الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المسار الخطر.. استراتيجيات المواجهة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا "الدعم السريع"

  • مشاركة :
post-title
تخوفات من تأثير استخدام الأسلحة الثقيلة داخل المدن على أوضاع المدنيين- رويترز

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

فوجئ السودانيون صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، باشتباكات دموية بين شقي المكون العسكري السوداني؛ القوات المسلحة السودانية بقيادة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وميليشيا "الدعم السريع" التي يتزعمها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي". وقد أفرزت هذه الحالة واقعًا جديدًا على الساحة السياسية السودانية يُمكن أن يؤثر بدوره على أسس الدولة المدنية التي ينشدها السودانيون في ثورة ديسمبر ضد الرئيس السابق عُمر البشير الذي أسس لدور ميليشيا "الدعم السريع" بعد استعانته بها في دارفور.

نتناول في هذا التحليل خلفية الأحداث وأسباب الخلاف بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، واستراتيجيَّات المواجهة التي يتبناها كل طرف.

خلافات ممتدة

بدأت الأحداث بتحركات مريبة من ميليشيا "الدعم السريع" لنشر وحداتها في الخرطوم وبعض الأماكن الأخرى دون تنسيق مسبق مع القوات المسلحة التي رفضت بدورها هذه التحركات. الأمر الذي دعا القوات المسلحة السودانية إلى التحذير يوم الخميس الموافق 13 أبريل 2023 من مواجهات محتملة بين الجانبين على أثر هذه الإجراءات. تجدر الإشارة إلى أن شهر مارس الماضي شهد محادثات جادة لدمج ميليشيا ""الدعم السريع" في الجيش السوداني بموجب خطة انتقالية تفضي إلى إجراء انتخابات عامة. ونُشير فيما يلي إلى أبرز الخلافات التي صعَّدت الأحداث بين الجانبين:

(*) الإصلاح الأمني والعسكري: تُعد مسألة دمج ميليشيا "الدعم السريع" في القوات المسلحة السودانية نقطة خلاف جوهرية أدت إلى احتدام الصراع بين الجانبين؛ إذ ترفض قيادة الميليشيا فكرة الدمج والانصهار داخل الجيش. وللقوات المسلحة السودانية رؤية شاملة حول مسألة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية. وتشير التحليلات إلى أن تحركات حميدتي جاءت بعد خلاف مع البرهان حول الإجراءات التنفيذية لدمج ميليشيا "الدعم السريع" في الجيش السوداني، وهناك خلافات حول الجدول الزمني لدمج الميليشيا في الجيش السوداني، وآلية هذا الدمج، واشتراط الجيش ضرورة وقف فتح أي معسكرات أو تجنيد أي منتسبين جدد لـ"الدعم السريع"، وهو الأمر الذي يرفضه حميدتي.

(*) الموقف من العملية السياسية: ظهر من تعاطي رئيس مجلس السيادة مع الاتفاق الإطاري أن هناك رغبة مؤكدة في ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية لضمان نجاحها، فيما يرى قائد ميليشيا "الدعم السريع" أن الاتفاق كان من المهم تنفيذه دون اقتطاع أو تجزئة. ويعتمد حميدتي في هذا الموقف على مغازلة قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي) لتكون ستاره المدني نحو قبول الغرب به وبميليشيّته كطرف في المشهد السياسي السوداني، خاصةً أن هذه القوى لديها قبولًا غربيًّا، لا سيَّما لدى مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبرها القوة الديمقراطية الأساسية في السودان. ظهر ذلك من خلال خطاب الديمقراطية وقيم الحرية التي برر بها حميدتي تمرد قواته رغم تاريخها الأسود في دارفور، وما صاحبه من دمار وسيطرة على الممتلكات الخاصة والعامة أثناء العمليَّات.

(*) الأطماع الشخصية: اعتبر بيان للناطق باسم القوات المسلحة السودانية أن الأطماع الشخصية لقيادة ميليشيا "الدعم السريع" هي السبب في تصعيد الأحداث، وذلك في إشارة إلى الطموحات الشخصية لقائد الميليشيا "حميدتي". ودعا الناطق باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله في تصريحات تلفزيونية ضباط الصف والجنود بميليشيا "الدعم السريع" بالانضمام للقوات المسلحة وألا يكونوا أداة في هذه المعركة لتنفيذ الطموحات الشخصية غير المشروعة لقيادتهم.

القيادة العامة للجيش السوداني

(*) توسع ميليشيا "الدعم" دون التنسيق مع قيادة الجيش: رفضت قيادة القوات المسلحة السودانية التحركات المنفردة لميليشيا "الدعم السريع". وكان الجيش السوداني قد حذَّر صباح 13 أبريل 2023 من تحشيد ميليشيا "الدعم السريع" قواتها في بعض المدن خاصة العاصمة الخرطوم دون تنسيق مُسبق مع القوات المسلحة. وبرز من خلال هذا التحشيد أن ميليشيا "الدعم السريع" كانت تهدف من ذلك للسيطرة على مداخل الخرطوم للانقضاض على مؤسسات الدولة السودانية، وهو ما برز في حشدها للسيطرة على نقاط حساسة مثل مقر تلفزيون السودان ومباني القيادة العامة وقصر الضيافة والقصر الجمهوري ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض في بداية الأحداث قبل أن تتراجع بفعل ضربات سلاح الجو السوداني وتحركات مختلف قوات ووحدات الجيش.

(*) اتهامات بدور للإخوان في تأجيج الوضع: يشير قائد ميليشيا "الدعم السريع" بإصبع الاتهام إلى قيادة القوات المسلحة بالعمل على الالتفاف على الاتفاق الإطاري والعملية السياسية بهدف إعادة نظام الإنقاذ إلى السلطة. من جانبها اتهمت "قوى الحرية والتغيير" بقايا نظام الرئيس السابق عمر البشير بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة وميليشيا "الدعم السريع" لتقويض الانتقال إلى حكومة مدنية، وتدمير العملية السياسية، ومن ثم العودة للمشهد السياسي. وحذر بيان قوى الحرية والتغيير ما أسماه محاولات فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير في إشعال الفتنة بين الجيش و"الدعم السريع" لإجهاض ثورة ديسمبر.

استراتيجيَّات المعركة وأدواتها

أبرزت استراتيجية كلا الطرفين في إدارة معركة السيطرة على العاصمة فرقًا واضحًا بين الجيوش النظامية التي تحرص على أمن وسلامة المنشآت المدنية، ونمط الميليشيَّات. فيما يلي، نُبرز استراتيجيَّات المعركة لكلا الطرفين:

(*) القوات المسلحة السودانية:

تمثلت استراتيجية القوات المسلحة السودانية في معركتها مع ميليشيا "الدعم السريع" على:

1-حفظ الأرواح، وحماية المنشآت: اختلفت استراتيجيَّات إدارة المعركة في الخرطوم بين القوات المسلحة السودانية، وميليشيا "الدعم السريع"؛ ففي الوقت الذي تحرص فيه القوات المسلحة باعتبارها مؤسسة مهنية ومحترفة على سلامة المواطنين، والمنشآت الخدمية والمدنية، لم تكترث ميليشيا "الدعم السريع" التي اعتادت سياسة الأرض المحروقة.

2-امتصاص الضربة الأولى: استغلت ميليشيا "الدعم السريع"مواقعها الميدانية ومهامها في مشاركة القوات المسلحة السودانية في تأمين المقار الأمنية والحساسة كالقصر الجمهوري ودار الضيافة ومقر تلفزيون السودان في أم درمان ومطار الخرطوم ومروي وغيرهم في تسهيل مهام عناصرها في التسلل إلى هذه المقار بحكم معرفتهم بدهاليزها.

في هذا السياق، اتهم رئيس مجلس السيادة، البرهان، ميليشيا "الدعم السريع" بالخيانة والغدر بعد مهاجمة هذه المقار. لذلك، كانت المهمة الأولى للقوات المسلحة السودانية في اليوم الأول من التمرد امتصاص الضربة والبدء في التنسيق على جميع المستويات لحرمان ميليشيا "الدعم السريع" من تحقيق سيطرة فعلية على أيٍ من المؤسسات.

قوات الجيش تسيطر على أحد معسكرات ميليشيا الدعم السريع ببورتسودان

3-تدمير مقار ميليشيا "الدعم السريع": ارتكزت المرحلة الثانية من خطة المواجهة الشاملة التي تبنتها القوات المسلحة السودانية على استهداف مقار ومخازن الأسلحة والذخيرة التابعة لميليشيا "الدعم السريع" خاصة في الخرطوم التي تُعد بؤرة الصراع في الأزمة. وأعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية السيطرة على كثير من معسكرات ميليشيا "الدعم السريع" في كرري شمال أم درمان، ومدن بورتسودان وكسلا والقضارف والدمازين وكوستي وكادوقلي وكردفان، والفاشر ونيالا في دارفور. وقد أفاد الجيش عن تمكنه من قطع الاتصالات بين الميليشيات إضافة إلى نفاد 80% من احتياطاتهم من السلاح والوقود.

4-استعادة خدمات القوات الجوية: قامت خطة ميليشيا "الدعم السريع" في بداية تمردها على ضرورة إخراج القوات الجوية السودانية من معادلة الصراع باعتبارها سلاحًا نوعيًا يمتلكه الجيش السوداني حصرًا دون غيره، وباعتباره العامل الحاسم الذي يتميز به الجيش السوداني عن ميليشيا "الدعم السريع" خاصة بعد الكفاءة التي وصلت لها هذه القوات نتيجة برامج التدريب والمناورات المشتركة مع غيرها من الجيوش النظامية، وبالتالي تمكن من تغيير مسار المعركة وأسفر الدعم الجوي عن سيطرة القوات المسلحة السودانية في اليوم الثاني على زمام الأمور في الخرطوم.

5-حسم المواقف تجاه ميليشيا الدعم: اعتبر قائد القوات البحرية السودانية السابق الفريق فتح الرحمن محيي في تصريح خاص لقناة "القاهرة الإخبارية" أن مرونة القوات المسلحة، وتنازلها لصالح ميليشيا "الدعم السريع" تجنبًا للخلافات وبث الفرقة بما يضر بالمشهد السياسي السوداني، جعل الأخيرة تتمادى في الانتشار لفرض مزيد من محاولات التطويق والسيطرة على القوات المسلحة ظنًا منها بضعف القوات المسلحة، وهو الأمر الذي حدث عكسه تمامًا بعد حالة التمرد؛ حيث تم إعلانها رسميًا كميليشيا متمردة ضد الدولة، وإعلان الفريق أول عبد الفتاح البرهان تقديم قادتها للمحاكمات القضائية فور القبض عليهم.

(*) ميليشيا "الدعم السريع"

قامت استراتيجية ميليشيا "الدعم السريع" في حسم معركة السيطرة على الخرطوم سريعًا على مجموعة من الأسس والاستراتيجيَّات:

1-التحركات الليلية: تنشط ميليشيا "الدعم السريع" في أوقات المساء، وفي جُنح الليل؛ إذ تعمل على استعادة مناطق تقدمها مستفيدةً في ذلك من تراجع فاعلية سلاح الجو نتيجة ضعف الرؤية، وتراجع دقة الأهداف في أوقات الليل، وهو ما يجعلها تشعر أنها ند للقوات المسلحة نتيجة تحييد سلاح الجو كعامل حاسم بالنسبة للقوات المسلحة في معارك الخرطوم.

مطارات السودان الاستراتيجية

2-خطة الانتشار: قامت خطة انتشار ميليشيا "الدعم السريع" قُبيل بدء الصراع على الانتشار في الأماكن الحيوية المحيطة بالقيادة العامة مثل تلفزيون السودان والقصر الجمهوري، والمطارات والقواعد الجوية، وقيام عناصر التأمين التابعة لها بتسهيل مهمة التسلل إلى هذه المقرَّات، وذلك في إطار خطة تطويق المناطق الاستراتيجية بالخرطوم لتأكيد السيطرة أمام العالم والرأي العام السوداني، وهو ما تبخر بعد استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة بعد امتصاصها للضربة الأولى.

3-إشاعة الفوضى عبر استهداف المصالح الأجنبية: اتهم الجيش السوداني ميليشيا "الدعم السريع" بانتهاج سلوك إرهابي بعد الاعتداء على البعثات الاجنبية مثل حادث استهداف البعثة الأمريكية والاعتداء على منزل سفير الاتحاد الاوروبي. وبعدها، نفت ميليشيا "الدعم السريع" هذه الاتهامات. وتُمثل ممارسة الاعتداءات والتخريب سياسة ممتدة لميليشيا "الدعم السريع".

4-توظيف أدوات الحرب الإعلامية: سعت ميليشيا "الدعم السريع" منذ اللحظة الأولى لتمردها على السيطرة على تلفزيون السودان في أم درمان لبثها خطابها الأول قبل أن يتمكن الجيش السوداني من إجبارها على التراجع ويقوم ببث بياناته المختلفة. ويُدرك قائد الميليشيا أهمية الأدوات الإعلامية المختلفة في إنجاح تمرده على القوات المسلحة، وهو ما تأكد بحرصه ومستشاريه مثل يوسف عزت على الظهور على القنوات الإعلامية واسعة الانتشار لإبراز تطورات الموقف الميداني على الأرض، فضلًا عن فبركة الأحداث على صفحات قائد ميليشيا "الدعم السريع" أو الميليشيا نفسها على وسائل التواصل، وذلك في سياق الحرب النفسية والإعلامية.

5-حرب المدن: يعمل حميدتي على جر المعركة إلى حرب مدن، وهي الحرب التي تجيدها قواته جيدًا مستفيدة في ذلك من تدخلها في الحرب الأهلية في إقليم دارفور، وهو ما أكسبها خبرة ميدانية كبيرة تناقلتها عبر الأجيال، على أمل ألا يتمكن الجيش السوداني من مجاراة هذه الحرب خوفًا على أرواح المدنيين، وهو الأمر الذي برز بعمل قوات الجيش على إخراج الميليشيا من الخرطوم، واستهداف معسكراتها هناك.

إجمالًا؛ مثلت تفاعلات رواد وسائل التواصل الاجتماعي، والتظاهرات في ولاية النيل الأزرق الداعمة للجيش بداية جديدة لتوافق سوداني عام يقضي بضرورة القضاء على الميليشيَّات وتوحيد المؤسسة العسكرية كأساس لأي عملية سياسية في المستقبل. يعني ذلك فقد الجماهير السودانية الثقة في الميليشيا خاصة بعدما تداول نشطاء وسائل التواصل ووسائل الإعلام أنباء قيام الميليشيا بالحرق والاعتداء والتدمير كلما دخلت مكانًا مثل تلفزيون السودان ومطار الخرطوم وقاعدة مروي، وغيرها من الملكيات الخاصة والعامة السودانية. وتُعد هذه الطريقة شبيهة باستراتيجية الميليشيا في دارفور.