في الثالث من أغسطس الجاري، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمدينة العلمين الجديدة، كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان، في أول زيارة له للمنطقة بعد إعادة انتخابه وتشكيل حكومته الجديدة.
ونظرًا لأهمية توقيت الزيارة، التي جاءت في ظل سياقات إقليمية ودولية مضطربة، يحاول هذا التحليل قراءة سبل تعزيز التعاون بين البلدين وانعكاساتها على مستقبل الشعوب، بالإضافة إلى محاولة التعرف على حدود التوافق بين القاهرة وأثينا فيما يتعلق بالقضايا العالمية وتحديات المنطقة، وتأثيره على تعزيز التعاون المشتركة بينهما، ورصد آفاق التعاون المستقبلي.
يذكر أن العلاقات المصرية اليونانية، شهدت نقلة نوعية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتصبح نموذجًا يحتذى به في التعاون الثنائي لمصلحة الشعبين، وتعزيز الاستفادة من الثروات الطبيعية في شرق المتوسط وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، إذ توالت الزيارات الرئاسية والدبلوماسية بين البلدين، وتوافقت رؤاهما حول أهمية العمل على تدعيم الروابط المشتركة، بالإضافة إلى أهمية استمرار تعزيز التعاون لا سيما في مجالات التبادل التجاري والسياحة، فضلًا عن ثبات المواقف المشتركة بين البلدين واتساق مصالحهما، بما في ذلك تعزيز التعاون والتنسيق في جهود مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في المنطقة.
تعاون متطور:
وفقًا لتصريحات المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية المستشار أحمد فهمي، شهدت الزيارة عقد مباحثات ثنائية تلتها مباحثات موسعة بين وفدي البلدين، حول سبل تعزيز آفاق التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين، واستمرار دفعه في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب ملف الطاقة وما يتعلق بالغاز الطبيعي والربط الكهربائي، وكذا التعاون في قطاعات التحول الأخضر.
وبصفة عامة يمكن رصد واستعرض مذكرات التفاهم الموقعة بين الدولتين خلال الفترة بين (1986- 2023)، والتي تنظم مجالات التعاون بين الدولتين بصورة إجمالية من خلال الشكل رقم (1):
بقراءة وتحليل البيانات الواردة في الشكل السابق، يمكن رصد مجوعة من الملاحظات، كالآتي:
(*) نمو ملحوظ في خمس سنوات: تؤكد بيانات الشكل السابق تطور العلاقة بين البلدين في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشكل غير مسبوق، فخلال الفترة من (2018 - 2023)- أي في مدة خمس سنوات تم توقيع 12 مذكرة واتفاقية، تمثل48% من إجمالي المذكرات والاتفاقيات الموقعة بين الدولتين خلال الفترة (1986-2023) أي سبعة وثلاثين عامًا، لتنظيم التعاون في مجالات عديدة محددة، منها الأنشطة البحرية التي ترتبط بالموانئ والخدمات اللوجستية وغيرها من الأنشطة، فضلًا عن تنظيم شئون العمالة والمغتربين، بالإضافة إلى تحقيق الربط الفعلي بين الدولتين في مجالي الكهرباء والغاز.
ويتبين مما سبق، رغبة الجانبين المصري واليوناني في تحقيق تعاون حقيقي يخدم مصالح شعبي الدولتين بشكل جدي، إذ يُلاحظ أن المذكرات والاتفاقيات الموقعة في هذه الفترة تركز على أنشطة محددة يُستهدف إنجازها بالتعاون بين البلدين لتحقق آثارها على أرض الواقع وبشكل ملموس. ويتأكد ذلك في ضوء حرص القيادة السياسية في الدولتين على متابعة تنفيذ هذه المذكرات والاتفاقيات وآليات تنفيذها بشكل مستمر.
(*) بدايات التعاون: خلال الفترة (1986 - 2018)- أي في مدة 32 سنة (تزيد ستة أضعاف عن الفترة السابقة)، تم توقيع 13 مذكرة واتفاقية، تمثل 52% من إجمالي المذكرات والاتفاقيات الموقعة بين الدولتين- لتنظيم التعاون بينهما في مجالات عديدة تتصف بالعمومية والشمول دون تحديد لأنشطة محددة في هذه المجالات.
اتجاهات مستقبلية:
يمكن تحديد بعض الآفاق المستقبلية لمجالات التعاون المصري واليوناني في النقاط الأساسية التالية:
(&) تعزيز التعاون الاقتصادي: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من التعاون بين البلدين بشأن تنفيذ المذكرات والاتفاقيات التي تستهدف التعاون في مجال الكهرباء والطاقة، ويلاحظ أن من بين أهم المجالات التي يتم فيها التعاون المؤسسي بين البلدين، في ضوء الظروف الراهنة التي يمر بها العالم بسبب التغيرات المناخية والأزمة الاقتصادية العالمية حاليًا، هو مجال الكهرباء والطاقة، فهناك مشروع لبحث الإنتاج المشترك للطاقة المتجددة التي ستصل إلى أوروبا عبر مشروع للربط الكهربائي بين مصر واليونان.
يذكر أن مصر واليونان، وقّعتا مذكرة تفاهم لإنشاء كابل كهربائي عملاق يربط البلدين، وهو أول اتفاق من نوعه يُوقَّع بين أوروبا وإفريقيا في جنوب شرق البحر المتوسط، وتُقدّر تكلفة الربط المزمع ما بين 3 إلى 4 مليارات يورو. ومن ناحيتها، قطعت الحكومة المصرية شوطًا كبيرًا في المناقشات والمباحثات مع الاتحاد الأوروبي لإدراج مشروع الربط الكهربائي مع اليونان ضمن قائمة المشروعات الأوروبية المشتركة للحصول على منحة لتنفيذ المشروع، وعليه، يمكن القول إن تنفيذ هذا المشروع، قد يحقق مجموعة الفوائد للبلدين، كالتالي:
(-) سيتم عبر هذا المشروع، نقل الطاقة النظيفة من مصر إلى أوروبا عبر اليونان، وستستعمل أثينا جزءًا من الطاقة في استخدامات صناعية، بينما سيتم تصدير الجزء الأكبر إلى الدول الأوروبية.
(-) سوف يساعد هذا المشروع على ما تستهدفه مصر بشأن خطتها لتكون مركزًا إقليميًا لصادرات الطاقة عبر مشروعات الربط الكهربائي خاصة مع اليونان، إذ يعد مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان الأضخم والأكبر؛ نظرًا إلى طول المسافة ومد كابلات بين البلدين بطول يصل إلى 900 كيلومتر، وهو بمثابة ربط قارتي أوروبا وإفريقيا كهربائيًا وليس ربطًا بين البلدين لتبادل الطاقة، خاصة أن الخط يسمح بنقل الطاقة من مصر لجميع دول أوروبا.
(&) دعم التعاون الأمني: من المحتمل أن يفرض موضوع الهجرة غير الشرعية خلال الفترة المقبلة المزيد من التعاون بين البلدين بشأن الحد من هذه الهجرة لأوروبا عبر اليونان ومن قبلها مصر، باعتبارها حائط صد أمام الهجرة غير الشرعية بالنسبة لكل من قبرص واليونان. ويرجح ما سبق ذكره، تصاعد الأزمة السودانية الراهنة، وما ترتب عليها من موجات نزوح لعدد كبير من السودانيين، مما قد يترتب عليه زيادة أعداد اللاجئين، حيث ثمن رئيس الوزراء اليوناني خلال القمة المصرية اليونانية التي عُقدت في الثالث من أغسطس الجاري، جهود مصر لمواجهة هذه الظاهرة، خاصة في ضوء ما تفرضه من أعباء بسبب استضافة ملايين اللاجئين على أرض مصر. وشهدت هذه القمة اهتمامًا ببحث الوضع الراهن في السودان، حيث أكد الجانبان على ضرورة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار على وجه السرعة، كما اتفقا على أهمية التعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، وضرورة عدم تدخل أية أطراف خارجية بشكل يعيق جهود احتواء هذه الأزمة.
في النهاية، يمكن القول إن الأهمية الكبرى للقمة التي عُقدت بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان في مدينة العلمين، تكمن في الاهتمام الكبير بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات المُسبَّقة بين مصر واليونان في المجالات ذات الأولوية في ضوء الظروف والمعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، بهدف تحقيق مستهدفات هذه المذكرات والاتفاقيات على أرض الواقع وفي أقرب وقت ممكن، فقد ساعدت قمة العلمين على إعادة النظر في الموضوعات الحيوية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين سواء الملف الاقتصادي بصفة عامة أو ملف الغاز والطاقة بصفة خاصة أو ملف الهجرة غير الشرعية الذي تفرضه التحديات المرتبطة بالأزمة السودانية، فضلًا عن أهمية هذه القمة في توحيد الرؤى بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية، منها فلسطين وليبيا والسودان.