تواصل أوكرانيا محاولاتها لزعزعة استقرار الأسطول الروسي في البحر الأسود، بسلاحها الذي صممته خصيصًا لهذا الغرض، وهو القوارب المسيرة البحرية، تنجح أحيانًا في استهداف السفن وتفشل في الكثير، كما حدث الخميس، عندما أعلنت وزارة الدفاع الروسية إحباط هجوم بزورق مُسير.
وأشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن القوات الأوكرانية حاولت مساء الخميس، استهداف سفن أسطول البحر الأسود جنوب غرب سيفاستوبول، باستخدام زورق بحري مُسير، تم تدميره من قبل سفن أسطول البحر الأسود الروسي.
وأكدت الدفاع الروسية أن محاولة القوات الروسية فشلت في مهاجمة سفن الأسطول، الذي يؤدي مهام السيطرة على الملاحة في الجزء الجنوبي الغربي من البحر الأسود، ويتمركز على مسافة 237 كيلومترًا جنوب غرب سيفاستوبل.
هجوم ناجح
في 4 أغسطس الجاري، نجحت القوات الأوكرانية في إلحاق أضرار بسفينة روسية بهجوم بزورق مُسير، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية "تاس"، دُمرت غرفة محركات السفينة الروسية في الهجوم الذي وقع بمضيق كيرتش.
وتبنت أوكرانيا الهجوم، وقالت مصادر في إدارة أمن الدولة، إن البحرية الأوكرانية نفذت عملية خاصة جديدة في البحر الأسود، وإنه تم تفجير ناقلة نفط بالبحر الأسود تنقل الوقود للقوات الروسية، بحسب "بي بي سي".
صراع البحر الأسود
لم يهدأ الصراع الروسي الغربي على البحر الأسود على مر التاريخ، إذ تعتبره روسيا منطقة نفوذ خاص تحظى بأهمية جيوسياسية، كما أنه بوابتها نحو العالم وسبيلها لتصدير ما لديها لدول العالم.
أهمية البحر الأسود تنبع في الأساس من موقعه على مفترق طرق مهم بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وتطل عليه 4 دول أخرى هي "تركيا وبلغاريا ورومانيا وأوكرانيا"، ويرتبط بالمحيط الأطلسي عبر البحر المتوسط من طريق مضيق البوسفور وبحر مرمرة وبحر إيجه، كما يرتبط كذلك ببحر آزوف من طريق مضيق كيرتش.
وعلى مدار التاريخ دارت الحروب للسيطرة على البحر الأسود، وعلى مر التاريخ ثبت أنه واحد من أكثر المواقع أهمية من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة أوراسيا، وبحسب مراقبون فإن روسيا تهدف لدرء أي تهديد من حلف الناتو، سواء لأراضيها أو عبر شبه جزيرة القرم، وبحسب بول سترونسكي، الزميل لدى مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، فإن موسكو ترى أن منطقة البحر الأسود حيوية لإظهار القوة والنفوذ الروسي في البحر المتوسط، كما أنه سبيل حماية روابطها الاقتصادية والتجارية.
وعززت الحرب الروسية الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لروسيا، فهو همزة الوصل بالعالم الخارجي، ويربط بين موانئها والبحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فهو لا يشكل منفذًا تجاريًا فقط بل أيضا ساحة للتنافس للوصول بشكل أكبر للعالم الخارجي، فهو مسار مهم لتصدير الطاقة والحبوب على مستوى العام.
وما يزيد من أهميته في الحرب، فهو منفذ روسي لضرب العمق الأوكراني، لكنه كذلك ساحة لشن العمليات العسكرية الأوكرانية المضادة، خاصة بالزوارق المسيّرة، التي اعتمدت عليها أوكرانيا بشكل كبير أخيرًا.
وبين أحد أهم العمليات التي نفذتها أوكرانيا، إغراق السفينة الروسية موسكفا، أبريل 2022، بضربة صاروخية، إضافة إلى الهجوم على جسر القرم أو جسر كيرتش، الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا.
وفي الحقبة السوفيتية كانت روسيا هي القوة المهيمنة في البحر الأسود، رغم انضمام تركيا إلى حلف الناتو عام 1952، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانضمام رومانيا وبلغاريا للناتو عام 2004، شعرت روسيا بأن تهديد الناتو يقترب منها، بعد أن أصبحت ثلاث من أصل 6 دول تطل على البحر الأسود، ضمن حلف الناتو، أي أنها أصبحت في مرمى صواريخ الناتو، وهو ما دعاها لخوض الحرب ضد جورجيا عام 2004، لمنعها من الانضمام للناتو، وضمت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014.
وقال لوك كوفي، مدير مركز "دوجلاس أند سارة أليسون سنتر" للسياسة الخارجية لدى مؤسسة التراث، في واشنطن، إن موسكو تبرر حروبها مع جورجيا وأوكرانيا على أنها ضرورية، لمنع اختلال التوازن الاستراتيجي من التحول من روسيا إلى صالح حلف الناتو، إذا انضمت أي من هاتين الدولتين إلى الحلف.
محاولات أوكرانية وتهديد روسي
ومنذ انتهاء اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، تبادلا الهجمات في البحر الأسود، إذ قصفت روسيا الموانئ الأوكرانية بشكل متكرر، في المقابل هددت أوكرانيا بشن هجمات انتقامية على ناقلات الشحن ومنشآت المنوانئ والسفن الحربية الروسية.
وتكررت الهجمات الأوكرانية بالزوارق المسيّرة على السفن الروسية أخيرًا، فيما أكد الرئيس الأوكراني أن أوكرانيا سترد على هجمات روسيا في البحر الأسود، لضمان عدم حصار مياهها، مشيرًا إلى أنه إذا استمرت روسيا في الهيمنة على البحر الأسود خارج أراضيها أو أطلقت الصواريخ على موانئنا فإن أوكرانيا ستفعل الشيء نفسه.