"لم أحرم من شيء في حياتي، وأعظم نعمة حصلت عليها هي محبة الناس لي، وهي سبب استمرار عطائي"، هكذا كان يرى الفنان المصري الراحل يحيى شاهين نفسه متوجًا ومحفوفًا بمحبة واحترام الجمهور، فحافظ على تاريخه الفني الذي صنعه لأكثر من نصف قرن من الزمن.
قبل أكثر من 100 عام ولد يحيي شاهين، في مثل هذا اليوم 28 يوليو عام 1917، إذ كان يتمتع بطلة وكاريزما مختلفة وامتلك هيبة منحته ثقلاً حتى بدون أن يتفوه بكلمة واحدة، وربما كان هذا السبب هو ما شجّع الكثير من المخرجين لترشيحه في الأدوار الجادة التي تحتاج إلى شخصية قوية أمام الشاشة.
حب شاهين للتمثيل دفعه للتخلي عن الوظيفة الحكومية المستقرة، والتباطؤ في تنفيذ التعيين بشركة مصر للغزل والنسيج، ليلتحق بجمعية هواة التمثيل، ثم تنقل بين عدد من الفرق القومية المسرحية وفرقة دار الأوبرا الملكية في عام 1942 وفرق الهواة ومن بينها فرقة فاطمة رشدي التي أعجبت بأدائه وجعلته البطل الأول بالفرقة، وقدم عدة مسرحيات منها "مجنون ليلى، روميو وجوليت" وختم حياته المسرحية بـ"مرتفعات ويزرينج"، إذ قرر التفرغ للسينما عام 1946، ليبدأ مسيرته السينمائية التي كان لها نصيب الأسد في مشواره الفني.
سجّل فيلم "لو كنت غني" أول ظهور ليحيى شاهين على الشاشة الفضية، ليقدم دورًا بسيطًا خلال أحداث العمل، حتى جاءته الفرصة عقب ترشيح السيدة أم كلثوم له ليشاركها البطولة في فيلم "سلامة"، إذ قال عنها في لقاء تلفزيوني سابق بعد سؤاله عن الأغنية التي يمكن أن يأخذها معه إذ قرر السفر للفضاء: "إذا قررت أن آخذ أغنية واحدة فستكون لأم كلثوم لأن لها فضل كبير عليَّ".
قدم "شاهين" للسينما أكثر من 100 عمل فني، ونجح في التنوع بأدواره حيث ظهر في فيلم "جعلوني مجرمًا"، و" شيء من الخوف"، كما برع في تقديم الأدوار التاريخية في أفلام مثل "فجر الإسلام"، "بلال مؤذن الرسول"، كما شارك في الفيلم الإيطالي المصري "ابن كليوباترا" إخراج فرديناندو بالدي، وشارك مع فاتن حمامة عددا من الأعمال مثل " لا أنام" و" ارحم دموعي" والذي نال عنه الجائزة الأولى من جوائز دعم السينما، والتي تأتي ضمن مجموعة من الجوائز التي حصدها، ومنها شهادة تقدير عن فيلم "نساء في حياتي" من مهرجان فينيسيا الدولي، ووسام الجمهورية من الطبقة الثالثة.
رغم التاريخ الحافل الذي قدمه يحيى شاهين، ولكن تبقى شخصية السيد أحمد عبد الجواد والمعروفة بـ "سي السيد"، أيقونة مميزة في سلسلة أعماله التي قدمها خلال الفترة من الأربعينيات وحتى التسعينيات، والتي جسدها في ثلاثية الكاتب الراحل نجيب محفوظ، ضمن أفلام "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، وقد ارتبط شاهين بعلاقة جيرة مع نجيب محفوظ، الذي كان يحب الاستيقاظ مبكرًا فكان شاهين يلقي عليه التحية كل يوم، ورغم إتقانه هذا الدور، إلا أن شخصيته في ثلاثية أديب نوبل نجيب محفوظ كانت بعيدة كل البعد عن شخصيته في الحقيقة فكان محبًا لأسرته ومتفاهمًا لدورهم بدون تسلط.
على الرغم من حب يحيى شاهين للفن وتخليه عن وظيفته من أجله ولكنه رفض إدخال بناته التمثيل، ليبدي اعتراضه عند سؤاله عن إمكانية دخول بناته مجال الفن قائلًا: "لا أستطيع الرد على هذه الجزئية، أنا رجل محافظ ومتدين إلى حد ما، وأنا شخصيًا لا أرضى لهم ذلك إلا إذا كان للقدر كلمة أخرى في الأمر".
تزوج شاهين مرتين إحداهما من امرأة مجرية وانفصل عنها بعد 6 سنوات وأنجب ابنتين، ثم تزوج من أخرى وأنجب منها ابنته داليا وعاش معها حتى وفاته في 18 مارس عام 1994، ليترك رصيدًا كبيرًا من الأعمال التي تخلّد ذكراه.