الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شراكة استراتيجية.. دلالات زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الجزائري والروسي

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

أجرى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، مساء 13 يونيو 2023، زيارة رسمية إلى روسيا، التقى خلالها بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، وعدد من المسؤولين الروس، وشارك في أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي بمدينة سان بطرسبرج الروسية، الذي انعقد في الفترة من 14 إلى 17 يونيو الجاري، وركزت محادثات "تبون" خلال هذه الزيارة على رفع مستوى العلاقات الجزائرية الروسية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما يعود بالنفع على البلدين اللذين تجمعهما علاقات منذ أكثر من 60 عامًا.

دلالات التوقيت:

تجدر الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الجزائري، هي الأولى من نوعها لروسيا، منذ تسلمه مقاليد الحكم في يوليو 2019، إذ تأجلت هذه الزيارة التي تأتي بدعوة رسمية من الرئيس "بوتين"، أكثر من مرة، وتأتي بالتزامن مع جملة من التطورات، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) اتصالات وزيارات مُتبادلة: تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع استمرار الاتصالات والمباحثات والزيارات المتبادلة بين الجانبين الجزائري والروسي، وكان آخرها زيارة، سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي إلى الجزائر في 10 مايو 2022، أي بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وخلالها وقع الجانبان على وثيقة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وقد سبقت تلك الزيارة مباحثات هاتفية بين الرئيسين الروسي والجزائري في أبريل 2022، دعا خلالها "بوتين" نظيره الجزائري لزيارة موسكو، ولكن تم تأجيل الزيارة، كما أجريا مباحثات أخرى في يوليو 2022، وجدد "بوتين" الدعوة لنظيره "تبون" لزيارة البلاد، وتم تأجيلها مرة أخرى، وعليه، قد جاءت هذه الزيارة في توقيت تشهد فيه العلاقات الجزائرية الروسية تقاربًا ملحوظًا على المستويات كافة.

الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف-أرشيفية

(*) ضغوط غربية على الجزائر: تأتي هذه الزيارة في خضم تعرض الدولة الإفريقية لعدة ضغوط أمريكية وأوروبية؛ جراء علاقات التحالف التي تجمعها بموسكو، وبسبب مساعيها في الانضمام إلى تكتل "بريكس" الاقتصادي الذي تعد روسيا أبرز أعضائه، والذي يعد هدفًا رئيسًا للجزائر لمستقبلها الاقتصادي، ولذلك، عقب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي إلى الجزائر، وامتناع الأخيرة عن التصويت على فرض عقوبات على موسكو، فقد دعا بعض نواب الكونجرس الأمريكي، وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" لفرض عقوبات على الجزائر جراء علاقاتها مع موسكو، وطالبوا بإدراجها ضمن قائمة "أعداء أمريكا"، كما بعث عدد من نواب البرلمان الأوروبي برسالة إلى كل من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ومفوض الشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، أعربوا فيها عن قلقهم من تنامي العلاقات الجزائرية الروسية.

أهداف مُشتركة:

في ضوء ما تقدم، قد شهدت الزيارة توقيع الرئيسين الروسي والجزائري، على إعلان شراكة استراتيجية معمقة بين البلدين، وهو ما يحمل جملة من الأهداف المُشتركة لكلا الطرفين، يُمكن توضيحها على النحو التالي:

(&) تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وموسكو: جاءت زيارة الرئيس "تبون" إلى روسيا، في هذا التوقيت؛ لتعزيز التحالف الاستراتيجي بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات جيدة منذ أكثر من 60 عامًا، إذ تعد الجزائر، شريكًا استراتيجيًا مهمًا بالنسبة لموسكو في القارة الإفريقية، وتتمتع تلك الدولة بمكانة مهمة أيضًا على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولذلك، كان الرئيس الروسي حريصًا على زيارة نظيره الجزائري إلى البلاد. وتخللت مباحثات رئيسي البلدين، التوقيع على إعلان الشراكة العميقة على مستوى الحكومات والسُلطات البلدية والوزارات، وتهدف في مجملها لتعزيز علاقات البلدين بمختلف المجالات، وهو ما أكده الرئيس "بوتين"، قائلًا، إن "اعتماد إعلان الشراكة العميقة هو بداية لمرحلة جديدة أكثر تطورًا في العلاقات الثنائية بين روسيا والجزائر التي تحمل أهمية خاصة بالنسبة لروسيا وذات طبيعة استراتيجية".

(&) تحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين: تأتي هذه الزيارة في إطار مساعي القيادة الجزائرية لتنفيذ برنامج إنعاش اقتصادي وتعزيز الشراكات الاستثمارية مع مختلف بلدان العالم، الأمر الذي دفع بالجزائر أخيرًا لإصدار "قانون الاستثمار" الذي يوفر جميع التسهيلات لرجال الأعمال للاستثمار في الجزائر، وبجانب مساعي البلدين لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، إذ تعد الجزائر ثاني شريك تجاري لروسيا بالقارة الإفريقية، فوفقًا لإحصاءات 2021، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ ما يقرب من 3 مليارات دولار، فضلًا عن أن كلا البلدين، هما من أعضاء تحالف "أوبك+".

ولذلك حظي الجانب الاقتصادي بمساحة واسعة في زيارة الرئيس "تبون"، الذي دعا خلال افتتاحه أعمال "المنتدى الاقتصادي الجزائري الروسي"، الحاضرين (70 اقتصاديًا جزائريًا و200 رجل أعمال روسي) إلى تعميق أعمالهم الاقتصادية والاستثمارية في الجزائر والاستفادة من الإمكانات التي توفرها الأخيرة لتسهيل أعمال المستثمرين، معلنًا في الوقت ذاته، عن مساعي بلاده لرفع مستوى الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، خلال العام الجاري لتبلغ 13 مليار دولار، عبر تشجيع الاستثمارات، كما طالب "تبون" خلال محادثاته تلك بتسهيل عملية انضمام الجزائر إلى "منظمة البريكس" الاقتصادية (تضم: روسيا، جنوب إفريقيا، الصين، الهند، البرازيل)، وتقليل الاعتماد على الدولار واليورو. وإجراء التسويات المتبادلة بين البلدين بالعملات الوطنية وهو ما رحب به الرئيس "بوتين"، وفي ضوء مساعي الطرفين لتعميق العلاقة الاقتصادية، فقد دعا الرئيس الروسي نظيره الجزائري للمشاركة في القمة الروسية الإفريقية، التي ستعقد في بطرسبورج نهاية يوليو المقبل.

(&) تعميق التعاون العسكري المُشترك: من أبرز أهداف تلك الزيارة، تعزيز العلاقات العسكرية بين موسكو والجزائر، إذ إن الأخيرة تعتمد بنسبة كبيرة على السلاح من روسيا، وتعد ثالث مستورد للسلاح الروسي، وتمول موسكو الجيش الجزائري بمختلف أنواع الأسلحة بنسبة تزيد على 50%، وفقًا للإحصاءات الصادرة عن تقرير "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام "SIPRI"، في مارس 2023، ولذلك، فإن إعلان الشراكة الاستراتيجية الذي تم توقيعه بين الجانبين الروسي والجزائري خلال تلك الزيارة، تناول في جزء منه، سبل تعميق التعاون العسكري بين البلدين، من خلال إجراء تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة وتعزيز التعاون بمجال تكنولوجيا الدفاع، وتبادل خبرات الإنتاج العسكري ورفع مستوى تدريب القادة العسكريين في كلا البلدين، ولذلك نصت وثيقة التعاون العسكري على "استخدام آلية اللجنة الحكومية الروسية الجزائرية المشتركة للتعاون العسكري التقني؛ لتعزيز التفاعل في هذا المجال على المدى الطويل".

(&) توطيد أواصر الدعم بين الجزائر وروسيا: لطالما حرصت الجزائر منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، على تبني موقف يتسم بـ"الحياد"، إذ امتنعت في أوقات عدة عن التصويت على أية مشروع قرار أمريكي أو أوروبي يدين "العملية العسكرية الخاصة"، كما سبق ورفضت إقصاء موسكو من مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ورفضت أية إجراءات دولية لفرض عقوبات على الحليف الروسي، وكان رد الفعل الجزائري هذا محل ترحيب وتقدير من قبل الجانب الروسي وفي الوقت ذاته كان محل انتقاد من قبل الغرب، الذي طالب الدولة الإفريقية بتقليل دعمها لموسكو، ولذلك فقد جاءت زيارة الرئيس "تبون" إلى روسيا لتؤكد على استمرار الدعم الجزائري لتطوير العلاقات مع موسكو، وهو ما أكده "تبون" خلال مباحثاته مع نظيره الروسي، قائلًا، إن "الأوضاع والضغوطات الدولية لن تؤثر على صداقة الجزائر مع روسيا، التي تمتد لـ60 سنة، إذ إن استقلال الجزائر كان بدعم من روسيا الفيدرالية"، مضيفًا، "الجزائر حصلت على العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن (التي تبدأ في يناير 2024) بفضل أصدقائنا وعلى رأسهم روسيا".

(&) تعزيز التعاون بمجال مكافحة الإرهاب: في إطار التعاون العسكري بين البلدين، فإن هذه الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون بمجال مكافحة الإرهاب، وهو الملف الذي تحرص عليه الجزائر بشدة مع مختلف بلدان العالم، فخلال الفترة الأخيرة، كثفت القوات المسلحة الجزائرية من عملياتها لمكافحة الأعمال الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار الجزائر، فضلًا عن رفض الأخيرة للإرهاب الذي يهدد دول القارة الإفريقية، لذلك فهي حريصة على تعزيز التعاون مع موسكو بهذا المجال بشكل ينعكس ليس فقط على كلا البلدين، ولكن على مختلف بلدان القارة الإفريقية، وعليه، في أواخر أغسطس الماضي، اتفقت كل من موسكو والجزائر على تنظيم التدريبات العسكرية الروسية – الجزائرية لمكافحة الإرهاب "درع الصحراء 2022" بالأراضي الجزائرية، وبجانب هذا فإن مباحثات الرئيسين الجزائري والروسي ركزت على "التعاون المشترك بـالمفاوضات المتعددة الأطراف بشأن اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب الكيميائي والبيولوجي في إطار مؤتمر نزع السلاح، ووضع آلية فعالة لتعزيز نظام اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية والسامة".

مناورات درع الصحراء 2022

(&) تعاون مُشترك لحلحة عدد من القضايا الإفريقية: إن من أبرز أهداف تلك الزيارة هو مساندة روسيا للجزائر في عدد من الأزمات التي تشهدها بعض دول القارة الإفريقية، كالأزمة الليبية التي دخلت عامها الـ13، إذ تحرص الجزائر على التوصل لحل سياسي ينهي هذه الأزمة بإجراء الانتخابات الرئاسية المتعثرة منذ 24 ديسمبر 2021، وفي ضوء ذلك، فقد أكد الرئيس "تبون" خلال مباحثاته مع نظيره الروسي على استمرار التشاور بين البلدين لحل هذه الأزمة، قائلًا، إن "التشاور مع الأصدقاء ضروري في جميع النقاط التي تهمنا، ونتفق معًا في الملف الليبي، وهي دولة صديقة مشتركة بيننا نتمنى لها الأمن والاستقرار"، وفيما يخص، مالي، فإن الجزائر بذلت جهودًا خلال السنوات الماضية لدعم اتفاق السلام في مالي، وذلك باستضافة أطراف النزاع في مالي بالأراضي الجزائرية، ومن جهتها، فإن روسيا قد عملت على تعزيز علاقاتها مع مالي بتقديم الدعم العسكري للمجلس العسكري الانتقالي في مالي، ولذلك، فإن الجزائر ترغب في التعاون مع موسكو لحل الصراع في الدولة الواقعة غرب إفريقيا، وفي هذا الإطار، قال "تبون"، "نبارك العلاقات بين مالي وروسيا ونطلب من أصدقائنا الروس دعم جهود الجزائر لحل الصراع في مالي".

تأسيسًا على ما سبق، يُمكن القول إن زيارة الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" إلى الأراضي الروسية في هذا التوقيت، ستسهم في تعزيز التعاون بين البلدين على الأصعدة كافة، سواءً السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، كما أنها قد تفتح المجال، لقيام الجزائر بلعب دور الوساطة لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة أنها تجمعها علاقات جيدة بكلا الطرفين، وفي الوقت ذاته، فقد تقلق تلك الزيارة بعض الدول الغربية التي قد تتجه ليس لمعاقبة الجزائر على علاقتها مع موسكو، ولكن لتعزيز علاقتها معها خاصة لتأمين احتياجاتهم النفطية التي تأثرت بشدة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، كما قد تدخل واشنطن، وتعمل على تغير نهج سياساتها بتعزيز علاقات التعاون مع الجزائر في محاولة لمنافسة الدور الروسي.