تعرض سد نوفا كاخوفكا في جنوب أوكرانيا لأضرار جسيمة، في انفجار يوم أمس الثلاثاء، ما تسبب في أزمة إنسانية جديدة واندفاع في مياه الفيضانات، مع ظلال من الشك على سلامة محطة زابوريجيا للطاقة النووية القريبة، ومدى قدرتها على العمل إذا تأثرت إمدادات المياه الهامة لتبريد المفاعلات الموجودة في المحطة.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، من المتوقع أن يتردد صدى تداعيات تدمير سد نوفا كاخوفكا والأضرار المحتملة لمحطة زابوريجيا عبر ساحات القتال والمدن في جنوب أوكرانيا، في الوقت الذي تستعد فيه كييف لهجوم مضاد كبير ضد القوات الروسية.
اتهامات غربية لموسكو
ولا تزال التفاصيل تتكشف حول متى وكيف تم تدمير السد في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، لكن أوكرانيا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي ألقوا باللوم بالفعل على روسيا، بعد أن حذر المسؤولون الأوكرانيون العام الماضي من أن القوات الروسية قد تستعد لتدمير السد، وإلقاء اللوم على كييف، كما دعم كبار القادة الغربيين، بمن فيهم المستشار الألماني أولاف شولتس، أوكرانيا، قائلين إن تدمير السد يتناسب مع الطريقة التي يشن بها الروس هجماتهم.
وكتب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على تويتر: "دمرت روسيا سد كاخوفكا ما تسبب على الأرجح في أكبر كارثة تكنولوجية في أوروبا منذ عقود وتعرض آلاف المدنيين للخطر "، كما ألقى مشغل منشأة الطاقة في نوفا كاخوفكا، والتي وفرت الكهرباء للملايين في جنوب أوكرانيا، اللوم بشكل مباشر على موسكو.
نفي روسي واتهام لـ"مخربين أوكرانيين"
من جانبها، قالت روسيا إن "مخربين أوكرانيين" مسؤولون عن الانفجار الذي تسبب في تدمير السد، وإذا كانت روسيا مسؤولة عن الهجوم، فإن ذلك يعني أنها تقوض بنفسها عمليتها العسكرية على المدى الطويل، حيث يغذي السد قناة توفر 85٪ من المياه لشبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا، وهي ذات أهمية استراتيجية.
أهداف تاريخية في الحروب
ولطالما كانت السدود ومحطات المياه، أهدافًا في الحروب لوقف التقدم في ساحة المعركة، أو حرمان القوات من الأراضي، أو وقف تدفق المياه والكهرباء إلى العدو، حيث اشتهر الهولنديون بغمر الأراضي المنخفضة بالمياه، لحرمان أعدائهم من فرصة التقدم خلال حرب الثمانين عامًا في القرن السادس عشر.
كما دمر "الكومينتانج"، وهو الحزب القومي الصيني "الحاكم حاليا في تايوان" السدود على النهر الأصفر في عام 1938 في محاولة لإغراق الغزاة اليابانيين، ما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين.
وفي عام 1941، دمر الاتحاد السوفيتي سد دنيبرو في محاولة لإبطاء تقدم النازيين الكاسح عبر أوكرانيا، كما استهدفت القاذفات البريطانية السدود في منطقة الرور، التي كانت تُعتبر في ذلك الحين المعقل الصناعي لألمانيا النازية، من أجل تعطيل آلة الحرب الخاصة بأدولف هتلر.
وفي ذروة الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق عام 2016، حذر المسؤولون الغربيون من أن التنظيم سيحاول تخريب سد الموصل لخلق أزمة إنسانية وإبطاء تقدم القوات العراقية إلى الأراضي التي سيطر عليها التنظيم.
كارثة بيئية في جنوب أوكرانيا
وتابعت المجلة الأمريكية، إذا لم يكن هذا المفهوم جديدًا في التاريخ، فإن تدمير سد نوفا كاخوفكا لا يزال يمثل فصلًا جديدًا قاتمًا في الأزمة الأوكرانية، ويعرض للخطر حياة عشرات الآلاف من المدنيين ويزرع كارثة بيئية ونووية جديدة في جنوب أوكرانيا، حيث يقيم ما يقرب من 40 ألف شخص في مناطق معرضة لخطر الفيضانات في كل من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا والأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا بالقرب من السد، ما يجعل المسؤولين يتدافعون لإرسال قطارات وحافلات لإجلاء آلاف المدنيين.
كما يحتوى السد على كمية من المياه تضاهي بحيرة "سولت ليك" في ولاية يوتا الأمريكية، أي حوالي 18 مليون متر مكعب من المياه، ويهدد انهياره بإحداث فوضى في الزراعة في جنوب أوكرانيا، وإمدادات المياه لشبه جزيرة القرم.
ونقلت المجلة عن آريان باور، المديرة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر في أوراسيا: "يشكل تدمير سد نوفا كاخوفكا والفيضانات الناتجة عنه تهديدًا كبيرًا للمدنيين ومنازلهم وسبل عيشهم، فهو يترك عشرات الآلاف في حالة إنسانية مزرية، ويمكن للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية أن تغرق مجتمعات بأكملها في اليأس وتدمر حياة المدنيين".
وأنهت المجلة تحليلها بأن روسيا قد سعت منذ شهور إلى تفجير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، وإغراق البلاد في ظلام بارد وقت الشتاء، ويبدو أن الهجوم الأخير على السد، وهو منشأة كهرومائية تبلغ قوتها 350 ميجاوات، ربما يعزز الحملة لتقويض قدرة أوكرانيا على المقاومة.