الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد مقتل "نائل".. ما تأثير أحداث الشغب بفرنسا على الجاليات العربية؟

  • مشاركة :
post-title
فرنسا

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

لقد مثلت واقعة مقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية "نائل المرزوقي" صاحب الـ17 عامًا، على يد شرطي فرنسي، احتجاجات واضطرابات عارمة في الداخل الفرنسي، 27 يونيو الماضي، وفي الوقت ذاته، أثارت ردود فعل عربية شديدة على منصات التواصل الاجتماعي مستنكرة ما حدث، كما وجهت بعض أصابع الاتهام إلى الجاليات العربية، خاصة الجزائرية بأنها وراء أحداث التخريب التي تشهدها الدولة الأوروبية، لدرجة أن البعض ألقى باللوم على السلطات الفرنسية لاستقبالها المهاجرين، وعلى الجانب الآخر، قال آخرون إن ما حدث نتيجة طبيعية لما يرونه من فشل سياسة الحكومة الفرنسية في التعامل مع الجاليات وعدم منحهم الفرصة كي يكونوا فاعلين في المجتمع الفرنسي.

في ضوء ما تقدم؛ سنرصد في هذا التحليل، خريطة الجاليات العربية في الأراضي الفرنسية، مع إلقاء الضوء على سياسة الحكومة الفرنسية في التعامل مع هذه الجاليات، بالإضافة إلى إجابة السؤال التالي، وهو، هل لعبت الجاليات العربية دورًا في أحداث الشغب والعنف التي تشهدها فرنسا؟

خريطة الجاليات العربية في فرنسا:

يوجد في فرنسا تنوع من الجاليات سواء أكانت العربية أو الأوروبية أو الآسيوية وغيرها، ويقدر بنحو 7 ملايين مهاجر حاصلين على الجنسية الفرنسية بنسبة 10% من إجمالي سكان فرنسا، وفقًا للإحصائيات الحديثة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية الفرنسي (حكومي)، 30 مارس 2023، فإنه يمكن إبراز خريطة الجاليات في الأراضي الفرنسية على النحو التالي:

(*) التوزيع: أفاد المعهد الفرنسي الحكومي بأن فرنسا قبل خمسين عامًا، كان أغلب المهاجرين إليها من جنوب أوروبا أما في الوقت الراهن فإن غالبية المهاجرين من دول المغرب العربي ومن إفريقيا وآسيا.

وفيما يخص المغرب العربي، فإن 30 % من المهاجرين ينحدرون من ثلاث دول مغاربية، هي المغرب، والجزائر، ثم تونس، وبلغ عدد المهاجرين من دول شمال إفريقيا في عام 2021، 3.31 مليون شخص، وأفاد المعهد الفرنسي (إحصائيات 2022)، بأن الجزائريين يمثلون 12.7% من المهاجرين غير المولودين في فرنسا حسب الدراسة، أو ما يعادل نحو 890 ألف نسمة من إجمالي 7 ملايين مهاجر، وفي المرتبة الثانية، المهاجرون من المغرب، إذ تبلغ نسبتهم 12% أو ما يعادل 840 ألف نسمة، بينما يأتي المهاجرون من تونس في المرتبة الرابعة بنسبة 4.5%، أي ما يعادل نحو 315 ألف مهاجر. 

وهناك إحصائيات أخرى (غير رسمية) صادرة عن بعض وسائل الإعلام الجزائرية والمغربية، تشير إلى أن عدد الجالية الجزائرية في فرنسا تخطى المليون شخص، يليها المغرب بفارق بسيط.

وإضافة لذلك، فإن المعهد الفرنسي الحكومي، كشف أن أسباب وصول المهاجرين الجدد إلى فرنسا متنوعة، وأن 4 من كل 10 مهاجرين وصلوا إلى فرنسا في 2019 ولدوا بإفريقيا، وغالبية المهاجرين الأفارقة المولودين في فرنسا يقدرون بنسبة 41% ومن أوروبا بنسبة 33% ثم آسيا بـ15%.

أصول المهاجرين في فرنسا بالنسب - المعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية

(*) الدين: تُظهر إحصائيات المعهد الوطني أن غالبية المهاجرين في فرنسا أكثر ارتباطًا بالدين من بقية السكان، وأن الإسلام يحتل المرتبة الأولى في ذلك، وأن 89% من الجزائريين، و84% دول الساحل الإفريقي، و72% من الأتراك، ينتمون إلى الديانة الإسلامية، في حين أن جاليات أخرى خاصة البرتغالية ومن غينيا ينتمون إلى الديانة المسيحية، ونسبة ضئيلة من الجاليات تحديدًا الآسيوية ينتمون إلى الديانة البوذية، وآخرون لا ينتمون لأي ديانة.

الانتماءات الدينية للمهاجرين بالنسب

(*) التمركز: تتمركز الجالية العربية في المدن الكبرى الواقعة بجنوب فرنسا، ويعتبر البعض أن حي باربيز الواقع شمالي العاصمة باريس عربيًا بامتياز، نظرًا لوجود عدد كبير من الجاليات العربية به، ووفقًا للمعهد الفرنسي الحكومي، فإن 20% من المهاجرين غالبيتهم من الجزائريين يتمركزون في المدن الكبرى وتحديدًا بالعاصمة الفرنسية باريس، ونحو 31.6% يتركزون في مقاطعة سين سان دوني الضاحية الشعبية شمال شرق العاصمة، بينما يتركز 10% منهم في مناطق بالجنوب والشرق حول بعض المدن الكبرى، مثل مرسيليا على البحر المتوسط أو ستراسبورج الحدودية مع ألمانيا، إضافة لذلك فإن 3% من المهاجرين يتمركزن بالمقاطعات التي تقع وسط فرنسا مثل كنتال، والبعض الآخر يتمركز في المناطق المطلة على المحيط الأطلسي وبحر المانش.

دوافع كامنة:

في ضوء ما تقدم، تجدر الإشارة إلى أن فشل سياسات الحكومة الفرنسية في احتواء ودمج المهاجرين بالمجتمع الفرنسي، يعتبر من أبرز الدوافع وراء تصاعد أعمال الغضب والتخريب بالشارع الفرنسي بهذا الشكل، في حين أن هناك وجهة نظر أخرى فرنسية متشددة، ترى أن فتح فرنسا الباب لاستقبال المهاجرين من الأساس يمثل السبب فيما يحدث، وأن الجاليات العربية وراء ما يحدث احتجاجًا على واقعة مقتل "نائل المرزوقي"، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

(&) مواقف فرنسية معادية للمهاجرين: أعادت تلك الأزمة "خطاب الكراهية" تجاه الجاليات، خاصة العربية إلى الواجهة، وهو الخطاب الذي ترفعه بعض التيارات الفرنسية التي تتخذ مواقف صارمة من المهاجرين واللاجئين من الدول العربية والإسلامية، وترفض بشدة وجودهم في البلاد، عكس ذلك، تصريحات الفرنسي "إريك زمور" المرشح الرئاسي اليمني السابق (من أصول جزائرية لكنه ينكر ذلك، ويقول إنه تم استعماره من قبل العرب، وإنه من أصل أمازيغي) عقب وقوع حادثة الشاب "نائل"، إذ حمّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مسؤولية ما يحدث وأفاد بأن البلاد في حالة "حرب أهلية"، وإنه لو كان في السلطة، لأوقف الهجرة وألغى على الفور "قانون حق المواطنة".

(&) فشل الحكومة الفرنسية في إدماج الأفارقة والمسلمين: إن فشل الرئيس الفرنسي حتى الآن في إدماج الشباب، خاصة من أبناء الجاليات سواء كانوا حاملين للجنسية الفرنسية أو جنسيات أخرى، أو كانوا مسلمين أو أفارقة، بشكل فعّال في المجتمع الفرنسي، أحد أسباب ما تشهده البلاد، فوفقًا لبعض المراقبين فإن ما دفع الشرطي الفرنسي للقيام بتلك الواقعة التي لا تستدعي أن تصل لهذا الحد من التصعيد أو قتل الشاب الجزائري، هو أن مبادئ فرنسا (الحرية، المساواة، الإخوة) لا يتم تطبيقها، وأن الدولة الأوروبية بها حالة شديدة من التفرقة بين شاب من أصول عربية أو إفريقية وآخر من أصول فرنسية، ويقولون إن ذلك يبرز بشكل فعلي خلال محاولة أبناء المهاجرين الحصول على عمل، إذ يتم تفضيل أصحاب الأصل الفرنسي حتى لو كان صاحب الأصل العربي حاصلًا على مؤهل علمي ويحمل الجنسية الفرنسية وهو الأجدر والأنسب والأكفأ.

(&) استمرار ظاهرة "التمييز العنصري" داخل المجتمع الفرنسي: أفاد بعض النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بأن "التمييز العنصري" من قبل الشرطة الفرنسية ضد المهاجرين، السبب في مقتل الشاب "نائل المرزوقي"، وعليه، فإن هذا ما ألمحت إليه المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة "رافينا شامداساني"، بعد يومين من وقوع تلك الحادثة، إذ طالبت السلطة الفرنسية بالتعامل بجدية مع قضايا العنصرية والتمييز، خاصة تجاه شباب الجاليات الذين يقطنون الضواحي وينحدرون من أصول إفريقية أو أجنبية، وردت الحكومة الفرنسية على هذه التصريحات ورفضتها بشدة، قائلة، إن "اتهام الشرطة بالعنصرية لا أساس له".

تداعيات محتملة:

تأسيسًا على ما سبق؛ يمكن القول إن واقعة مقتل الشرطة الفرنسية للشاب "نائل المرزوقي" لن تهدأ نتائجها بسرعة، بل مرجح أن يكون لها تأثير سلبي، خاصة على أصحاب الجاليات العربية الموجودة بالأراضي الفرنسية، وقد تشهد الفترة المقبلة ضغطًا على السلطات الفرنسية لتمرير "قانون الهجرة الجديد"، الذي ينص على ترحيل الأجانب غير المرغوب فيهم "سياسة الترحيل"، وسترتفع مطالب الأحزاب الفرنسية، بالتحديد من تيار أقصى اليمين لخفض أعداد المهاجرين خاصة من أبناء الجيل الثالث والرابع من المهاجرين، لأنهم الأكثر قوة وانتشارًا وتفاعلًا في حشد المواطنين، نظرًا للأدوات التكنولوجية الحديثة التي يمتلكونها، بجانب ذلك، فإن الأيام القليلة الماضية، شهدت دعوات من قبل بعض السياسيين الفرنسيين، لمطالبة الحكومة بإعادة النظر في القانون الموقع مع الجزائر بشأن استقبال المهاجرين.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه الحادثة برزت دعوات تنادي الحكومة الفرنسية بالتوقف عن منح الجنسيات للمهاجرين واللاجئين إلا بشكل استثنائي، والاكتفاء بمنحهم إقامات دائمة، خاصة للذين يثبت أنهم تمكنوا من الاندماج في المجتمع الفرنسي وتشربوا ثقافته وقيمه وبات ولائهم الأول لفرنسا، وليس لأوطانهم الأصلية.