استمرار المواجهات بين قوات الجيش والدعم السريع في السودان، وضع الإنتاج الزراعي للبلاد في دائرة الخطر، وعزز المخاوف من تفاقم معدلات الجوع في البلد المُلقب بـ"سلة غذاء العالم".
فالاقتصاد السوداني في الأصل هو اقتصاد تقليدي قائم على الزراعة، التي تُسهم بنسبة 48% من الناتج المحلي الإجمالي، وتفيد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، بأن ما يقرب من 65% من سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة يتصل عملهم بالقطاع الزراعي.
ويملك السودان 170 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، بما يعادل 40% من المساحات الزراعية في الدول العربية مجتمعة، وهو ما أهله لنيل لقب "سلة غذاء العالم".
ولدى السودان نحو 5 مشروعات زراعية مروي كبرى يعتمد عليها في تكوين المخزون الاستراتيجي من الحبوب الغذائية مثل الذرة والسمسم وتأمين جزء من احتياجات البلاد من القمح، وهي الجزيرة وسط السودان، والسوكي، وودي حلفا، والرهد، ودلتا طوكر شرقي البلاد.
المواجهات تلتهم سلة غذاء العالم
لكن المواجهات المسلحة المستمرة منذ منتصف أبريل الماضي، بين الجيش السودانى والدعم السريع، تلتهم سلة غذاء العالم بشكل متسارع لتترك ثقب كبير أثار مخاوف ما يقرب من 65% من السودانيين يعتمدون على الزراعة والرعي، من التعرض لشبح المجاعة.
ونقلت "رويترز" في تقرير لها، عن مزارعين في عدة ولايات سودانية، إن المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع، تُعرض إنتاج المحاصيل الأساسية هذا العام للخطر، وهو ما يهدد بتفاقم الجوع والفقر في السودان.
تأخيرات في زراعة المحاصيل
وأفاد مزارعون وخبراء وعمال إغاثة، تحدثت معهم "رويترز"، بحدوث تأخيرات في زراعة محاصيل مثل الذرة الرفيعة والدخن، لأسباب منها نقص الإقراض المصرفي وارتفاع أسعار مدخلات رئيسية مثل الأسمدة والبذور والوقود.
ويشي تدهور أوضاع المزارعين بأن أزمة جوع تلوح في الأفق قد تكون أشد وطأة مما تتوقعه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة. وفي مايو الماضي، قالت الأمم المتحدة إن تقديراتها تشير إلى أن عدد الجياع في السودان سيرتفع إلى 19.1 مليون بحلول أغسطس من 16.2 مليون.
نهب مستودعات الغذاء
والنقص في المواد الغذائية الأساسية، الذي يفاقمه نهب المستودعات في مدن مثل العاصمة الخرطوم، من شأنه زيادة حدة أزمة الجوع الآخذة في التفاقم منذ سنوات.
وبينما يقول خبراء من الأمم المتحدة إن من السابق لأوانه الإعلان رسميًا عن مجاعة في السودان، قال مزارعون لرويترز، إنهم يعتقدون أن الوضع يسير بالفعل في هذا الاتجاه.
وذكرت "الفاو"، الأسبوع الماضي، أنها بدأت في توزيع طارئ لبذور الذرة الرفيعة والدخن والفول السوداني والسمسم، وتأمل في مواجهة "تحديات أمنية ولوجستية معقدة" لتوفير ما يكفي لتغطية احتياجات ما بين 13 و19 مليون شخص.
وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه سيواصل تحليل الوضع، خلال الأشهر الستة المقبلة وبعد موسم الزراعة والحصاد.
تُعرض المزارعين للسرقة
ولفتت "رويترز" إلى أن البنوك تعرضت للنهب، واضطرت للحد من أنشطتها مع اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع، في 15 أبريل، بالعاصمة الخرطوم.
وعلى الرغم من أن معظم المناطق الزراعية في السودان هادئة نسبيًا، فإن سلاسل التوريد المتمركزة في العاصمة تعطلت إلى حد كبير. وأفاد شهود بتعرض بعض مستودعات مدخلات مثل الأسمدة والبذور والمبيدات للنهب.
هذا إضافة إلى ارتفاع حاد في أسعار المدخلات التي تشمل البذور والأسمدة والمبيدات والوقود، وفق ما قال مزارعون وبرنامج الأغذية العالمي.
ونقلت"رويترز" عن مهدي أحمد، مزارع في شمال كردفان، "الوقود يباع بالسعر الأسود وتضاعفت الأسعار 300%.. للأسف كلها تدل على فشل الموسم الزراعي".
وفي مناطق غرب البلاد، إذ تقول جماعات الإغاثة إن مخزونات الأغذية تتناقص، يقول أحمد ومزارع آخر هو محمد عبد الله من شمال دارفور لرويترز، إن المزارعين تعرضوا للنهب والسرقة على يد عصابات بينها جنود من الدعم السريع لدى محاولتهم الوصول إلى حقولهم.
ويقول آدم ياو، مندوب منظمة الفاو بالسودان، إن هناك أنباء عن تأخيرات في مزارع تجارية أكبر تنتج للتصدير. وأضاف أن "أي تعطل سيكون له تأثير ضخم على اقتصاد البلاد، وعلى سبل عيش الشعب السوداني أيضًا".
نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار
ويواجه من بقوا في ولاية الخرطوم نقصًا في الإمدادات وارتفاعًا في الأسعار مع نضوب السيولة، بينما تؤثر عمليات النهب وإغلاق المتاجر ومشكلات سلاسل الإمداد سلبًا على المتاح.
وقال اثنان من السكان لرويترز، إن كل المخابز في الحيين اللذين يقطنان بهما أغلقت. ويقول عماد عدلي من غرفة طوارئ أم درمان، وهي مجموعة تطوعية، إن سعر الرغيف قفز بأكثر من 130% إلى 70 جنيهًا سودانيًا (0.12 دولار). وتقول رزان بهاء التي تعيش في بحري إن سعر الرغيف في منطقتها تضاعف لأربعة أمثال ليصل 200 جنيه (0.33 دولار).