للمرة الثانية يحفر الرئيس السابق دونالد ترامب اسمه في التاريخ الأمريكي، بعد توجيه اتهامات جنائية له في سابقة لم تحدث من قبل، بدأت بتوجيه 37 اتهامًا لرئيس أمريكا سابقًا، ثم تلتها اتهامات أخرى فيدرالية "لانتهاكه قانون التجسس"، وهي المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس للمكتب البيضاوي مثل هذا الاتهام، الأمر الذي قد يضع البلاد في وضع استثنائي، على اعتبار أن "المتهم" ليس فقط رئيس سابق، بل المرشح الأوفر حظًا لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، لعام 2024، لمواجهة الرئيس الحالي، جو بايدن.
تساؤلات الترشح
نهاية الأسبوع الماضي، وجد الأمريكيون أنفسهم في وضع استثنائي لم يشهدوه من قبل، ليس فقط لأنها المرة الأولى التي يواجه فيها رئيس حالي أو سابق اتهامات فيدرالية، لكن أيضًا لأن وضع ترامب كشخص يتمتع بالحظ الأوفر للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024 ومواجهة بايدن، الذي تشوبه الكثير من المشكلات في سياسته، سواء بين حزبه الديمقراطي أو منافسيه في الحزب الجمهوري.
وبعد تعدد الاتهامات بين جنائي وفيدرالي للمرشح الأوفر حظًا في الانتخابات الأمريكية أثيرت عدة تساؤلات حول كيفية تأثير الاتهامات على مساره في الانتخابات وما إذا كانت ستفيده أم تضره، بخاصة مع بدء خصومه في مهاجمته، وقد يستفيدون من أن ترامب نفسه استخدم خطأ هيلاري كلينتون في تعاملها مع المعلومات السرية الحساسة كسلاح سياسي ساعده على الفوز عام 2016.
لائحة الاتهامات
وجهت وزارة العدل الأمريكية، إلى الرئيس السابق دونالد ترامب 37 تهمة جنائية فيدرالية، بما في ذلك انتهاكات لقانون التجسس والتآمر لعرقلة العدالة والإدلاء بتصريحات كاذبة.
وتزعم لائحة الاتهام أن ترامب احتفظ بوثائق سرية في منتجع مارالاجو، بما في ذلك معلومات استخبارية عن دول أجنبية وقدرات عسكرية أمريكية، كذلك تهم بتوجيه موظفيه لإخفاء الوثائق عن المحققين والإدلاء بتصريحات كاذبة عن وجودها.
وأعلنت وزارة العدل عن لائحة الاتهام، أمس الجمعة، الذي شهد استقالة اثنين من محامي ترامب في القضية ومع توجيه اتهامات لمساعد سابق له.
ومن المقرر أن يمثل ترامب أمام المحكمة لأول مرة فيما يخص هذه القضية في ميامي يوم الثلاثاء المقبل قبل أن يتم 77 عامًا بيوم واحد فقط.
وتأتي لائحة الاتهام بناء على تحقيق استمر شهورًا أجراه المحقق الخاص، جاك سميث، حول ما إذا كان ترامب قد انتهك القانون من خلال الاحتفاظ بنحو 300 وثيقة حملت علامة "سري" في مقر إقامته ببالم بيتش، مارالاجو، وما إذا كان الرئيس السابق قد اتخذ خطوات لعرقلة جهود الحكومة لاستعادة الوثائق.
استغلال للسلطة
من جانبه، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت محاميه بتوجيه قائمة اتهام ضده، على خلفية قضية احتفاظه بوثائق سرية في إقامته بمارالاجو في ولاية فلوريدا.
وأضاف ترامب -في مقطع على منصة "تروث سوشيال" المملكة له، أنه جرى استدعاؤه للمثول أمام المحكمة الفيدرالية في مدينة ميامي الثلاثاء المقبل، مضيفًا أنه بريء وسيثبت ذلك من جديد.
وأضاف ترامب أنه تجرى ملاحقة "رئيس ذي شعبية كبيرة حصل على أعلى عدد من الأصوات أكثر من أي رئيس أمريكي آخر". وقال إن الولايات المتحدة في طريقها للجحيم، متهمًا إدارة بايدن باستخدامها وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي "سلاحا ضده وأنه لا يمكن السماح بذلك".
حرب الدولة العميقة
من جهة أخرى شنت حملة ترامب الانتخابية هجومًا شرسًا على قائمة الاتهامات الموجهة له، وقالت الحملة، خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي: "إساءة استخدام غير مسبوقة للسلطة من وزارة العدل، ومحاولة للتدخل بالانتخابات، وإن إدارة بايدن تقوم بمحاكمة شاملة لزعيم المعارضة من خلال تلك الخطوة".
وأكدت أن ما وصفتها بالحرب القانونية المفتوحة تمثل سابقة خطيرة، ونقلت الأمور إلى مستوى جديد، وأن "هجمات الدولة العميقة أضحت أكثر شراسة مع تنامي هيمنة ترامب".
وقالت إن ترامب "سيتصدى لهذا الانتهاك غير الدستوري للسلطة حتى تتم تبرءته" وإنه كثيرًا ما كان "أكبر تهديد وهدف سياسي لبايدن وللحزب الديمقراطي الفاسد".
أما في الحزب الجمهوري، فقال رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي أن "الولايات المتحدة تعيش يومًا مظلمًا، ومن غير المعقول أن يوجه رئيس اتهامات للمرشح الرئيسي الذي يعارضه"، مشيرًا إلى أن بايدن احتفظ بوثائق سرية لعقود.
وأكد "مكارثي" خلال منشور على صفحته بموقع "تويتر"، أن كل الأمريكيين يؤمنون بسيادة القانون، وأنه يقف مع الرئيس ترامب ضد هذا الظلم الجسيم، حسب قوله.
من جهة أخرى قال رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، الجمهوري جيم جوردان أن هذا "يوم حزين لأمريكا".
وأشار رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، الجمهوري جيمس كومر إلى أن بايدن أساء التعامل مع وثائق سرية أكثر من ترامب.
أما النائب الديمقراطي آدم شيف فاعتبر فوز ترامب بالرئاسة قد يكون أمله الوحيد في "تجنب السجن"، لكن يجب أن يحاسب، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق يواجه اتهامات فيدرالية وسيحاول استخدام الاتهامات ضده لتحقيق مكاسب سياسية، حسب قوله.
وقال "شيف" إن ترامب تصرف خلال 4 سنوات فوق القانون، ويجب أن يعامل كشخص انتهك القانون.
بدورها قالت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب -في تغريدة- إن ترامب حوكم برلمانيا (مرتين) والآن توجه له التهم للمرة الثانية.
71 اتهامًا جنائيًا وفيدراليًا
إلى جانب القضايا الفيدرالية، التي بلغت 37 اتهامًا، يواجه ترامب أيضًا اتهامات جنائية تصل إلى 34 اتهامًا جنائيًا، وذلك في القضايا المتعلقة بالممثلة الإباحية ستورمي دانيالز لدفعه مبالغ مالية لها مقابل شراء صمتها بشأن علاقة خارج الزواج تعود إلى العام 2006، وكذلك تحقيق حول الهجوم على مبنى الكابيتول في 2021، وأيضا انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، بالإضافة لتهمة الاحتيال المالي والضريبي في قضاياه المالية في نيويورك.
وفي الولايات المتحدة، لا يمنع توجيه الاتهام رسميًا إلى أي شخص وحتى صدور حكم عليه لارتكابه جنحة أو جريمة، أن يترشح أو يُنتخب أو يشغل منصبًا رسميًا.
ولا يوجد نص في دستور الولايات المتحدة يمنع بموجبه أي شخص مدان أو لديه سجل إجرامي من الترشح لرئاسة البلاد، على الرغم من أن بعض الولايات تمنع هؤلاء من التصويت في الانتخابات.
الفقرة الوحيدة التي وردت في الدستور ومنعت من خلالها شخصًا للترشح هي تلك المتعلقة بعدم جواز انتخاب أي شخص خدم كرئيس للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين.
رغم ذلك يرى خبراء دستوريون، أن إدانة شخص والحكم عليه بالسجن يعني أنه سيواجه صعوبات في الترشح أو إدارة البلاد في حال تم انتخابه رئيسًا، على اعتبار أنه سيكون خلف القضبان.
ونقلت شبكة ABC News عن الأستاذة في كلية كاردوزو للقانون "كيت شو" قولها: "في حين أن الحكم بالسجن، فمن المفترض أن يصعب من الحملة الانتخابية أو يجعلها مستحيلة، إلا أن المشكلة عند إذ ستكون عملية وليست قانونية".
ويشير أستاذ القانون الدستوري في جامعة هوفسترا في نيويورك جيمس سامبلر إلى أن الدستور يحدد الحد الأدنى من المتطلبات للترشح للرئاسة، لكنه يترك الباقي للناخبين، مضيفًا أن "الأمر عند إذ سيعتمد على حكمة الناس لتحديد إن كان الفرد غير مناسب لتولي المنصب".