في أجواء سادتها المشاركة الشعبية، جرت الانتخابات رقم 20 لمجلس الأمة في تاريخ دولة الكويت يوم الثلاثاء 6 يونيو 2023، حيث تنافس نحو 207 مرشحين على 50 مقعدًا في الفصل التشريعي السابع عشر، وهو أقل عدد مرشحين منذ انتخابات 1975، ورغم ما تمتاز به التجربة الديمقراطية الكويتية، إلا أنها يشوبها علاقة معقدة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال السنوات الأخيرة، قبل أن تتولى القيادة السياسية عملية تصحيح المسار من خلال حوار وطني بين السلطتين.
وتنقسم الكويت لخمسة دوائر انتخابية، بواقع 10 مقاعد لكل دائرة، وتجري الانتخابات في ظل نظام الصوت الواحد، وسط تطلع الكويتيين لمرحلة جديدة من التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة وفق مخرجات الخطاب الأميري بتصحيح المسار (الذي ألقاه نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 22 يونيو 2022).
مؤشرات هامة:
جاءت الانتخابات الثانية في إطار عملية تصحيح المسار بعدما أعادت المحكمة الدستورية برلمان 2020 والذي صدر مرسوم أميري بحله في يونيو 2022 بناءً على رغبة مجموعة واسعة من الهيئة الناخبة، وبذلك أبطلت مجلس أمة 2022 نتيجة طعون انتخابية في أكثر من دائرة. وفي 17 أبريل الماضي أصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مرسومًا بحل المجلس المعاد، استنادًا إلى دستور الكويت و"نزولًا على الإرادة الشعبية" التي أسقطت المجلس المعاد.
(*) نسب المشاركة: مثلت نسبة المشاركة دلالة على رغبة الكويتيين في الحفاظ على مكتسبات المرحلة الراهنة في "تصحيح المسار"، بنسبة تقترب من (50%)، وهي أدنى نسبة مشاركة منذ انتخابات 1971 التي بلغت 51,1%، بينما كانت أعلى نسبة مشاركة في انتخابات 1981 بنسبة 89,7%.
(*) رصيد الدوائر: تفاوتت أحجام الدوائر الانتخابية الكويتية، لتبلغ أدناها في الدائرة الثانية بواقع 90,394 ناخبًا بوزن نسبي للمقعد يبلغ 9 آلاف صوت تقريبًا، قبل الدائرة الأولى التي يبلغ عدد ناخبيها 99,779. بينما جاءت الدائرة الخامسة كأكبر الدوائر الانتخابية بعدد 256,755 ناخبًا وبوزن نسبي للمقعد يبلغ 25 ألف صوت تقريبًا، يليها الدائرة الرابعة 208,740 صوتًا.
(*) الهيئة الناخبة: على الرغم من تقدم نسبة الناخبات بإجمالي 406,895 ناخبة بنسبة 51,27% من إجمالي القاعدة الانتخابية التي تبلغ 793,646، في مقابل 386,751 ناخبًا، إلا أن المرأة لم تحتفظ سوى بمقعد واحد من أصل اثنين بالمجلس المبطل.
(*) تشكيل المجلس: يشارك في الانتخابات عدد من الكتل السياسية على رأسها نواب الإسلام السياسي السني (24%) ويمثل التيار السلفي بواقع 7 مقاعد (14%)، حيث حقق التجمع السلفي 3 مقاعد (مبارك الطشة وحمد العبيد وفهد المسعود) بجانب النائب فايز الجمهور المقرب من التجمع والعائد من مجلس 2020، كما فاز محمد هايف المطيري ممثلًا لتجمع ثوابت الأمة وكل من عادل الدمخي وجراح الفوزان المقربين من التيار السلفي.
ويلي التيار السلفي ممثلو حركة "حدس" جناح تنظيم الإخوان بدولة الكويت بواقع 5 نواب (10%)، منهم ثلاث من نواب الحركة (أسامة الشاهين وعبد العزيز الصقعبي وحمد المطر)، بجانب فلاح الهاجري وبدر العنزي المقربين من الحركة.
ونجحت كتلة الأربعة من نواب المعارضة في تقدم أعضائها نتائج الانتخابات في الدائرتين الأولى (عبد الله المضف-حسن جوهر) والثالثة (مهلهل المضف-مهند الساير)، بعدما استعرض نوابها وحدتهم في تقديم أوراق الترشح للانتخابات في مايو الماضي.
وفي المقابل انخفض عدد النواب الشيعة من 9 مقاعد في المجلس المبطل إلى 7 مقاعد بعدما فشلت كتل العدالة والسلام في إيصال نائبيها السابقين (صالح عاشور وخليل الصالح) لمجلس 2023، مما قلص عدد نواب الإسلام السياسي الشيعي من 5 مقاعد في البرلمان المبطل إلى مقعدين من نصيب التآلف الإسلامي بفوز أحمد لاري في الدائرة الأولى وهاني شمس في الدائرة الخامسة، إلى جانب النواب جنان بوشهري وشعيب المويزري وأسامة الزيد وحسن جوهر، والنائب داوود معرفي الذي انتخب لأول مرة.
وحققت حركة العمل الشعبي "حشد" التي يتزعمها المعارض مسلّم البراك، مقعدًا بانتخاب متعب الذايدي عن الدائرة الرابعة، بينما فشل كتلة المنبر الديمقراطي في دخول المجلس.
وعلى صعيد التغيرات بالمجلس، صعد رئيسا مجلس الأمة العائد 2020 مرزوق الغانم، والمبطل 2022 أحمد السعدون، بعدما تصدر الغانم نتائج الدائرة الثانية بواقع 6661 صوتًا، فيما حل السعدون ثانيًا بالدائرة الثالثة بواقع 6325 صوتًا. كما انخفض تمثيل المرأة بعد خروج النائبة عالية الخالد، ومن بين 13 سيدة تخوض الانتخابات في الدوائر الخمس لم تنجح سوى سيدة واحدة وهي النائبة جنان بوشهري.
وإجمالًا تغيرت تركيبة المجلس الجديد بنسبة 24% فقط مقارنة بالمجلس السابق الذي نتج عنه تغير في تركيبة المجلس بنسبة 54%، كما شهد مجلس أمة 2023 عشرة وجوه جديدة في الساحة السياسية بالدوائر الخمس بنسبة 20% من تركيبة المجلس، وهم النائب داوود المعرفي بالدائرة الأولى وكل من بدر العنزي وفهد المسعود بالدائرة الثانية، وفي الدائرة الثالثة كل من حمد العليان وجراح الفوزان، وفي الدائرة الخامسة كل من فهد العازمي وعبد الهادي العجمي. بينما بلغت نسبة التغيير في الدائرة الرابعة 30% بظهور كل من بدر الشمري ومتعب الذايدي ومحمد الرقيب.
ملامح العودة:
من واقع تشكيل المجلس وفي ضوء تجارب المجالس السابقة يمكن القول إن نوعًا من الرضا وربما التعاطف الشعبي مع مجلس 2022 المبطل، فيما يتجه المشهد السياسي لدرجة من التوازن في إطار توجه "تصحيح المسار"، التي تشدد على نبذ الخطاب الطائفي والتزام التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار الدستور. ومن المقرر أن يشهد المجلس الجديد الذي ينعقد في 20 يونيو الجاري مجموعة من التفاعلات:
(#) سباق التكتلات: بينما تميل كفة مجلس الأمة 2023 لصالح المعارضة، من المرجح أن ينتقل السجال بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلى داخل البرلمان نفسه، فعلى الرغم من توقعات سيطرة المعارضة على رئاسة المجلس بالتزكية على غرار تزكية أحمد السعدون لرئاسة المجلس المبطل، إلا أن الصراع سيدور حول تشكيل هيئة المجلس وتكوين جبهة برلمانية برئاسة مرزوق الغانم موازنة لتحالف نواب المعارضة، خاصة في ظل مساعيهم المتواصلة لإقصائه من رئاسة المجلس قبل أن يعلن عدم خوضه انتخابات 2022، راهنًا عودته بـ"تأثير أقوى لإكمال مسيرة الحفاظ على مصلحة الوطن". وفي المقابل سيسعى نواب المعارضة التقليدية لاستقطاب الوجوه الجديدة، كما سيبحث الطرف الآخر عن دعم نيابي وحكومي.
(#) معضلة دستورية: قد تشهد الفترة المقبلة تحريك دعاوى قضائية ضد المجلس الجديد من قبل المرشحين الذين تم شطبهم، فمن بين 47 مرشحًا خرجوا من سباق الانتخابات تم شطب 5 ورفض ترشح اثنين لم تكتمل أوراقهم، ومن الممكن أن تستند دعاوى الحل أو البطلان إلى مواد دستورية مثل المادة 107 التي تمنع حل مجلس الأمة لذات الأسباب مرة أخرى كما جرى مع برلمان 2020.
وختامًا؛ يظهر مشهد مجلس الأمة 2023 تقدم لنواب الإسلام السياسي ومرشحي القبائل، وبعض مرشحي المعارضة وبروز وجوه جديدة بعضها من الشباب، مقابل تراجع المرأة والكتل السياسية الأخرى. كما تشير النتائج إلى تنافس محتمل بين كتلتين برلمانيتين يقودها رموز العمل النيابي الكويتي، لكن ما يميز ذلك التنافس أنه بات محكومًا بالدستور والخطاب الأميري لتصحيح المسار في 22 يونيو 2022.