"كنت أفكر في شكل جديد للسينما، فقررت أن أجرب رحيق الفانتازيا ونجحت".. هذه الجملة التي سرت على لسان رائد الفانتازيا المخرج المصري رأفت الميهي، لخصت رؤيته للحياة وكيف صنع مملكته التي بناها على الفانتازيا والخيال فدخل مجربًا ثم تربع على عرشها على مدار أكثر من نصف قرن قضاها في خدمة الفن، حاملًا على عاتقه رسالة مزج فيها الخيال بالواقع ليقدم نوعًا مختلفًا عن أقرانه من مخرجي السينما الواقعية.
بين التأليف والإخراج والتدريس والإنتاج، تعددت مواهب رأفت الميهي الذي تحل الذكرى الثامنة له اليوم الإثنين، إذ وافته المنية في مثل هذا اليوم 24 يوليو 2015.
كرّس المخرج الراحل حياته في تطوير السينما وتقديم نوع جديد منها، وكان عشقه لها محركًا للعمل بها ليكون من أهم مخرجي السينما المصرية بعد أن جمع بين ثلاث مواهب.
الأفوكاتو نقطة تحول
شكّل فيلم "الأفوكاتو" الذي لعب بطولته الفنان عادل إمام بشخصية "حسن سبانخ"، مرحلة جديدة في حياة رأفت الميهي، إذ كان أول فيلم كوميدي من كتابته وإخراجه وسجل علامة خاصة في السينما، فكوميديا الفيلم الساخرة التي أضحكت الجميع لم تخل من الجرأة وتقديم شخصية المحامي في شكل جديد لأول مرة، ليكون هذا العمل باكورة أفلامه الكوميدية، ليتوالى بعد ذلك العديد من الأعمال الكوميدية باستثناء فيلم "للحب فرصة أخيرة" الذي كتبه قبل هذا الفيلم.
تجربة وحيدة
رغم ما أثاره فيلم "الأفوكاتو" من جدل ونجاح بعد طرحه ورُفعت ضده الكثير من القضايا، لكنه يعد التجربة الوحيدة التي قدمها مع الزعيم، ليكشف عن سبب ذلك: "استمتعت بالعمل وعادل إمام لأنه هايل وذكي، وبعد الفيلم انقطعت علاقتي بالزعيم لسنوات طويلة، وذات مرة استضافني في منزله وكشف لي أنه لم يستمتع لأنه لم يكن حرًا في أدائه".
تقليد صلاح أبو سيف
كان "الميهي" يطلق العنان لفكره في كتابة وإخراج أعماله، فهو المتمرد الذي لا يشبه أحدًا، المؤثر في غيره أيضًا، إذ قلده الكثير واستمدوا منه طريقة جديدة في العمل السينمائي، إذ يقول في تسجيل صوتي له: "أكره الواقعية، وكنت ألعب في منطقة الخيال، وهذه الطريقة أثرت في زملائي ومنهم صلاح أبو سيف بفيلم "البداية"، وأكد النقاد أنه تأثر بي في جزء كبير من الفيلم، فرد "أبو سيف" بشجاعة وقال لهم ليس عيبًا أن أتأثر بتلميذي".
شرارة البداية
بدأ رأفت الميهي حياته الفنية من بوابة التأليف في النصف الثاني من الستينيات، بفيلم "وجفت الأمطار"، وكرر تعاونه مع المخرج كمال الشيخ، في 4 أعمال وهي: "شيء في صدي، الهارب، على من نطلق الرصاص، وغروب وشروق"، كما تعاون مع الثنائي إحسان عبدالقدوس ورمسيس نجيب في كتابة فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، الذي أخرجه حسام الدين مصطفى.
فانتازيا سحرت الساحر
ومع مطلع الثمانينيات، دخل عالم الإخراج بفيلمه الأول "عيون لا تنام" عام 1981، وتلاها الكثير من الأعمال التي غلب عليها الكوميديا خاصة "السوداء"، فشكل مع الساحر محمود عبدالعزيز أيقونة مختلفة من العمل السينمائي القائم على الفانتازيا، فكرر العمل معه في أفلام "سمك لبن تمر هندي، السادة الرجال، وسيداتي آنساتي"، وهذه الأفلام الثلاثة تعد مرحلة مختلفة تمامًا عن كل ما قدمه الساحر في مشواره، التي كان أساسها الرغبة في التجريب واكتشاف مناطق جديدة في الكوميديا القائمة على الخيال والفانتازيا، فيقول "الميهي": "محمود عبدالعزيز يذكرني برشدي أباظة، وليس له بديل في فيلم "سيداتي آنساتي".
ضلع موهبته الثالث
قرر "الميهي" دخول عالم الإنتاج حبًا في السينما، ليكون الضلع الثالث في موهبته، وقدم نحو 12 فيلمًا من إنتاجه مثل "الأفوكاتو، تفاحة، ميت فل، ست الستات، وعلشان ربنا يحبك"، ولم ينتج أفلامه التي خطها قلمه أو أخرجتها عدسة كاميرته فقط لكنه أنتج لآخرين، مثل فيلم "المتوحشة" للمخرج سمير سيف وتأليف صلاح جاهين، و"دنيا يا غرامي" تأليف وإخراج صلاح أبو سيف، ليختم حياته بفيلم "شرم برم" عام 2001، الذي لم يحقق النجاح المتوقع، فاعتزل العمل السينمائي وتفرغ للتدريس وأنشأ أكاديمية لتعليم الشباب فنون السينما كتابة وإخراجًا وإنتاجًا.
تجربة تلفزيونية وحيدة
بعد مرور 8 سنوات على آخر أفلامه، قرر دخول عالم التلفزيون فقدم مسلسل "وكالة عطية" من تأليفه وإخراجه عام 2009، ليبتعد بعدها تمامًا عن العمل الفني، الذي يعد آخر أعماله، قبل وفاته في 2015، ورغم رحيله بجسده لكنه سيبقى خالدًا بأعماله فهو الأستاذ والمؤثر في الأجيال.