يطرح انعقاد القمة العربية الـ31 بدولة الجزائر ، في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما ارتبط بها من ركود اقتصادي عالمي، صاحبه تعثر في سلاسل إمداد الغذاء العالمية، وارتفاع في أسعار المحروقات، هذا بالإضافة إلى أوضاع سياسية مضطربة في بعض الدول العربية، عدة تساؤلات، لعل أهمها: ما الذي يُمكن أن تٌفضي إليه هذه القمة من إجراءات وسياسات؟
ظروف معقدة:
تنعقد القمة في وقتٍ شديد الحساسية، سواءً على المستوى العربي، الذي تشهد فيه العديد من الدول العربية حالة من انعدام الأمان، وغياب الاستقرار السياسي اللازم لتحقيق التنمية، مثل الأوضاع في السودان، ليبيا، اليمن، سوريا ولبنان، إضافة إلى حالات انعدام الأمن الغذائي العربي، نتيجة تعطل سلاسل الإمداد العالمية، إضافة إلى تأثر المحاصيل بحالة الجفاف التي ضربت بعض الدول العربية مثل الصومال، وبوتيرة أقل منها في المغرب الذي عانى هذا العام من انحسار مياه الأمطار، مما كان له أثر سلبي على محاصيلها الزراعية. وعليه، يمكن رصد أهم المؤشرات الدالة على تعدد تحديات القمة، هي كالتالي:
(*) الاستقطاب الدولي، والإقليمي: جاء انعقاد القمة العربية الـ31، في ظل حالة من الاستقطاب الإقليمي والعالمي؛ إذ يشهد النظام الدولي إرهاصات لتغيير الوضع الراهن الذي يُهيمن على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات. وفي هذا السياق، أعلنت الدول العربية التزامها الحياد وعدم الانحياز لأيٍ من الأطراف المتصارعة. ومن المتوقع أن تعمل القمة على تأكيد هذه السياسة تقديرًا لما يربط الدول العربية من علاقات مشتركة مع الأطراف كافة. على صعيدٍ آخر، تُمثل حالات التدخل الإقليمي في شئون الدول العربية لا سيما إيران التي يمتد نفوذها في بعض العواصم العربية، وتركيا التي تحتل مناطق الشمال السوري، اهتماما واضحاً على أجندة الأطراف المشاركة في القمة.
(*) انعدام الأمن الغذائي: لقد عانت الدول العربية من تعطل سلاسل إمداد الغذاء العالمية التي نتجت عن الحرب الدائرة رحاها في أوربا، لا سيما أن الدول العربية تعتمد على كل من موسكو وكييف في تأمين حصصها من الحبوب خاصة القمح.
يُذكر أن أوكرانيا وحدها تؤمن 38% من احتياجات الدول العربية من القمح.
(*) غياب الاستقرار السياسي: تشهد مجموعة من الدول العربية حالة من غياب الاستقرار السياسي، وهو ما أدى إلى ضعف بنية الدولة وتراجع دور مؤسساتها الوطنية لصالح الجماعات والأحزاب ذات المصالح الضيقة، كما الحالة التي أصابت السودان. في هذا السياق، لا زالت الدولة السورية تعاني من تفتت وتمزق بمشاركة إقليمية ودولية، وهو ما كان له أكبر الأثر في استمرار غياب الحل السياسي للأزمة. على صعيدٍ آخر، لا زالت الدولة الليبية تعاني من حالات انقسام حاد، وتعثر في المسار السياسي، ويأتي ذلك متزامنًا مع بزوع حالة من عدم الاستقرار السياسي وخلو منصب رئيس الجمهورية في لبنان بعد فشل مجلس النواب في انتخاب خليفة الرئيس اللبناني الحالي "ميشيل عون". وعلى الرغم من نجاح الهدنة في اليمن، إلا أنها لم تؤدي إلى تسوية سياسية تُفضي إلى انتهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عام 2015، وعودة مؤسسات الدولة اليمنية في القيام بأدوارها لرعاية شعبها، والتكفل باحتياجاته وضروراته الأساسية.
(*) الأزمة الاقتصادية العالمية: أفرزت حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها العالم حالة وهن اقتصادات بعض الدول العربية غير النفطية؛ حيث عانت أغلب الدول العربية من الأزمة الغذائية العالمية، وارتفاع أسعار المحروقات والطاقة، وتدهور قيمة العملة نتيجة هروب بعض الأموال الساخنة لا سيما بعد الإجراءات التحفيزية التي اتخذها البنك الفيدرالي لجذب رؤوس الأموال مثل رفع الفائدة لأكثر من مرة.
(*) أزمة تغير المناخ: تأتي القمة العربية بالجزائر متزامنة مع استضافة القاهرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ "COP27" بمدينة شرم الشيخ الساحلية (شرق القاهرة). ورغم تغافل العرب عن مسألة تغير المناخ لوقتٍ طويل، إلا أنه أصبح الحديث عن تأثيراته أولوية أكثر من أي وقتٍ مضى لا سيما أن الدول العربية تعاني من آثاره السلبية مثل التصحر، وتآكل السواحل، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الذي عانت منه المغرب هذا العام؛ حيث شهدت حالة جفاف كبيرة أثرت على مجالات الزراعة والتربية الحيوانية، إضافة إلى معاناة منطقة القرن الإفريقي، وفي القلب منها دولة الصومال، من المجاعات جراء تغيّر المناخ وانحسار الأمطار.
احتمالات واردة:
من المتوقع أن تفضي القمة إلى دعم استراتيجية الأمن الغذائي العربي، ودعم مصر في استضافة قمة المناخ (Cop 27)، والتوافق حول ضرورة استعادة الزخم العربي لدعم القضية الفلسطينية، ومن المستبعد أن تُنجز القمة خطوات حقيقية قابلة للتنفيذ فيما يتصل بحلحلة بعض الخلافات العربية العربية، وإدانة التدخلات الإقليمية، وسنبرز ذلك فيما يلي:
(&) التوافق حول دعم القضية الفلسطينية: من المتوقع أن تؤثر مخرجات القمة إيجابًا على الملف الفلسطيني، خاصة بعد نجاح الدبلوماسية الجزائرية في جمع الفرقاء الفلسطينيين في 12 أكتوبر 2022، استكمالًا للدور المصري، وتوقيع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركتي "فتح" و"حماس" على ما أُطلق عليه "إعلان الجزائر". وبموجب هذا الإعلان، تلتزم الفصائل الفلسطينية بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام، لوضع حد للانشقاق الذي يمزق صفوفها.
(*) دعم مصر في استضافة قمة المناخ (Cop27): من المتوقع أن تُعلن القمة العربية دعمها للقاهرة في استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ باعتبارها ممثل للعرب والدول الإفريقية. ويأتي استضافة القاهرة للقمة في ظل حالة من تدهور الأوضاع المناخية، وتزايد انبعاثات الكربون، وتراجع التمويل الدولي لحالات التكيف اللازمة مع هذا التغير.
(*) دعم استراتيجية الأمن الغذائي العربي: من المتوقع أن تخرج القمة بتوصيات تتعلق بمعالجة مشكلة الأمن الغذائي، ومن المرجح أن يرافق هذه التوصيات آليات تنفيذية تتعلق بتوفير التمويل اللازم لتحقيق الأمن الغذائي العربي. وقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن هشاشة الأمن الغذائي العربي، لا سيما أن بعض دوله مثل اليمن والصومال مرَّت بمجاعات أودت إلى موت الآلاف، وهو ما تحذر منه منظمة الغذاء العالمية (FAO) دائمًا.
(*) التدخلات الإقليمية بالدول العربية: من غير المحتمل أن تضع مخرجات قمة الجزائر حدودًا للتدخلات الإقليمية بالدول العربية؛ حيث يخضع هذا الملف لحالات التوازن والاستقطاب الشديدة التي تعيشها الدول العربية؛ إذ تستند إيران في تدخلاتها بالمنطقة على دعمٍ من حركات سياسية ومسلحة لتأكيد وجودها، كما الوضع في العراق، لبنان، سوريا، واليمن، فيما تعتمد تركيا في تدخلاتها بالملف السوري على دعم مناطق سيطرة المعارضة لهذا الدور، إضافة إلى دعم بعض الدول العربية الأخرى. وفيما يتصل بالدور التركي في ليبيا، فإنه يأتي على حساب العملية السياسية، خاصة أن أنقرة تعتمد في علاقاتها مع طرابلس على دعم حكومات منتهية ولايتها لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يُعزز بطبيعة الحال من استمرار تأخر الحل السياسي، الذي يُمكن أن يُفضي لتنظيم استفتاء على الدستور وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية ممثلة لكافة الليبيين.
في النهاية، يمكن القول إنه رغم الظروف المحيطة بقمة الجزائر ، منها الاستقطابات الدولية والإقليمية، والأوضاع العربية غير المستقرة نتيجة للتحديات المختلفة تحيط بتلك المنطقة- إلا أن الشعوب العربية تنتظر من القمة أن تنعكس إيجابيًا على حياتهم اليومية.