يثير الانفجار الضخم بميدان تقسيم، الواقع في الشطر الغربي من مدينة إسطنبول التركية، اليوم 13 نوفمبر العديد من التساؤلات حول حدود نشاط التنظيمات الإرهابية في تركيا، خاصة تنظيم "داعش"، الذي حوّل استراتيجياته مؤخرًا نحو توظيف نمط الذئاب المنفردة لتنفيذ عمليّاته، وذلك للتغطية على الهزائم المتكررة، التي مُني بها في العديد من مواقعه، وتُشير المعلومات الأوليَّة عن الحادث، إلى أن تنفيذ الهجوم تمّ بقنبلة، وأسفر عن 6 قتلى، و81 جريحًا.
مؤشرات أولية:
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن المعطيات الأولية، تشير إلى أن انفجار ميدان تقسيم، نتيجة عمل إرهابي، وتوعد بتتبع منفذي الهجوم، ومن بينهم سيدة، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل صورتها في الشارع التجاري المزدحم قبيل الانفجار، قبل أن تعلن السلطات التركية حظرًا للنشر حول الواقعة بدعوى "عدم إشاعة الفزع". وأبدى العديد من المحللين والمتابعين تخوفهم من حظر السلطات التركية النشر حول الواقعة لا سيما أن هناك تحليلات تُشير إلى ضلوع تنظيم "داعش" الإرهابي في الحادثة. في هذا السياق، تحاول السلطات الحكومية في أنقرة، تحميل الهجوم لحزب العمال الكردستاني الذي تحظر أنشطته، وتعتبر أن هذا التصعيد من جانب الحزب جاء كرد فعل للعمليات العسكرية التركية، التي استهدفت الحزب وأنشطته في سوريا والعراق. يُذكر أن السلطات التركية تخوض حربًا ضد حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984، وقد أودى النزاع إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
اتهامات لتنظيم "داعش":
تشير التحليلات الأمنية بأصبع الاتهام إلى تنظيم "داعش"، خاصّة أن هناك حالة من التصعيد بدت واضحة مؤخرًا بين السلطات التركية والتنظيم. وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك، من أبرزها:
(*) تمكّنت السلطات التركية من القبض على عددٍ من الخلايا التابعة لتنظيم الدولة التي تعمل على أراضيها، ويُعد إعلان تركيا عن اعتقال أحد عناصر التنظيم، التي تسللت إلى تركيا مؤخرًا، مؤشرًا على تدهور علاقات أنقرة والتنظيم، وهو ما استدعى تكثيف السلطات التركية جهودها على الحدود. يّذكر أن السلطات التركية أعلنت اعتقال 9 عناصر من أعضاء التنظيم في مدينة الباب، شرق مدينة حلب السورية.
(*) القبض على القيادي البارز في تنظيم داعش "بشار الصميدعي " خلال الشهرين الماضيين، واكتسب خبر القبض على "الصميدعي" أهميته من إعلان الرئيس التركي "أردوغان" بنفسه، وهو ما جعل البعض يُشير إلى نهاية علاقات التواصل، التي كانت تربط التنظيم بتركيا طوال الفترة السابقة.
(*) نجحت فرقة مكافحة الإرهاب التركية في القبض على 3 عناصر تعتقد انتماءهم لداعش، وذلك في أثناء محاولتهم الخروج من تركيا، وضُبط معهم مبالغ من المال، يُعتقد أنها كانت موجهة للتنظيم، الذي يعاني من أزمات اقتصادية بفعل نجاح استراتيجية مكافحة الإرهاب الشاملة التي يتبعها العالم، وتقضي بتجفيف منابع الإرهاب ومحاصرة مموليه.
تأثيرات سلبية:
تخشى تركيا من تأثير حادث تقسيم على اقتصادها وصورتها خارجيًا، لا سيما أنها تعاني من تراجع النمو الاقتصادي في ضوء تدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وفيما يلي أبرز التأثيرات المحتملة للتفجير:
(*) تخوف من انهيار الموسم السياحي: تُعول تركيا هذه الأيام كثيرًا على الموسم السياحي الذي يجذب نحو 40 مليون سائح سنويًا، وتُعد مدينة إسطنبول (مركز الحادث) محوره، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي أصابت المواسم الفائتة، بسبب حالة الإغلاق العام التي صاحبت انتشار جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية. في هذا السياق، تنظر السلطات التركية إيجابيًا نحو استفادتها من احتضان دولة قطر لبطولة كأس العالم (فيفا 2022) خلال شهري نوفمبر وديسمبر، وهو ما يُعد فرصة لأنقرة لتشغيل سياحة الترانزيت لا سيما أن مطار إسطنبول الجديد لديه القدرة على استيعاب أكثر من 3000 رحلة يوميًا، وبالتالي يُمكن أن يكون حلقة الوصل لنقل مشجعي المونديال عبر خطوطها، خصوصًا أنها تمثل حلقة وصل بين قارات العالم وآسيا.
(*) تمدد التهديدات الأمنية إلى الداخل التركي: ليس فحسب مقتل 6 أبرياء، وإصابة 81، في حادث إسطنبول، يعكس ثمنًا كبيرًا تدفعه أنقرة نتيجة لسياساتها تجاه التنظيمات الإرهابية، والتي تعتبرها العديد من الدول خاطئة، إلا أن العملية الإرهابية تُصدَّر صورة سلبية عن الإجراءات الأمنية التي تتخذها أنقرة لحماية أمنها الداخلي، وهو ما يُعيد للأذهان الحوادث الإرهابية المتوالية التي جرت في تركيا في عام 2016، مثل قيام تنظيم "داعش" بالعديد من التفجيرات، واغتيال سفير موسكو لدى أنقرة، إضافة إلى تمكن التنظيمات الإرهابية من إسقاط الطائرة الروسية.
(*) عودة نمط الذئاب المنفردة من جديد: يعيد حادث إسطنبول الحديث مجددًا حول ظاهرة الذئاب المنفردة التي نشطت مع تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، لا سيما مع تداول صور لسيدة يُشتبه في قيامها بالعملية، ويلجأ التنظيم إلى هذه الاستراتيجية لاستعادة تأثيره، لا سيما بعد الهزائم المتكررة التي لحقت به في كل الجبهات. وتُمثل ظاهرة الذئاب المنفردة خطرًا على أمن المدن وقاطنيها بشكلٍ عام؛ حيث تستهدف المدنيين بشكلٍ جوهري، وهي تعمل دون قيادة أو تنظيم، ويكون الدور الكبير الذي يمارسه التنظيم في التجنيد. وتتمثل خطورة هذا النمط من الإرهاب كون القائمين أشخاص عاديين لا يثيرون ريبة في خطواتهم وسلوكهم، وهو ما يُسهل حركتهم.
(*) تخوفات أوروبية مشروعة: تُشعل حادثة إسطنبول التخوفات مجددًا لدى القادة الأوربيين حول مسألة أوضاع الحدود التركية الأوربية، خاصة إذا ثبت ضلوع تنظيم داعش في العملية، كما تذهب كثير من التحليلات؛ إذ يتخوف الأوربيون من تمكن أعضاء تابعين للتنظيم من التسلل من سوريا والعراق وأفغانستان عبر إيران إلى الحدود التركية للوصول إلى أوربا عبر اليونان وبلغاريا، خاصة أن أنقرة أحبطت في أكثر من مرة محاولات تسلل عناصر تابعة للتنظيم إلى أراضيها عبر الحدود التركية السورية. جدير بالذكر أن دولًا أوروبية مثل اليونان لا تثق في سياسات أنقرة تجاه الهجرة، لا سيما أنها تتهمها بالبراعة في توظيف ورقة الهجرة غير الشرعية لابتزاز أوروبا.
في الختام؛ تخشى أنقرة من توجيه أصبع الاتهام إلى داعش خوفًا على نتائج هذا الموسم، وهو ما يتأكد بتجنب المسئولين الأتراك الإشارة إلى تنظيم داعش، وكذلك حظر السلطات الإعلامية في أنقرة للنشر، لما لذلك من تأثير سلبي على الأوضاع هناك، خاصة أن تركيا تشهد أزمة اقتصادية غير مسبوقة نتيجة تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى أدني مستوياتها، بعد قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة.
إلى جانب ذلك، تُشير التقديرات إلى أن أنقرة تأثرت سلبًا من التنظيمات الإرهابية منذ عام 2014، وهو ما يطرح تساؤلات حول ضرورة تناغم السياسات التركية مع السياسات العالمية لمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، خاصة أنها كانت أكثر المتضررين منه بعد أن برزت قدرة التنظيمات الإرهابية على استخدام الحدود التركية المكتظة بالثغرات لجلب المقاتلين والإمدادات، وبدا في البداية أنه لا يستهدف تركيا، ولكن سرعان ما قيَّم الإرهابيون تجربتهم ووجهوا أسلحتهم تجاه تركيا، باعتبار أن الهجمات الجوية الموجهة ضدهم تنطلق من القواعد التركية.