دفعت العملية العسكرية الروسية أعضاء "الناتو" إلى التخطيط بالتفصيل لما لم يكن من الممكن تصوره منذ نهاية الحرب الباردة، وهو الصراع المباشر مع روسيا.
ومع ذلك، وقبل قمة الناتو في فيلنيوس، بليتوانيا، التي تبدأ في 11 يوليو ستكون مواجهة روسيا على رأس جدول الأعمال، إذ قال السير ريتشارد شيريف، النائب السابق للقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، إن الناتو غير مُستعد لحرب مع موسكو في الوقت الحالي.
عدم استعداد الناتو
وقال لمجلة "نيوزويك": "الأمر يحتاج إلى دفعة حقيقية"، إذ كان الحلف يستهدف تقليص الميزانيات العسكرية بين أعضائه، على الرغم من وجود استثناءات، مثل بولندا.
وأضاف "شيريف": "هناك حرب ضخمة تدور رحاها في أوروبا الشرقية، إنها حرب برية وحرب جوية، ولذا فأنت بحاجة إلى الاستثمار في الجو والأرض، وهذا لم يحدث، في العام الماضي في القمة التي عقدت في مدريد، أعلن ينس ستولتنبرج، أن الناتو سيرفع قوات استعداده إلى 300.000 جندي، وهذا لم يحدث ببساطة".
قال الجنرال البريطاني السابق إن جيش المملكة المتحدة كان مثالًا على هذه التخفيضات عبر الإجراءات التي أدت إلى "حجم مُثير للسخرية"؛ لأنه يعتقد أن مؤسسة الدفاع البريطانية كانت تعتقد أن الصين، وليس روسيا، هي التهديد الرئيسي على المدى الطويل.
وأعرب "شيريف" عن اعتقاده بوجود "فشل في الردع" من جانب الحلف الذي أضاع فرصة لبناء القدرات بعد أن استولى بوتين على شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وتساءل الخبير العسكري "هل أنا واثق من أن الناتو سيكون قادرًا حقًا على توليد قوات تقليدية جاهزة لحرب تقليدية مع روسيا؟ لا، أنا لست كذلك".
وثائق سرية
حتى إذا أصر الكرملين ووسائل الإعلام الحكومية الروسية على أن الحرب هي بالفعل حرب بالوكالة بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، فقد بذل الحلف جهدًا لتجنب دور مباشر في هذا القتال، وبدلًا من ذلك قام بتزويد أوكرانيا بالمعدات اللازمة لمواجهة موسكو.
لكن الأدميرال روب باور أحد كبار مسؤولي حلف شمال الأطلسي قال في مايو إن على الحلف الاستعداد لحقيقة أن "الصراع يمكن أن يظهر في أي وقت" مباشرة مع موسكو، حسبما ذكرت "رويترز".
وهذا هو السبب في أن الناتو سيفحص آلاف الصفحات من الوثائق السرية التي تحدد الخطط والتوجيهات الإقليمية حول كيفية قيام الأعضاء بتطوير قواتهم ولوجستياتهم في الخطط الأكثر تفصيلًا منذ نهاية الحرب الباردة.
وتشمل الخطط أيضًا إرسال قوات للدفاع عن مناطق مختلفة وإعطاء تفاصيل حول "أين وماذا وكيف يتم الانتشار"، حسبما قال ستولتنبرج الشهر الماضي، وسيعتمد ذلك على العملية التي حفزها ضم شبه جزيرة القرم، والتي نشر بعدها الحلفاء الغربيون قوات قتالية في شرق أوروبا.
وبحسب روز جوتيمولر، نائبة الأمين العام السابقة للتحالف لمجلة نيوزويك، فإن ما ستتم مناقشته في القمة "يبدو وكأنه التركيز المطلوب لدعم ما كان الناتو يعده ويفعله على أي حال".
مجموعات الناتو القتالية
وفي مارس أعلن ستولتنبرج أن الحلف سينشر أربع مجموعات قتالية جديدة، كل منها يضم نحو 1,500 جندي، في أنحاء بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا.
وقال ستولتنبرج إن الهدف سيكون "تعزيز وضع الحلف في كل المجالات بزيادة كبيرة في القوات بالجزء الشرقي من الحلف برًا وجوًا وبحرًا"، ولدى حلف شمال الأطلسي بالفعل مجموعات قتالية في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.
وأشارت "جوتيمولر" إلى أن التخطيط لحرب بين الناتو وموسكو هو جزء من جهد استمر عقدًا تقريبًا لإعادة الحلف إلى وضع دفاعي أقوى مما كان عليه منذ نهاية الحرب الباردة وهجمات 11 سبتمبر، التي ركز بعدها على مكافحة الإرهاب.
وقالت جوتيمولر "لقد عرف حلف شمال الأطلسي منذ استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014 والطريقة التي كان بها الحلف أكثر عنادًا بشكل عام على حدوده، أن الناتو قد يحتاج إلى الاستعداد للقتال والدفاع عن نفسه بسرعة أكبر ضد أي هجوم روسي".
المادة الخامسة
قلقًا بما فيه الكفاية بشأن أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، اهتزت العواصم الغربية لفترة وجيزة بسبب سقوط صاروخ روسي في بولندا، البلد العضو في الناتو في نوفمبر 2022، وتداعيات المادة الخامسة، التي تتعهد بالدفاع الجماعي في ميثاق الحلف.
وقد أوضح تقييم أن الصاروخ قد جاء على الأرجح من أوكرانيا التي كانت تحاول اعتراض مقذوفات موسكو، على الرغم من أن ورقة بحثية من مؤسسة راند كوربوريشن البحثية غير الربحية، قالت بعد شهر من الحادث إن دعم الناتو لكييف "أثار المخاوف بشأن الانتقام الروسي المُحتمل ضد الحلف".
وتُشير الورقة البحثية إلى أن مخططي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ركزوا منذ فترة طويلة على الاستعداد لصراع مباشر مع روسيا، لكن الحرب في أوكرانيا "خلقت مجموعة فريدة من الظروف التي تجعل هجومًا روسيًا محدودًا أكثر قابلية للتصديق".
وحددت المؤسسة في ورقتها سيناريوهات مختلفة تنطوي على هجوم روسي على هدف لحلف شمال الأطلسي، وكيف سيكون رد فعل الحلف، وما ستكون الخطوة التالية لموسكو.
كما أوضح كارل مولر، مؤلف مشارك في التقرير وكبير العلماء السياسيين في المؤسسة، أن أي رد فعل من الناتو بشأن هجوم على موسكو " يعتمد على ما تعتقد روسيا ما يمثله الهجوم".
الحلف يفرد عضلاته
إلا أن الحلف قد بدأ بالفعل في استعراض عضلاته قبل القمة، من خلال المُشاركة في أكبر مناورة جوية في تاريخ حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والمعروفة باسم "Air Defender 23"، في محاولة لإحياء النسخة الأولى والتي بدأت شرارتها في عام 2018، بمشاركة 25 دولة، بمُشاركة ما يقرب من 10 آلاف جندي، 250 طائرة، وتم الاستقرار على أن تكون سماء ألمانيا وأراضيها مسرح المناورات، بحسب "دي تسايت" الألمانية.
وتتزعم ألمانيا المناورة، والتي تتم في محاكاة لسيناريو تعرض إحدى دول الناتو للهجوم، والتصدي له وإحباطه، في رسالة مغلفة إلى روسيا التي تجري عملياتها العسكرية في أوكرانيا منذ ما يقرب من عام ونصف العام.
وتظهر القمة في فيلنيوس أن حلف شمال الأطلسي يشرع في مرحلة جديدة من استراتيجيته الدفاعية، إذ انضمت فنلندا، وتعثرت عضوية السويد.