"اكتشف أسطورتك الذاتية واسع وراء حلمك مهما كانت الظروف".. منهج سار عليه الممثل المصري الراحل محمود عبد العزيز، قبل نحو 20 عامًا من إصدار الأديب البرازيلي باولو كويلو روايته الأشهر "الخيميائي"، التي تؤكد المنهج نفسه والفكرة ذاتها، وأن الشخص طالما صدّق حلمه سيحققه.
ويبدو أن اتساق "الخيميائي" مع قصة حياة محمود عبد العزيز – الذي ولد في مثل هذا اليوم 4 يونيو- وتغلبه على صعوبات واجهته في بداية مشواره الفني، جعلتها واحدة من الروايات المفضلة إلى قلبه، فمع تصفحه أوراقها عقب صدروها عام 1988 وجد أنها تتماس مع مشواره، وتدعو إلى المبدأ نفسه الذي طالما آمن به، ويتلخص في أن الكون يستجيب لما تسعى إليه.
الإحباط
نجم فريق التمثيل في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية ذهب إلى القاهرة، على أمل لقاء مخرج كان يتولى إدارة مسرحياته أثناء فترة دراسته بالجامعة، وبالفعل قابله في مكتبه داخل مبنى التليفزيون المصري بوابة الشهرة لجيله من الممثلين، لكن كلمات المخرج لم تأت كما كان يشتهيها محمود عبد العزيز، وكانت قاسية لدرجة جعلته يرى الدنيا مظلمة من حوله رغم أضواء "ماسبيرو" المبهرة، إذ أخبره بأن المشوار صعب وفرصته مستحيلة.
سافر نجم مسلسل "البشاير" إلى فيينا ليبيع الصحف، لكن يبدو أنها إشارة من القدر لاستعادة حلمه مرة أخرى، إذ تصادف أن مكان عمله يقع أمام دار أوبرا فيينا، ليشتم رائحة الفن من جديد ويقرر العودة إلى الإسكندرية مسقط رأسه، ويذهب لعمل دراسات عليا بجامعته وعيناه على مساره الفني.
استأنف محمود عبد العزيز العمل بمسرح الجامعة، ليلتقي بالمبدع نور الدمرداش، وتطبق رواية "الخيميائي" قانونها، إذ طالما حلم الممثل المصري بأن يقدمه المخرج نفسه في التلفزيون وبالفعل تحقق له ما أراد ورشحه لدور في مسلسل "كلاب الحراسة" عام 1972، ثم أخذه معه لبطولة مسلسل "الدوامة" في العام التالي، رافضًا أن يأخذه مخرج غيره لبطولة مسلسل "القضبان".
تأثير نور الدمرداش
"أنت لست رقمًا عاديًا أو موظفًا بالتلفزيون.. ستصبح اسمًا لامعًا"، بهذه الكلمات كان نور الدمرداش يُحفّز الممثل الشاب لكي يتّبع طموحه، لذا حرص على أن يأخذه ليعمل معه مساعد مخرج في 3 مسلسلات تلفزيونية، هذه الفترة التي وصفها في ندوة مصورة قائلًا: "استفدت منها كثيرًا وجعلتني أعرف كل كواليس العمل، وأضافت لي الكثير وتعلّمت منها كل شيء".
اللافت للنظر أن ما حلم به محمود عبد العزيز تحقق أيضًا في السينما، إذ كان يتمنى أن يقدمه للجمهور في دور العرض المنتج رمسيس نجيب الذي كان يعتبره بمثابة ابنه، ويشاء القدر أن يختاره لبطولة فيلم "حتى آخر العمر" عام 1975، لينطلق بعد ذلك سينمائيًا وتلفزيونيًا في أعمال منها "شفيقة ومتولي"، "وكالة البلح"، "تزوير في أوراق رسمية"، و"أرجوك أعطني هذا الدواء".
ولولا ذلك الإيمان الداخلي القوي، ربما لم نكن شاهدنا أدوارًا خالدة في ذاكرة المشاهد المصري العربي بهذه العبقرية في الأداء للنجم الراحل محمود عبد العزيز، ومنها "الشيخ حسني" في فيلمه الشهير "الكيت كات"، فمن أجل تجسيد دور الكفيف ذهب إلى معاهد دراسية للمكفوفين والتقى بأطباء عيون، وأيضًا بأحد الشيوخ الشهيرين مكفوف البصر، إذ لم يكن يترك شيئًا للمصادفة.
تفاصيل خاصة
ومع كل دور جسده، بحث محمود عبد العزيز عن تفاصيل خاصة يمسك من خلالها مفاتيح الشخصية، مثلما فعل مع دوره الشهير في فيلم "إبراهيم الأبيض"، ومن خلال سطور قليلة تصف الشخصية في السيناريو استطاع أن يحوّلها إلى لحم ودم، التي تقول: "عبد الملك زرزور، السن 78 سنة غير مسجل، خطر على الأمن، اعتقل 3 مرات وأخلى سبيله".
حول هذه الشخصية قال محمود عبد العزيز في لقاء قديم: "كان زرزور يعتبر نفسه إله المنطقة، والحاكم بها، لقد كان إنسانًا عاديًا يمتلك قلبًا ويحب، لكنه أيضًا سيكوباتي ويفرض منطقه الخاص، وأطلقت لحيتي لكي تتناسب مع هيبة الشخصية، وتعمدت أن يكون صوتي مبحوحًا لأنه تاجر مخدرات وارتديت خاتمًا لامعًا ليتناسب مع تفاصيل الدور".
هذه التفاصيل الدقيقة التي يضيفها محمود عبد العزيز لشخوصه الدرامية، تظهر واضحة مع أدواره في "رأفت الهجان"، "الساحر"، "جبل الحلال"، "جري الوحوش"، "البريء"، "الجوع"، "الكيف"، و"إعدام ميت"، وغيرها من الأعمال الفنية المحفورة في ذاكرة المشاهد العربي.