تشتعل أوروبا منذ أمس، على أثر انهيار جسر سد نوفا كاخوفكا على نهر دنيبرو جنوب أوكرانيا، والذي أدى إلى مخاطر عديدة، أدت إلى اجتياح المياه لعدد من المدن الأوكرانية ونزوح الآلاف، وقد انتكبت الكثير من المناطق المبنية على ضفاف النهر، واجتاحتها المياه المتدفقة من خزان السد، وقد يستغرق التعافي من هذه الكارثة عقودًا من الزمن، وفقًا لتحليل مطول نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
لم تكن هذه هي الأخطار الوحيدة التي حذر منها الخبراء ورؤساء الدول، حيث حذرت كييف أمس الثلاثاء، من "كارثة نووية" بعد تدمير سد نوفا كاخوفكا، في منطقة خيرسون جنوبي أوكرانيا، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت إن "التقييم الحالي يشير إلى عدم وجود خطر مباشر على سلامة محطة زابوريجيا".
وكانت روسيا وأوكرانيا قد تبادلتا الاتهامات حول إحداث فجوة في السد، في خطوة رأت أوكرانيا فيها محاولة روسية لعرقلة هجومها المضاد المنتظر. غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أن الهجوم على السد لن يؤثر على خطط كييف المضي قدمًا بهجومها المضاد الرامي لاستعادة أراضيها من القوات الروسية.
تعدد المخاطر
وفي السياق نفسه، أعلن رئيس الهيئة الأوكرانية المشغلة لمحطات الطاقة الكهرومائية إيجور سيروتا، أن محطة الطاقة المرتبطة بالسد "تدمرت بالكامل".
وأضاف مدير المحطة، المعين من روسيا، يوري تشيرنيتشوك إنه "في الوقت الحالي ليس هناك أي تهديد لسلامة محطة زابوريجيا للطاقة النووية".
وأوضح تشيرنيتشوك أن "منسوب المياه في حوض التبريد لم يتغير.. الوضع تحت سيطرة طواقم العمل"، لافتا إلى أن نظام التبريد بالمياه غير متصل مباشرة بالبيئة الخارجية، ويمكن إعادة تعبئته من مصادر بديلة.
من جهته، قال مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك في رسالة وجهها إلى صحفيين "يجد العالم نفسه مرة جديدة على شفير كارثة نووية"، لأن محطة زابورجيا -وهي أكبر محطة نووية في أوروبا- "فقدت مصدر تبريدها، وهذا الخطر يتفاقم بسرعة حاليًا".
يذكر أن مدينة نوفا كاخوفكا قد سقطت بيد القوات الروسية في بداية الحرب فبراير 2022، وضمت موسكو سد كاخوفكا الكهرومائي، والذي يساعد على ضخ المياه لجزيرة القرم.
وتأسس سد نوفا كاخوفكا في خمسينيات القرن الماضي وهو ذو قيمة استراتيجية، إذ يضخ المياه إلى قناة شمال القرم التي تبدأ من جنوب أوكرانيا، وتعبر شبه جزيرة القرم بأكملها، ويعني ذلك أن من شأن أي مشكلة تطرأ على السد أن تؤدي إلى مشاكل في إمدادات المياه بالنسبة للقرم الخاضعة لسيطرة روسيا منذ عام 2014.
كارثة الألغام
من جهة أخرى، أوضح تقرير صحيفة "الجارديان" أن أخطار الفيضان ونزوح السكان وجرف الأراضي ليست الوحيدة التي قد تواجه المنطقة المنكوبة، مضيفًا أن" بسبب انهيارات السد فقد أدى تدفق المياه إلى جرف الآلاف من الألغام التي كانت مزروعة في المنطقة عبر خط المواجهة بين القوات الروسية والقوات الأوكرانية".
وكانت ضفاف نهر دنيبرو تعتبر من الخطوط الأمامية منذ نوفمبر الماضي على الأقل، عندما دفعت القوات الأوكرانية الروس عبر النهر إلى الضفة الجنوبية. وقام الجانبان بزرع الألغام بمحاذاة النهر وتم جرفها الآن وانتشرت بشكل عشوائي في البلدات والقرى والأراضي الزراعية في اتجاه مجرى النهر.
الغذاء.. أزمة جديدة
في سياق متصل، جاءت تحذيرات الخبراء من حدوث أزمة أخرى في الغذاء في المنطقة، حيث ستؤدي ندرة المياه بسبب انهيار السد لفقدان الخزان إلى شح مياه الشرب والري للمناطق المتضررة، وسيكون لذلك تأثير مباشر على إنتاج الغذاء، وعلى صادرات القمح والذرة وزيت عباد الشمس وفول الصويا إلى بقية العالم.
وخزان كاخوفكا "كان قلب أحد أكبر أنظمة الري في أوروبا"، ومياهه "جعلت من الممكن زراعة ما يصل إلى 80٪ من جميع الخضراوات في أوكرانيا ونسبة كبيرة من الفاكهة والعنب"، وفقًا لمركز البحوث الزراعية "إيستفروت".
أكبر حادثة
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من خطورة الموقف للقارة الأوروبية ككل، حيث أكد مارتن جريفيث، منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة لأعضاء مجلس الأمن الدولي في جلسة عقدت، الثلاثاء، أن ما سيترتب على عملية تخريب سد مدينة نوفا كاخوفكا قد يؤثر على أجيال قادمة.
وأضاف جريفيث، في إفادة صحفية، أن ما لحق بسد كاخوفكا قد يكون أكبر حادثة تدمير لبنية أساسية مدنية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022.
وأشار إلى أن حجم الكارثة سيتضح بشكل كامل في الأيام المقبلة، وإن كان من الواضح أنها ستخلف عواقب جسيمة وواسعة على السكان في جنوب أوكرانيا، بسبب فقدان المنازل والغذاء والمياه الآمنة وسبل كسب الرزق.
وأكد أن معاناة الشعب الأوكراني ستتفاقم بسبب هذه الحادثة، وأضاف: "من المتوقع أن تزداد الاحتياجات الإنسانية الفورية مع تقدم اجتياح مياه الفيضان خلال الأيام المقبلة، ومع مواصلة تقييم الوضع. إن السد مصدر رئيسي للري الزراعي في جنوب خيرسون وشبه جزيرة القرم. الفيضانات ستعطل أنشطة الفلاحة وتخلف عواقب طويلة الأمد".