تجري السينما مجرى الدم في حياة المخرج القدير خيري بشارة، فهو المتمرد والمغامر وغير المتوقع، وأحد رواد التجديد، استطاع أن يقدم سلسلة من الأفلام التي تعد علامات في تاريخ السينما المصرية.
ما زال خيري بشارة قادرًا على العطاء الفني، فقبل ٧٦ عامًا ولد في مثل هذا اليوم، 30 يونيو عام 1947، لتحل ذكرى ميلاده، فلم يكتف بما قدمه من إسهامات كبيرة على مدار مشوار طويل من العمل تجاوز أكثر من نصف قرن في صناعة السينما.
بدأ خيري بشارة من خلال بوابة السينما التسجيلية، وسرعان ما ظهرت شخصيته في أفلامه التي تحمل واقعية شاعرية، ليكون واحدًا من رواد عصره، قادرًا على نسخ خيوط الواقع في عمل فني ممتع، ويعتبره الكثيرون هو الأب الروحي للتجديد في السينما، فهو المتمرد على ما قبله فكان من أوائل المجددين، ويعتبر فيلم "العوامة ٧٠" أول أفلامه الواقعية في السينما الجديدة.
لم تكن ظروف السينما مواتية في فترة تخرجه في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ولكنه عمل في المركز القومي للأفلام التسجيلية وعمل كمخرج للأفلام التسجيلية، ليوثق بكاميراته أول أفلامه التي عبرت عن الحرب والواقع وقتها، وهو فيلم "صائد الدبابات" والذي حصل على إشادات كبيرة باعتباره من أوائل الأعمال التي أرّخت لحرب أكتوبر.
تأثر خيري بشارة بفترة الحرب والتقلبات المجتمعية في هذه الفترة، وقدم أول أفلامه الروائية "الأقدار الدامية"، والذي تحدث فيه عن الأحوال المجتمعية في فترة حرب ٤٨، وعُرض هذا الفيلم بعد فيلم " العوامة ٧٠" الذي يمثل تجربة ذاتية وشخصية له ممزوجة بالواقع، وهو من الأعمال التي اعتبرها الكثيرون تجديدًا لروح السينما، ويقول عنها خيري بشارة "الفيلم محاولة للحديث والتعبير عن نفسه وعن جيله أيضًا".
تعاون خيري بشارة مع كبار النجوم مثل الفنان أحمد زكي في فيلم "كابوريا" الذي حقق نجاحًا منقطع النظير، وقلّد شكله الكثير من الشباب عند عرض الفيلم وقتها، كما تعاون مع الفنانة نادية الجندي في فيلم "رغبة متوحشة"،
رغم التجارب السينمائية المعدودة التي خاضها المطرب عمرو دياب واقفا أمام الكاميرا ممثلًا، إلا أن خيري بشارة كان له نصيب من العمل معه في فيلم "آيس كريم في جليم"، كما عمل مع المطرب محمد فؤاد في فيلم "أمريكا شيكا بيكا".
عمل خيري بشارة مع الفنانة القديرة فاتن حمامة في فيلم "يوم مر ويوم حلو"، فهو يميل إلى تقديم الواقع في أعماله، ففي هذا الفيلم قام خيري بشارة بسرد قصة سيدة وأم لأربعة فتيات وولد، تنتمي لطبقة بسيطة، ليعيد الفيلم فاتن حمامة للسينما بعد غياب، مقدمةً وجهًا آخر للحياة البسيطة، والطبقة المهمشة.
كما كان فيلم "الطوق والإسورة" من أروع الأفلام التي التقطتها عين خيري بشارة، ويحمل معانٍ إنسانية كبيرة، وقامت ببطولته الفنانة شريهان.
لم يتوقف إبداع خيري بشارة في السينما التي أعطاها جل تفكيره، ولكنه دخل عالم التلفزيون وقدم فيه علامات مضيئة من إخراجه مثل مسلسل "مسألة مبدأ"، ومع الفنانة نيللي كريم أولى بطولاتها التلفزيونية مسلسل "بنت اسمها ذات"، كما قدم تجارب تلفزيونية أخرى مثل مسلسل "ريش نعام" و"ملح الأرض".
يظل خيري بشارة مبدعًا ومعطاءً للفن وقادرًا على التجديد بفكره المختلف، والتقاطه زوايا يصعب على غيره التفكير فيها، فنظرته المختلفة صنعت منه اسمًا في عالم التفرد والتميز، ومؤخرًا أعلنت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، إطلاق اسمه على الدورة الـ١٣ للمهرجان؛ تقديرًا لمشواره الكبير ولإسهاماته في تقديم سينما جديدة.