الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قراءة في نتائج قمة الميثاق التمويلي العالمي الجديد

  • مشاركة :
post-title
قمة باريس "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد"

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

نجحت القمة الدولية "من أجل ميثاق تمويلي عالمي جديد" التي اختتمت أعمالها في 23 يونيو الجاري بالعاصمة الفرنسية باريس، في تعزيز التوافق العالمي على مجابهة التحديات المشتركة، والتي تشمل مواجهة تحديات تغير المناخ والاستمرار في مكافحة الفقر واستئناف مسار التنمية المستدامة في إطار أسس وآليات جديدة تواكب الظروف الراهنة عقب أزمات تفشي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ويأتي على رأسها تحدي التمويل في أوقات الأزمات لتعزيز استجابة الدول الناشئة والنامية.

ملفات ملحة:

استعرضت المناقشات صعوبات التمويل لدول الجنوب العالمي في أوقات الأزمات ويمكن إبراز أهم قضايا القمة على النحو التالي:

(*) الإصلاح الهيكلي للمنظومة المالية العالمية: على مدار جلسات القمة التي استمرت يومين برزت أهمية إحداث "صدمة مالية عالمية"، بحسب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة وزراء بيربادوس ميا موتلي، لتلبية الاحتياجات المتصاعدة للدول النامية والناشئة في مواجهة تغير المناخ ودعم التحول العادل للطاقة الخضراء، بما في ذلك مساعدتها على إعادة هيكلة ديونها.

وأشارت لذلك مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، من خلال تعاونها مع نادي باريس للديون وغيره من الشركاء الدوليين لتخفيف عبء الديون وجدولتها أو مبادلتها وتوفير تمويلات إضافية، من خلال إعادة توجيه نسبة من حقوق السحب الخاصة لبعض الدول الكبرى لصالح الدول الأكثر احتياجًا (40% من حقوق السحب لكل من فرنسا واليابان، و28% من حصة الصين).

وعلى الرغم من دور تلك الجهود في توفير تمويل إضافي إلا إنها تظل محدودة نظرًا لطبيعة عمل صندوق النقد والبنك الدوليين، باعتبارهما مؤسسات تخضع بصورة أو بأخرى للدول الغربية الغنية، حيث يكون مدير الصندوق مواطنًا أوروبيًا ومدير مجموعة البنك الدولي مواطنًا أمريكيًا يختاره البيت الأبيض، مما يجعل ممارسات تلك المؤسسات أحيانًا "غير أخلاقية"، وإن كان وفق قواعد عمل نشأت فيها تلك المنظومة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن تلك القواعد لا تخدم تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر، ففيما استدانت الدول الأوروبية في 2021 (بحسب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش) بأكثر من 160 مليار دولار لإعادة إطلاق اقتصاداتها عقب جائحة كورونا، لم يوجه صندوق النقد للدول الإفريقية سوى 34 مليار دولار للإنفاق على سداد القروض وفوائدها، مما يجعل تكلفة الدين على الدول الإفريقية أكثر من 8 مرات مقارنة بالديون الأوروبية.

ولا يزال الإصلاح الهيكلي لمجمل المنظومة المالية العالمية، وليس فقط مؤسسات "بريتون وودز" فقط ممثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين فقط، وإنما جميع بنوك التنمية متعددة الأطراف، لتعزيز قدراتها على إعطاء قروض بقيمة 200 مليار دولار، ومضاعفة حقوق السحب الخاصة للدول الناشئة والأشد احتياجًا، فضلًا عن العوامل الأخرى التي تدخل في تقييم جدارة تلك الدول، مثل مؤسسات التصنيف الدولية التي اتهمها الأمين العام للأمم المتحدة بالانحياز وعدم النزاهة، نظرًا لدور تصنيفاتها في الحد من قدرات تلك الدول على الاقتراض، وتقييد قدرات بنوك التنمية متعددة الأطراف على الإقراض للدول النامية.

ويحمل منطق إعادة هيكلة النظام المالي كذلك تحقيق التوازن بين التحول الأخضر والاستمرار في طريق التنمية المستدامة، ومعالجة الديون تفاديًا لأزمة ديون كبرى في ظل وجود 52 دولة عرضة للتخلف عن سداد ديونها، ومن ثم طالب الأمين العام وقادة الدول الإفريقية لإيجاد آلية تفعيل تلقائي لحقوق السحب في أوقات الأزمات وتيسير إجراءات السداد بفوائد أقل وعلى مدى زمني أكبر.

(*) الحسابات الجيوسياسية: تمثل القمة إحدى حلقات إصلاح النظام الدولي متعدد الأطراف، والتي جاءت امتدادًا لمساعي قمة مؤتمر الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP 27، وشددت كلمات القادة على أهمية التكاتف بين الدول الغنية والدول الناشئة والأكثر احتياجًا لتعزيز بنية الاقتصاد العالمي ومجابهة التحديات المشتركة بتحييدها عن الخلافات الجيوسياسية الكبرى على وقع الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية والتنافس الصيني الأمريكي، وهو ما كان واضحًا في الحضور رفيع المستوى للصين والولايات المتحدة.

كما يُظهِر الأثر التتابعي لظواهر التغير المناخي ارتباطها بتهديد الأمن الغذائي العالمي والضغط على الأنظمة الاقتصادية والصحية في دول الجنوب عمومًا وإفريقيا بوجه خاص، مما يدفع مواطنو تلك الدول للبحث عن فرص العيش الكريم في دول الشمال الغنية، ومن ثم أشار الرئيس المصري لأهمية ترجمة وعود التمويل التي أطلقتها قمة باريس المناخية 2015 بنحو 100 مليار دولار وفق الالتزامات الوطنية وتخصيصها في مشروعات لدعم البنية التحتية القارية، للمساهمة بفاعلية في تحسين جودة حياة المواطنين الأفارقة في بلدانهم وتحقيق التنمية المستدامة، بجانب إعطاء زخم للعمل المناخي الدولي.

(*) شراكات مناخية متكافئة: أجمع القادة ومسؤولو مؤسسات التمويل الدولية على أهمية دور الشراكات الدولية في مواجهة تحديات تغير المناخ، وهو ما أشار إليه الرئيس المصري في وجود إطار واضح وخطة عمل لبلاده من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية بالتمويل الميسر والمختلط، مستعرضًا تجربة مصر ببرنامج "نُوفّي" لتعزيز العمل المناخي، بالتركيز على قطاعات المياه والغذاء والطاقة، مما عزز من دعم ألمانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محور الطاقة في البرنامج، دعمًا لرفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الطاقة الوطني بحلول عام 2030. وعلى الجانب الآخر تسعى باريس وحلفاؤها الأوروبيون لحثّ القوى الكبرى على تنفيذ التزاماتها المناخية بدعم الدول المتضررة، فضلًا عن فرض ضرائب على الجهات الملوثة للبيئة مثل قطاع الشحن البحري.

وإجمالًا؛ على الرغم من أهمية القمة في بناء توافق دولي حول أزمة الديون ومواجهة تحديات الاقتصاد العالمي بحضور كبرى الدول الغنية وعدد من أهم دول الجنوب العالمي، إلا إنها نجحت فقط في تحريك المناقشات حول الإصلاح الهيكلي للنظام المالي العالمي، الذي يكرس انعدام المساواة بين الدول وأزمات الفقر ونقص الغذاء وتغير المناخ، ولم تضع ميثاقًا واضحًا يحظى بالإجماع اللازم، وأجّلت البت فيها للاستحقاقات الدولية المقبلة، ومنها قمة مجموعة العشرين بالهند، والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين وقمة المناخ كوب 28 بالإمارات.