إلياس عانى الخوف من المجهول والنسيان.. وكان يرفض فكرة التقدم بالعمر
والدي تراجع عن العيش في باريس.. وذرف دموعه حنينًا إلى لبنان
أحلم بتقديم ليلة في حب إلياس الرحباني بدار الأوبرا المصرية
من عائلة فنية خرج الموسيقار اللبناني غسان الرحباني، حاملًا على عاتقه إرثًا فنيًا وثقافيًا مميزًا تركه والده، ليرث عنه موهبة العزف والتأليف الموسيقي، وامتلك مواهب متعددة كموسيقى وموزع ومنتج.
في حوار مميز، التقى برنامج "صباح جديد" بقناة "القاهرة الإخبارية"، بالموسيقار اللبناني غسان الرحباني، ليكشف عن أسرار وتفاصيل تذاع لأول مرة، وفتح صندوق ذكرياته عن نشأته وطفولته، ومحطات فارقة في حياة والده إلياس الرحباني.
أكد الرحباني (الابن)، أنه عشق الموسيقى منذ الطفولة ليعزف على البيانو بعمر 6 سنوات، مشيرًا إلى أن شغفه وتأثره بوالده هو ما قاده لاستكمال مشواره في هذا المجال، قائلًا: "ارتبطت بالبيانو وأحببته منذ الصغر، ولم يقتصر الأمر على العزف فحسب، إذ بدأت التأليف الموسيقي بعمر 10 سنوات".
"من رحم الألم يولد النجاح وتكتشف المواهب".. بهذا الوصف جسدت فترة الحرب في لبنان مرحلة فارقة في حياة غسان ووالده، الذي أكد أنه تعلّم هندسة الصوت في عمر 13 عامًا، قائلًا: "ظروف الحرب في لبنان آنذاك دفعت والدي (إلياس الرحباني) إلى فتح استديو بمنزله، وتعلمت منه هندسة الصوت، فوالدي كان من الجيل القديم الذي كان على دراية بتقنيات هندسة الصوت وفنون الدمج الصوتي (المكساج) في حين أن غيره وقتها اكتفوا بالتأليف الموسيقي".
الشغف وحب الموسيقى قادا "غسان" إلى تنمية مواهبه في هذا المجال، إذ أكد أنه كان ينتهز فرصة قضاء والديه السهرة خارج البيت يوم السبت من كل أسبوع، ويدخل الاستديو دون علمهما ويسجل الأغاني التي يؤلفها بالإنجليزية، وبمجرد شعوره بعودتهم للمنزل يذهب سريعًا لغرفته ويطفئ الأنوار، إلا إن والده يكتشف ما يفعله بوضع يديه على أجهزة الاستديو عندما يجدها ساخنة".
قبل ثلاثة أعوام، وتحديدًا في الرابع من يناير عام 2020، رحل الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، متأثرًا بفيروس كورونا، ومعاناته من مرض النسيان الذي يعد أحد مراحل ألزهايمر، بحسب ما أكد "غسان".
عاش غسان متأثرًا بغياب والده ورحيله لفترة طويلة، وكشف عن مشاعره قائلًا: "شعرت بالإحباط قبل أن يتوفى والدي، لأنني كنت أراه ينتهي، ولم ندع فرصة للإعلام لمعرفة شيء عن حالته الصحية، ورحيله أثر في، ولم أتخط الحزن وألم الفراق، وكثيرون يقولون لي إنني لن أستطيع تخطي رحيل والدي، لكن ربما أتعود على ذلك بحكم الأيام، إلا إنني عندما أكون بمفردي أتذكر رحيله".
جمعت علاقة صداقة بين إلياس الرحباني وأولاده ليكشف غسان عن تفاصيل هذه العلاقة، قائلًا: "إلياس الرحباني كان صديقًا لي ولشقيقي وليس أبًا فحسب، وكنت أشعر بالسعادة عندما يأتي معي لمقابلة أصدقائي، فكان يشعرني أنه أصغر مني، وكنت أراه مراهقًا لا متناهيًا، إذ كان يرفض فكرة التقدم بالعمر ويحب مناداته باسمه فكنا نناديه بإلياس بدلًا من (بابا)".
لم يفارق الحزن حياة إلياس الرحباني بحسب ما أكده نجله: "الحزن والقلق على المستقبل كان شعورًا دائمًا يلازم والدي، والأقراص المهدئة التي أخذها زادت من الخوف من المجهول".
يبدو أن غسان يحتفظ في جعبته بكنز موسيقى لا يعرف أحد عنه شيئًا ولم يخرجه للجمهور، وأكد أنه يحتفظ بنحو 500 لحن لوالده سجلها، ولم يفصح عنها للجمهور مع شعوره بالرهبة الشديدة من الاقتراب من مكتب والده وتسجيلاته، ليشير إلى أن والده (إلياس) كان شاعرًا بجانب أنه موسيقي، إذ كتب 90% من أغنياته، مؤكدًا أنه ورث هذه الموهبة عنه ككاتب ومؤلف موسيقي.
شعور الحنين تملك إلياس الرحباني عندما اتخذ قرارًا بالسفر للعيش في العاصمة الفرنسية باريس، إلا إنه تراجع عن موقفه في لحظة فارقة في حياته، وعنها يقول غسان: "والدي كان يحب باريس وقرر العيش فيها، وأثناء توقيعه على تعاقد مع أحد المنتجين الفرنسين ذرف دموعه حنينًا إلى لبنان، وقتها تأكد المنتج الفرنسي أنه لن يستطيع أن يتركها، وقال له عُد إلى بلدك". ويضيف الابن: وقتها كنت صغيرًا في العمر، ووالدي قال لي "كنت أتمنى تكون كبيرًا لكي تشاركني هذا القرار".
أكد غسان أنه يرفض الانتقال للعيش في أي بلد آخر، ولكنه يذهب لكثير من الدول كزائر وسياحة، فيما يعتبر حلم هوليوود "كذبة كبيرة".
استنكر غسان الرحباني استعانة كثير من الأشخاص بموسيقى وألحان والده دون الرجوع إليه، مشيرًا إلى أنه يلجأ لمقاضاتهم قانونيًا لتعديهم على التراث الفني الذي تركه والده، مؤكدًا أنه يسعى لدمج بعض أعمال والده.
تتمتع مصر بحب كبير في قلوب أبناء الوطن العربي، وثمّة علاقة خاصة ربطت بين إلياس الرحباني ومصر، وعن ذلك يقول "غسان": "مصر بما تمتلكه من فن تمثل جزء من ثقافتنا وهي في القلب، ووالدي كان يعشقها وهناك 4 ألحان وضعها والدي بأجمل أفلام السينما المصرية مثل (حبيبتي) و(أجمل أيام حياتي)، و(دمي ودموعي وابتساماتي)، وكان عاشقًا لهذه الألحان".
ما زال تقديم ليلة في حب إلياس الرحباني في مصر، حلمًا يراود غسان، ليؤكد أنه يطمح للتعاون مع دار الأوبرا المصرية، لتنظيم أمسية لعزف كلمات وألحان أشهر أعمال إلياس الرحباني.