"مظلومة يا ناس مظلومة وبريئة ولكن متهومة مظلومة وكاسي مليانة من دمع عيوني وحيرانة قضيت شبابي غلبانة"، كان هذا جانبًا من كلمات أغنية للمطربة المصرية الراحلة سعاد محمد، تعبر من خلالها عن رحلتها الفنية، وما مرت به من مآسٍ في هذا المشوار الطويل، ولكن على الرغم مما عاصرته في بداياتها وحتى قبل وفاتها فإنها كانت مصممة على شيء واحد فقط، وهو ألا تتوقف عن الغناء.
عشقت سعاد محمد التي ولدت في لبنان عام 1926 لأب مصري وأم لبنانية وتحل اليوم ذكرى وفاتها، الغناء منذ صغرها وتحكي عن تلك الفترة وتقول في لقاء متلفز نادر: "وقفت على المسرح في لبنان وعمري 12 عامًا غنيت فيها "ارتاح يا قلبي" و"حبيبي يسعد أوقاته"، ولم أستطع أن أنهي الأغنية الأخيرة وقمت بتكرار كوبليه يسعد أوقاته أكثر من مرة؛ لأنني لا أتذكر المقطع الأخير، ولكن هذا لم يضايقني رغم أن الجمهور كان يضحك، ولم يقلل من حبي للفن فأنا عاشقة ومتيمة بالغناء".
"مظلومة رغم أنني فنانة جيدة" هذه الجملة التي كانت ترددها سعاد محمد في أكثر من لقاء، إذ كانت تؤكد أنها لم تنل حقها خلال مشوارها الفني وتقول في لقاء متلفز: "أين أنا من الإعلام، أنا أغني منذ عام 1948، ولم أحصل على حقي من الصحافة والتليفزيون، أما الجمهور فقد أعطاني حقي ولي جمهور في الوطن العربي كله، ولكن من حقي أن يتحدث عني الإعلام، مثلما يحدث مع السيدة أم كلثوم، التي وجدت دعم كل من حولها، سواء التليفزيون أو الإذاعة أو الصحافة، وكانوا يتمنون أن يكتبوا عنها، أما أنا فلم يحدث معي، وكنت أتمنى أن يتناقل التليفزيون الأغاني التي أقدمها ليذكروا الناس بي".
روّج البعض أن سعاد محمد تحاول تقليد السيدة أم كلثوم ولكنها رفضت هذا الأمر، ودافعت عن نفسها حيث قالت: "أنا لا أقلدها فأنا من مدرستها وكلنا تلاميذ لها فهي الهرم الذي ننظر له بكل فخر ومحبة لما تقدمة من روائع".
سعاد محمد التي تزوجت ثلاث مرات ورزقت بـ 10 أبناء، كانت ترفض أن يقلل أحد من أبناء جيلها وترفض تهكم البعض على الفترة التي خرجت فيها أو الادعاء أنها فترة تحمل إسفافًا في الغناء، إذ قالت: "قدّم الجيل القديم الأغنية الشرقية الصميمة، ولم يكن في وقتنا أي نوع من الإسفاف، ولم نر الشكل الأخير إلا من الجيل الجديد الذي صنع أغاني بدون رقابة، فقديمًا كانت الأغاني تمر على الرقابة لمراجعتها، ولكن في عصر التليفزيون أصبح هناك فوضى، والنجاح سريع، أما نحن فقد حققنا شهرتنا بتعب وسهر، خاصة أننا لا نملك وقتها سوى الإذاعة فقط، وكنا نحلم أن تذاع لنا أغنية عليها".
نظرًا للجهد الكبير الذي عاشته سعاد محمد في حياتها المهنية، اتخذت قرارًا بمنع ابنتها من الغناء، وحاربتها حتى لا تدخل هذا المجال، ولكنها أكدت في لقاء تليفزيوني أن ابنتها نهاد فتوح رفضت أن تستجيب لها ودخلت المجال رغمًا عنها حتى اقتنعت بما قالته لها وتراجعت عن تلك الخطوة.
شاركت سعاد محمد في فيلمين فقط في مشوارها الفني هما "فتاة من فلسطين، وأنا وحدي"، إذ يرجع السبب في ذلك إلى إنتاجها الغنائي الكثيف، رغم كل الظلم الذي تعرضت له وقالت في لقاء تليفزيوني: "كنت أنتج من 10 إلى 20 أغنية سنويًا، لأنني كنت أرفض أن أتوقف عن الغناء، حتى وصل إنتاجي الغنائي لأكثر من ألف أغنية".
كانت ترفض سعاد محمد التوقف عن الغناء وتقول في لقاء تليفزيوني: "كنت أسافر إلى الخارج ولكل دول أوروبا لأغني في المحلات وعلى المسارح المختلفة، وهذا ليس سعيًا وراء أموال، ولكنني كنت أريد أن أتواجد وأثبت للناس أنني موجودة وأغني وأٌقدم ما أحبه".
خضعت الفنانة سعاد محمد لعمليتين جراحيتين في سنواتها الأخيرة، إحداهما في القلب ورغم نجاح العمليتين، لكن بعد فترة وفي مثل هذا اليوم رحلت صاحبة الألف أغنية عن عالمنا وحيدة بمنزلها في القاهرة، ولكن الرحيل لم يمح مشوارها الغنائي المليء بالأغاني التي لاتزال تتبادلها الأجيال إلى الآن منها "فتح الهوا الشباك، من غير حب، مظلومة، وحشتني.."، وغيرها.