السفارة الروسية لدى كيشيناو.
وبدأت الأزمة الأخيرة عندما أعلنت مولدوفا طرد 45 موظفًا ودبلوماسيًا روسيًا، بسبب ما أسمته "التوترات المستمرة والأعمال العدائية"، إثر اتهام من الحكومة إلى روسيا بالتجسس ودعم جماعات المعارضة.
ونفت روسيا تهمة التجسس في يوليو الماضي، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إن الاتهامات المزعومة الموجهة ضد السفارة الروسية بالتجسس لا أساس لها ولا تمت للواقع بصلة، وأن جميع الدبلوماسيين الروس ملتزمون باتفاقية فيينا بشكل صارم.
ووصفت زاخاروفا الاتهامات بأنها "تأليف ونوع من القصص الخيالية ولا علاقة لها بالواقع".
حقائق عن مولدوفا
ازداد الخوف لدى مولدوفا من روسيا بعد بدء العملية العسكرية الروسية، وخاصة أنها دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 3 ملايين نسمة، رغم أن عدد المولدوفيين أكبر من ذلك، فنسبة كبيرة منهم تعمل في الخارج، ما يجعل التقدير الفعلي لعددهم أمرًا صعبًا، بحسب "دويتشه فيله".
وبعد بدء العملية العسكرية الروسية الأوكرانية، أصبحت مولدوفا البلد الأوروبي الأكثر استقبالًا للاجئين من أوكرانيا، مقارنة بعدد السكان، إذ استقبلت نحو 450 ألف لاجئ.
وحازت مولدوفا على استقلالها من الاتحاد السوفيتي عام 1991، بعد تفكيكه، ولغتها الرسمية هي الرومانية، إذ تشترك معها في الحدود من ناحية الغرب، ومع أوكرانيا من الشرق والجنوب، وبالتالي فهي لا تمتلك إطلالة على البحر الأسود.
وحتى 1940 كانت مولدوفا جزءًا من رومانيا، وبعد الغزو السوفيتي، تم إنشاء الجمهورية المولدوفية السوفيتية الاشتراكية، وبالتالي فكل مواطنيها ينحدرون من رومانيا، ويتاح لكل مواطن مولدوفي من أصول رومانية الحصول على جواز روماني، وبالتالي يصبحون مواطنين في الاتحاد الأوروبي، بما أن رومانيا عضوة في الاتحاد الأوروبي منذ 2007.
أزمة المنطقة الانفصالية
توجد المنطقة الانفصالية ترانسنيستريا أو إقليم ترانس-دنيستر، شرق مولدوفا على جزء من حدودها مع أوكرانيا، التي انفصلت بحكم الأمر الواقع عام 1992 بعد مواجهات قصيرة مع الجيش.
ورغم إعلان نفسها أنها مستقلة، يعتبرها المجتمع الدولي جزءًا من مولودوفا، إلا أن روسيا تدعمها بقوة رغم أنها لا تعترف باستقلالها عن مولدوفا، وتمتلك روسيا قوات في الإقليم وتجري تدريبات بشكل دوري هناك.
ويتحدث نحو 60% من سكان المنطقة الانفصالية اللغة الروسية، وتملك ما يعرف بـ"جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية" برلمانًا خاصًا بها، في حين يتحدث باقي السكان اللغتين الرومانية والأوكرانية.
وتتخوف مولدوفا منذ بدء الصراع الروسي الأوكراني، من تكرار موسكو للمبرر ذاته الذي أعلنته للسيطرة على دونباس الأوكرانية، وتقوم بالتدخل في ترانسنيستريا، وخاصة أنها لا تمتلك أي خبرات قتالية كبيرة وجيشها لا يمثل تحديًا بالنسبة لروسيا.
ونددت الرئيسة المولدوفية مايا ساندو، وهي مساندة للاتحاد الأوروبي، بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا،إلا أن المراقبين يستبعدون مشاركة مولدوفا في أيّ خطوات أخرى، خاصة أنها تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الروسي.
سحب الذخائر الروسية
في مارس الماضي، طالب وزير دفاع مولدوفا أناتولي نوساتي، روسيا بسحب الذخيرة المخزنة في منطقة ترانسنيستريا على الفور، موضحًا في مقابلة على قناة "جورنال تي في"، أن مستودع الأسلحة في كولباسنا يجب إخلاؤه.
وتم تخزين هذه الذخائر البالغة أكثر من 20 ألف طن بعد انحساب القوات السوفيتية من أوروبا، وتصر مولدوفا على سحبها، وبالفعل بدأت عملية السحب عام 2001 لكن تم إيقافها من قِبل سلطات ترانسنيستريا عام 2004، بعد تفاقم العلاقات مع السلطة في مولدوفا.
وثيقة سرية
وكشفت وثيقة سرية صاغها جهاز الأمن الروسي، خطة روسيا لزعزعة استقرار مولدوفا، من خلال دعم الجماعات الموالية لها، والاستفادة من الكنيسة الأرثوذكسية إلى جانب التهديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي.
وبحسب شبكة "سي إن إن"، تم كتابة الوثيقة عام 2021، تحت عنوان "الأهداف الاستراتيجية للاتحاد الروسي في جمهورية مولدوفا"، وتحدد استراتيجية مدتها 10 سنوات، بهدف جلب مولدوفا إلى دائرة نفوذ روسيا.
وخرجت المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ليؤكد عدم معرفة روسيا شيئا عن مثل هذه الخطة، وقال إنها مزيفة، مؤكدًا أن روسيا منفتحة على بناء علاقات حُسن الجوار والمنفعة المتبادلة، بما في ذلك مولدوفا.
وسابقًا اتهمت روسيا أوكرانيا بالتخطيط لغزو ترانسنيستريا والاستيلاء عليها.