تتواصل أعمال الشغب في فرنسا، التي اندلعت إثر مقتل المراهق ذي الأصول الجزائرية "نائل"، يوم الثلاثاء الماضي، خلف حي لاديفانس، بعد محاولته تجاوز نقطة تفتيش، لتنطلق بعدها أعمال الشغب في أنحاء البلاد، تسببت في إضرام النيران في مبانٍ ومركبات وإصابة العديد من رجال الشرطة، إضافة إلى اعتقال المئات.
وقالت الحكومة الفرنسية، في بيان اليوم الجمعة، إنها تدرس "كل الخيارات" لمحاولة استعادة النظام، بعد أن تصاعدت حدة الاشتباكات بين الشرطة ومثيري الشغب، بحسب السلطات.
وقال جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، على "تويتر"، إنه تم إلقاء القبض على أكثر من 667 شخصًا، منذ بدء الاشتباكات التي وصلت الليلة الثالثة.
وأسفرت الأحداث عن إصابة 249 شرطيًا، كما هاجم مثيرو الشغب 79 قسم شرطة، و119 مبنى حكوميًا، بينها 34 دار بلدية و28 مدرسة، بحسب تصريح للسلطات نقلته "رويترز".
ماكرون يستبعد إعلان الطوارئ
وفي السياق، استبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إعلان حالة الطوارئ، بعد أن وصل إلى باريس قادمًا من بروكسل، إذ اضطر إلى إنهاء مشاركته في قمة الاتحاد الأوروبي مبكرًا، حتى يتمكن من حضور ثاني اجتماع طارئ للحكومة خلال يومين.
وندد ماكرون بما وصفه "الاستغلال غير المقبول لوفاة الشاب نائل"، وأعلن نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب والاضطرابات التي تشهدها أنحاء مختلفة من فرنسا، ودعا منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب "الحساسة".
أما رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، فقالت إن الحكومة تدرس كل الخيارات في سبيل استعادة النظام، ووصفت أعمال العنف بأنها "غير مقبولة ولا يمكن تبريرها".
وتشهد مدن مرسيليا وليون وباو وتولوز وليل، وبعض أنحاء باريس ومنها "نانتير" التي تسكنها الطبقة العاملة حيث قتل الشاب نائل، أعمال شغب متصاعدة.
ممارسة العنف والعنصرية
وفاة الشاب "نائل"، أعادت فتح شكاوى قديمة من أن الشرطة تمارس العنف والعنصرية الممنهجة، وهي شكاوى طالما رددتها جماعات حقوق الإنسان، وغالبًا ما يرددها أصحاب الدخل المنخفض في الضواحي التي يقطنونها، وخاصة الأعراق المختلفة.
ووقف النواب والوزراء دقيقة صمت في الجمعية الوطنية تحيةً لروحه، فيما قال أوليفييه فيران، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، إن ماكرون عبّر عن "تأثره" بسبب وفاة الصبي، ودعا الجميع إلى "الهدوء".
التحقيق مع رجل الشرطة
يخضع رجل الشرطة، الذي قتل الشاب "نائل" لتحقيق رسمي بتهمة القتل العمد، وهو حاليا قيد الحبس الاحتياطي، وقال الادعاء العام إنه اعترف بإطلاق رصاصة قاتلة على الشاب القاصر، فيما قال محاميه لوران فرانك لينار لقناة (بي.إف.إم) التلفزيونية إن موكله صوّب على ساق السائق، لكنه ارتطم بشيء ما جعله يغير اتجاه الطلقة نحو صدر الشاب، قائلًا: "من الواضح أن (رجل الشرطة) لم يرغب في قتل السائق".
فرصة لمعالجة العنصرية
ومن جهته، علق مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اليوم الجمعة، على الأحداث، بأنها فرصة للبلاد لتعالج بجدية المشكلات العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز العنصري في إنفاذ القانون، بحسب ما نقلته "رويترز" عن رافينا شامداساني المتحدثة باسم المكتب.
وشددت "شامداساني" على أهمية أن تكون التجمعات سلمية، فيما دعت السلطات إلى ضمان أن يكون استخدام الشرطة للقوة في التصدي للعناصر العنيفة في المظاهرات وفقًا لمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب وعدم التمييز والحيطة والمساءلة.
تصاعد أعمال الشغب
وأظهرت مقاطع مصورة، تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي اشتعال النيران في حدائق بجميع أنحاء البلاد، واندلعت النيران بترام بمدينة ليون (شرقي البلاد)، وفي 12 حافلة داخل مرآب في أوبيرفيلييه بشمال باريس، كما تضررت واجهة مركز تدريبات الألعاب المائية، بحسب شركة سوليديو المسؤولة عن أعمال البنية التحتية لأولمبياد باريس 2024.
وفي نانتير، أضرم محتجون النار في سيارات وأغلقوا الشوارع وألقوا مقذوفات على الشرطة، كما تم اقتحام متجر لبيع الأحذية تابع لشركة نايكي في وسط باريس، كما حطم محتجون نوافذ متجر في شارع رو دي ريفولي.
وصرح وزير النقل كليمان بون لمحطة (آر.إم.سي) الإذاعية بأنه "لا يستبعد إغلاق شبكة المواصلات العامة في العاصمة".
دول تحذر رعاياها
وحذرت السفارة الأمريكية رعاياها في فرنسا، وطالبتهم بتجنب التجمعات الحاشدة والمناطق التي تنتشر فيها الشرطة.
وأيضًا حذرت بريطانيا رعاياها المسافرين إلى فرنسا من تعطل الانتقالات البرية، بما في ذلك حظر تجول محتمل، وقالت وزارة الخارجية البريطانية في تعليماتها للسفر المنشورة عبر الإنترنت، اليوم الجمعة: "قد تكون هناك حالات تعطل في السفر برًا، وربما تتقلص خدمات وسائل النقل المحلية".
وأضافت: "ربما تفرض بعض السلطات المحلية حالات حظر تجول، لا يمكن التنبؤ بمواقع أعمال الشغب أو توقيت حدوثها.. عليكم متابعة وسائل الإعلام وتجنب المناطق التي تشهد أعمال الشغب".