كان الربيع الماضي ذو درجة حرارة مرتفعة في بلدان البحر المتوسط، وشهد شهر أبريل موجة حارة حيث تجاوزت درجات معدلاتها الطبيعية بحوالي 20 درجة مئوية في بلدان مثل الجزائر والمغرب والبرتغال وإسبانيا، وكان العلماء في الماضي يترددون في إلقاء اللوم على تغير المناخ، لكنهم الآن أكثر ثقة من ذي قبل.
وبحسب "وورلد ويذر أتربيوشن" -وهو تجمع لدراسة وتحديد النماذج المناخية بمشاركة علماء المناخ في عدد من المؤسسات العلمية مثل إمبريال كوليدج في لندن، والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية، والمركز الوطني الأمريكي لأبحاث الغلاف الجوي- فإن احتمال حدوث موجات حارة يزيد بنحو 100 مرة بسبب غازات الاحتباس الحراري التي تتراكم في الغلاف الجوي.
نظرة مستقبلية للطقس في البحر المتوسط والشرق الأوسط
وفي ورقة بحثية نُشرت في مجلة "علوم المناخ والغلاف الجوي"، التابعة لدورية "نيتشر"، ألقى نيكولاوس كريستيديس، عالم المناخ في مركز هادلي، وهو أحد فروع مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، الضوء على النظرة المستقبلية للطقس في البحر المتوسط والشرق الأوسط، في عالم ترتفع فيه درجات الحرارة بشكل أكبر، حيث كان مهتمًا باحتمالات ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة على أكثر من 50 درجة مئوية.
محاكاة للطقس ما قبل الثورة الصناعية وبعدها
وبحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية استخدم الدكتور كريستيديس وزملاؤه الباحثون، في دراستهم، بيانات من عشرات المواقع في جميع أنحاء المنطقة، وقاموا أولاً بمحاكاة لعالم ما قبل الثورة الصناعية، في الوقت الذي لم يكن البشر قد بدأوا في القيام بأنشطة تتسبب في حدوث تغيير في الغلاف الجوي بشكل كبير، ووجد كريستيديس أن ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 50 درجة كان شيئًا مستحيلًا، وذلك عدا أجزاء في شبه الجزيرة العربية والساحل التونسي، وحتى في تلك المناطق، كان ذلك يحدث ربما مرة واحدة خلال 100 عام.
ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون
وتابعت المجلة أن الفريق البحثي أعاد تشغيل نموذج مناخي باستخدام ما أسموه بـ"سيناريو منتصف الطريق" لقياس الانبعاثات المستقبلية، حيث يفترض أن الدول ستبذل بعض الجهود للحد من تغير المناخ، لكن لم يحدث إلا القليل من التغيرات الجذرية، حيث ارتفعت نسبة مستوى ثاني أكسيد الكربون في الهواء إلى حوالي 600 جزء في المليون بحلول عام 2100، بالمقارنة بحوالي 420 جزءًا في المليون اليوم.
درجات الحرارة ستتجاوز 45 و50 درجة مئوية
وفي نفس السياق، وجد الباحثون أن احتمال تجاوز درجات الحرارة لدرجة 50 درجة مئوية ليوم واحد على الأقل كل عام، قد ارتفع بسرعة بحلول منتصف القرن الحالي في جميع أنحاء المنطقة باستثناء أبرد مناطق البحر المتوسط، مثل إسبانيا، وبحلول عام 2100، ستصبح تلك الأيام الحارة تحدث مرة كل عقد في مناطق البحر المتوسط والشرق الأوسط، ومن المحتمل حدوث ارتفاعات فوق 45 درجة مئوية كل عام، وهذا يعني المزيد من موجات الجفاف والحرائق، كما كان عام 2022 ثاني أسوأ موسم حرائق غابات في أوروبا على الإطلاق، وكان معظمه في بلدان البحر المتوسط.
أضرار وخسائر ارتفاع درجات الحرارة
وأشارت الورقة البحثية إلى أن الحرارة الشديدة قد تتسبب في إذابة بعض الطرق، وقد تذيب بعض قضبان السكك الحديدية، وتجعل العمل في الهواء الطلق أمرًا خطيرًا، حيث تتسبب موجات الحر بالفعل في 8٪ من الوفيات المرتبطة بالطقس، ويمكن لدرجات الحرارة والرطوبة العالية أن تمنع الجسم البشري من التكيف مع الطقس من خلال التعرق، ما يمكن أن يتسبب في الوفاة، وحتى لو أن دول البحر المتوسط والشرق الأوسط معتادة على الحرارة، لكن المستقبل سيكون مختلفًا تمامًا عن الماضي.