بات واضحًا الانتشار المكثف للتنظيمات الإرهابية في القارة السمراء بعد نزوحها من الدول العربية التي استطاعت التخلص منها الفترة الماضية، وخير شاهد على ذلك ما أعلنت عنه أخيرًا الشرطة الأوغندية بأن مسلحين ذى صلة بتنظيم "داعش" الإرهابي قتلوا نحو 41 شخصًا في هجوم إرهابي.
ويؤكد خبراء أن تلك العملية الإرهابية ليست الأولى التي يقوم بها تنظيم "داعش ولاية وسط إفريقيا" في المنطقة، بل سبقتها هجمات أخرى أكثر خطورة، بحسب أحمد كامل بحيري، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية من القاهرة.
استراتيجية الاتجاه غربًا
وأوضح "بحيري" لـ"القاهرة الإخبارية" أن أوغندا أصبحت واحدة من المستهدفات لهذا التنظيم الإرهابي نتيجة اشتراكها في عمليات مكافحة الإرهاب.
وذكر الباحث بمركز الأهرام، أن اتجاه التنظيم الإرهابي إلى إفريقيا ليس وليد اللحظة بل إنه نابع من استراتيجية أطلق عليها من قبل تلك الجماعات الإرهابية "الاتجاه غربًا" وانطلقت في مارس 2019، وبدأ نقل العمليات والارتكاز في خمس ولايات رئيسية هي "الساحل، غرب إفريقيا، وسط إفريقيا والكونغو، موزمبيق، الصومال".
وأكد أن انتقال التنظيمات الإرهابية إلى إفريقيا جاء رغبة لغض البصر من التحالف الدولي والمجتمع الغربي لانتقال بعض العناصر من سوريا والعراق إلى إفريقيا.
وتابع "البحيري" أن العام الماضي انتقل ما يقرب من 5 آلاف عنصر إرهابي من مناطق شمال شرق سوريا وبعض المناطق في العراق إلى إفريقيا، وارتكازها في منطقة الساحل، وخاصة المثلث الحدودي ما بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وبعض العناصر انتقلت إلى غرب إفريقيا.
داعش يستهدف المجتمعات الهشة
ومن بيروت، قال ميشال أبو نجم، متخصص في شؤون القرن الإفريقي، اليوم الأحد، إن الجماعات الإرهابية تنتقل من بؤرة إلى بؤرة أضعف، وأنهم في الفترة الأخيرة ينتقون المجتمعات التي تتميز بالهشاشة والوهن.
وتابع "أبو نجم" لـ"القاهرة الإخبارية" أن سقوط الدول وتحللها يدفع التنظيم الإرهابي إلى تنفيذ عملياته ووضع أفكاره المتطرفة قيد التنفيذ، وهو ما تمثل في الدول الإفريقية.
وأكد المتخصص في شؤون القرن الإفريقي، أن القوى الدولية والإقليمية التي تستفيد من استخدام هذه المنظمات المتطرفة قد تغض النظر عنها لغايات استراتيجية غالبًا ما تكون مؤقتة ومتحولة، لافتًا إلى أن تلك الدول بطبيعتها هي التي تتحكم بنمو هذه المنظمات وانتقالها إلى أماكن أخرى.
وتابع أن القوى الدولية تعود لاحقًا إلى التلاقي لضرب هذه التنظيمات فور انتهاء وظيفتها، وهو ما حدث لاحقًا في سوريا والعراق وذلك بالتزامن مع إنشاء التحالف الدولي لضرب تنظيم داعش.
ملاذ آمن وأرض خصبة
وأشار إلى أنه بطبيعة الحال ينتقل داعش وغيره من التنظيمات إلى بؤر أخرى في حال وجدوا ملاذًا آمنًا وأرضًا خصبة، وهو ما وجدوه بالفعل في الدول الإفريقية.
وذكر أن الدول الإفريقية غالبًا ما تتميز بهشاشة تركيبتها الاجتماعية والخلافات الطائفية والعرقية التي تجعلها في حالة عدم استقرار دائم ومستدام، وبالتالي تستفيد تلك التنظيمات من هذه الأوضاع لتنمو وتنفذ أفكارها العنيفة، كما تستفيد القوى الدولية من غاياتها الاستراتيجية المؤقتة والمتحولة لترمي هذه التنظيمات المتطرفة في دول ومجتمعات أخرى.
وقال ميشال أبو نجم، إن القارة الإفريقية اليوم تقدم المثل الأبرز في هذا الأمر وخاصة في مناطقها الوسطى، وصولًا إلى غربها حتى دول جنوب إفريقيا؛ لأن تنظيم داعش قسّم إفريقيا إلى مناطق عدة منها منطقة الساحل وغرب إفريقيا ومنطقة البحيرات وصولًا إلى الدول في جنوب القارة.
وأشار إلى أن تلك الجماعات اتجهت لوسط وغرب وجنوب القارة الإفريقية بعد تلقيها ضربات قوية في الدول العربية في شمال إفريقيا بداية من مصر وليبيا وصولًا إلى الملاحقة الجزائرية المستدامة.
5 آلاف إرهابي في القارة
وقال الدكتور أعلية علاني، الباحث في التيارات المتشددة، إن قوات التحالف الديمقراطية التي قامت بعمليتها الأخيرة في أوغندا، قامت بعملية سابقة في نيجيريا، فالأمر لا علاقة له بالأسماء، لأن داعش لا يستخدم اسم الديمقراطية.
وأوضح لـ"القاهرة الإخبارية" أن أغلب الباحثين قالوا إن مستقبل الصراع الإرهابي سيكون في إفريقيا، بعد انتقال نحو 5 آلاف مقاتل من داعش إلى إفريقيا عقب انهيار التنظيم في العراق، والقارة منذ سنوات بدأت كل القوى العظمى والإقليمية تتجه نحوها، وتجمعت مصالحهم فيها، وتعيش معها تناقضاتها وصراعات الزعامة.
وأوضح أن الجماعات الإرهابية تتركز في مناطق الثروات، فالكونغو غنية بمعدن الكولتان "Coltan" المستعمل في صناعة الطائرات وتبريد التوربينات في المفاعلات النووية، لذلك كان متوقعًا أن تبسط الجماعات الإرهابية نفوذها هناك.
داعش يخدم أجندات غربية
وقال عبد الغني العيادي، المحلل السياسي، إنه لا توجد صداقة دائمة أو عداوة دائمة بل توجد مصالح دائمة، ومن المعروف والمرئي عند الناس أن داعش يخدم أجندات محددة بوجوده في إفريقيا.
وأضاف لـ"القاهرة الإخبارية"، أن الأجندة التي تنفذها داعش في إفريقيا تعمل عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لافتًا إلى أن هذا التنظيم الإرهابي يعد بؤرة توتر متنقلة، لمن يدفع لها أكثر.