أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية، في بيانٍ لها 6 يونيو 2023، أن انتخاب الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن لمدة سنتين "2024-2025" يُعد مكسبًا لسياستها الخارجية. وحصلت الجزائر على دعم 96% من مجموع المصوّتين البالغ عددهم 193 دولة. وبوجه عام يُعد انتخاب الجزائر لعضوية مجلس الأمن فرصة أمام القضايا والمبادئ التي تتبناها الجزائر في سياستها الخارجية، باعتبار أنها ستقوم بطرحها للنقاش داخل أروقة مجلس الأمن.
نبرز في هذا التحليل الدلالات والأهداف التي تصبو الجزائر لتحقيقها من خلف هذا الترشيح.
خبرة تاريخية ممتدة:
يُعد اختيار الجزائر كعضو غير دائم بمجلس الأمن للمرة الرابعة بعد دورات "1968-1969 و1988-1989 و2004-2005"، بمثابة المؤشر على فاعلية السياسة الخارجية الجزائرية، التي تحرص على تمثيل إفريقيا داخل المنظمات الدولية. وتعتمد الجزائر في عضويتها بمجلس الأمن هذه المرة على إرثها المتراكم في الدورات السابقة؛ إذ قادت الجزائر وقت تمثيلها للمقعد الإفريقي والعربي في مجلس الأمن "2004-2005" جهودًا مهمة للتعاطي مع حساسيَّة الأوضاع في العراق وفلسطين إضافة إلى الصراع في دارفور؛ إذ أسهمت في تبني قرارات متعلقة بحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب الأهلية في السودان، وتبنت كذلك قرارًا يحث إيران على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولعبت الجزائر دورًا في مجلس الأمن الدولي، عام 1988، في الأزمة الليبية المعروفة بـ"أزمة لوكربي"، ووقف الحرب العراقية الإيرانية، ومن المحتمل أن تُركز الجزائر في عضويتها بمجلس الأمن هذه المرة على القضية الفلسطينية، إضافة إلى ملفي الأمن والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء. وبشكلٍ عام يُمكن القول إن الجزائر كانت من الدول الناشطة والفاعلة في المجلس خلال تلك الفترة، وأسهمت بشكل كبير في تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين والتعاون الدولي في مختلف المجالات.
الدلالات والأهداف:
تتطلب العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن من الدولة المُرشحة العمل بجدية على إقناع الدول الأعضاء الأخرى بأنها تُمثل خيارًا جيدًا للعضوية، ويعتمد ذلك على العديد من العوامل، أبرزها الخبرات الدبلوماسية والسياسية للدولة، ومواقفها من القضايا الدولية المحورية. نبرز فيما يلي دوافع ودلالات فوز الجزائر بالمقعد غير الدائم بمجلس الأمن:
(*) تعزيز الدور الإقليمي: يؤكد شكر السلطات الجزائرية للاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على الدور الذي لعبته المنظمات الإقليمية في حشد الدعم لترشيح الجزائر للمقعد، وتأكد ذلك بعد النسبة الكبيرة التي حصل عليها ترشيح الجزائر. ويبرز هذا الدعم الدور المُلقى على الجزائر في تبني القضايا الإفريقية والعربية والإسلامية داخل مجلس الأمن، لا سيما أن السياسة الخارجية للجزائر تقوم على ركائز أساسية؛ أهمها ما يتعلق بالقضايا العربية، وبالأخص القضية الفلسطينية وقضايا السلم والأمن في إفريقيا. ويُعد الانضمام إلى مجلس الأمن خطوة مهمة في تعزيز الدور الإقليمي والدولي للجزائر، ويمنح هذا الانضمام للجزائر مكانة أكبر في المجتمع الدولي، ويساعد في تعزيز دورها بقضايا الأمن والسلم الدوليين. ويُعد انتخاب الدول لعضوية مجلس الأمن موضوعًا مهمًا في العلاقات الدولية؛ إذ إنه يعكس الإنجازات الدبلوماسية والتاريخية للدولة، وجاهزيتها لتحمل المسؤولية الدولية، والدعم الذي تحظى به من الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة.
(*) الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية: رغم خسارة بيلاروسيا -حليف روسيا- العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي لصالح سلوفينيا كممثل عن أوروبا الشرقية، إلا إن موسكو تعتبر أن وجود الجزائر في المجلس مكسبًا لها، نظرًا لعلاقات الدفاع الوثيقة التي تربط البلدين. وحرصت الجزائر منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية على إبراز استقلالية قرارها وتوازن موقفها من الأزمة، ما أظهرها كدولة محايدة. ورغم الموقف الحيادي الذي ظهرت فيه السياسة الخارجية الجزائرية في الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا إنه كان أقرب لموسكو. ويواجه موقف الجزائر تحديًا في مجلس الأمن في هذه القضية، خاصة أنها ستكون مُطالبة أمام الدول الغربية بإظهار مواقفها.
(*) تعزيز القدرة على الاستجابة للتحديات: تحاول الجزائر منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون أن تقدم نفسها للمجتمع الدولي والإقليمي كطرف محايد يُمكن الوثوق به في أزمات المنطقة، بما في ذلك الوساطات الدولية التي تبنتها مثل التوسط في الأزمة السياسية بمالي 2015، والوساطة بين الفصائل الفلسطينية فيما عُرف بـ"إعلان الجزائر"، ويدعم هذه الوساطات مبدأ السياسة الجزائرية، التي تقوم على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، ورفع شعارات "الحوار والنقاش" بين الأطراف المتنازعة لإزالة الغموض والتوصل لحلول دبلوماسية.
(*) دعم القضية الفلسطينية: من المتوقع أن ينعكس انتخاب الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن إيجابًا على الملف الفلسطيني، خاصة بعد نجاح الدبلوماسية الجزائرية في جمع الفرقاء الفلسطينيين، 12 أكتوبر 2022، استكمالًا للدور المصري، وتوقيع الفصائل الفلسطينية على "إعلان الجزائر". واتصالًا بهذه الجهود، تمخض عن القمة العربية التي استضافتها الجزائر، نوفمبر 2022 تشكيل اللجنة الوزارية العربية مفتوحة العضوية لدعم دولة فلسطين، للتحرك لمساندة جهود دولة فلسطين في نيل مزيد من الاعترافات والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. ومن المحتمل أن تستفيد الجزائر من عضوية مجلس الأمن وتواصلها مع الدول الأعضاء في تكثيف اتصالاتها وعلاقاتها الخارجية للحثّ على الاعتراف بدولة فلسطين، ودعمها في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
في الختام، يمكن لانضمام الجزائر إلى مجلس الأمن الدولي أن يساعد في تعزيز العلاقات الخارجية بين الجزائر والدول الأعضاء الأخرى في المجلس، لا سيَّما الكتلة الغربية التي لم تعترض على اختيار الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن. وستستفيد الجزائر من هذا الانفتاح في التسويق لتوجهات السياسة الخارجية الخاصة بها، وتأتي القضية الفلسطينية والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء على رأسها. وستكون عضوية الجزائر في مجلس الأمن الدولي بمثابة فرصة للوصول إلى الداعمين واستقطابهم في صفها في القضايا المحورية التي تتبناها؛ إذ ستمكنها عضويتها من إيصال تصوراتها وبناء علاقات وشراكات مع الدول التي ترتبط معها بمصالح وتتقاسم معها الرؤى. ويتطلب من الجزائر في هذه الدورة حتى تضمن تحقيق مكاسبها المرجوة أن تعمل على إدارة التغيرات وفق مبدأ المصلحة والانفتاح على جميع الآراء سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ويستلزم ذلك الانفتاح على الدول الغربية كالولايات المتحدة وحلفائها وعدم الاكتفاء بدعم الدول الحليفة كالصين وروسيا.